بعد نحو شهر على توقف صحيفة «فرانس سوار» عن الصدور، نالت الأزمة الحادة التي تواجهها الصحافة المكتوبة في فرنسا والعالم من مطبوعة أخرى هي صحيفة «لا تريبون» الاقتصادية. وخصص فريق الصحافيين العاملين في «لاتريبون» العدد الأخير من مطبوعتهم (حمل الرقم 4903 وتصدرت صفحته الأولى مانشيت عريضة: «لا تريبون تهديكم أفضل تحياتها») للحديث عن أسباب «وفاتها»، وتناولوا الدور الذي لعبته في إطار المشهد الإعلامي الفرنسي طوال 27 سنة، وتضمن النص شهادات لبعض العاملين في الصحيفة. وعلى غرار ما حل ب «فرانس سوار»، لم تتمكن «لا تريبون» من الاستمرار في مواجهة تراجع مبيعاتها وانخفاض عائدات الإعلانات وارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع، فأدى تراكم الخسائر إلى زوال الصحيفة الفرنسية الصادرة في حجم «تابلويد» والتي صدر عددها الأول 15 كانون الثاني (يناير) 1985. وعلى غرار «فرانس سوار» أيضاً، غابت «لا تريبون» عن أكشاك بيع الصحف لتتحول إلى موقع إلكتروني متخصص في الشؤون الاقتصادية عنوانه «لا تريبون. أف آر» وإلى طبعة أسبوعية ستبدأ بالصدور في الربيع المقبل. وتسنى نقل الصحيفة إلى العالم الافتراضي بعد إقدام مجموعة «أف أو آر» وشريكتها «هاي ميديا» على شرائها وضخ 7 ملايين يورو في موازنتها، مع الاستغناء عن الكثير من العاملين فيها من صحافيين وتقنيين بلغ عددهم 50 شخصاً من أصل 165. وتشكل هذه النقلة نهاية أخرى مأسوية لمطبوعة نجحت طوال تاريخها في منافسة صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية بفضل جرأة عناوينها وأسلوبها المميز في صياغة المواضيع وطرحها. لكن «لي زيكو» التي باتت الآن الصحيفة الاقتصادية الوحيدة في فرنسا تستند في بقائها إلى مجموعة «أل في أم أش» العملاقة، في حين أن «لا تريبون» التي كانت تبيع حوالى 60 ألف نسخة وتحظى بصدقية كبيرة لدى المعنيين بالشؤون الاقتصادية افتقرت إلى مثل هذا السند. ونتيجة تواضع إمكاناتها المادية، لم تتمكن «لا تريبون» من التكييف مع التقنيات التكنولوجية الحديثة، وهذا ما لم ينجح في علاجه كل الذين تناوبوا على شراء الصحيفة وبلغ عددهم ستة مالكين في غضون ثلاثة عقود. وجاءت نهاية «لا تريبون» عن يد فاليري ديكان التي اشترت الصحيفة بمبلغ قدره يورو واحد رمزي نظراً إلى العجز البالغ في موازنتها. وراهنت ديكان على إمكان إيجاد مستثمرين قادرين على إعادة تعويم الصحيفة. لكن رهان ديكان لم ينجح، واستمرت «لا تريبون» في تسجيل الخسائر حتى بلغت 5 ملايين يورو عام 2011، ما أدى إلى وضعها تحت الوصاية القضائية قبل أن يتخذ قرار بتصفيتها. ويشكل غياب هذه الصحيفة تحذيراً جديداً موجهاً إلى الصحف الفرنسية الأخرى التي تسعى إلى البقاء والصمود على رغم الأزمة المحدقة بها، والتي بدأت تلوح في الأفق مع ظهور الراديو والتلفزيون، وتفاقمت حدتها مع تعميم الإنترنت الذي لم يكسر احتكار الصحافة للخبر فقط بل جعل هذا الخبر مجانياً. وهذا ما قصده العاملون في «لا تريبون» بقولهم في العدد الأخير لمطبوعتهم أن «ما من صحيفة قتلت صحيفة أخرى»، لكن الإنترنت «قلّص يوماً بعد يوم الحاجة إلى شراء صحيفة يومية».