الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل سنتين، ما زالت تعصف بالصحافة الورقية في أرجاء العمورة. ولعل ما تمر به صحيفة «فرانس سوار» شاهد واضح على استمرار الأزمة ومفاعيلها. فالصحيفة الفرنسية المسائية، كانت ربما «المختبر» لزميلاتها، خصوصاً ان الأزمات تتعاقب عليها منذ سنوات. الصحيفة التي أسسها بيار لازاريف في أربعينات القرن الماضي، شكلت محط أطماع رجال الأعمال نظراً إلى موقعها عبر تاريخ فرنسا، إذ كانت تعد من أوائل الصحف الفرنسية والأكثر مبيعاً. وشهية رجال الأعمال على شراء العناوين الصحافية ليست بجديدة، كما حصل أخيراً مع جريدة «لوموند» التي انتقلت إدارتها الى مصرفي ذكي هو ماتيو بيغاس وبيار برجيه. لكن المفاجأة في قضية الصحيفة المسائية كانت بانتقال ملكيتها الى الثري الروسي سرغي بوغاتشيف الذي كان يلقب في موسكو ب «الدماغ المفكر للكرملين» في تسعينات القرن الماضي، والذي يملك في فرنسا منازل فخمة في نيس، على الساحل اللازوردي، ويدير الصفقات التجارية فضلاً عن امتلاكه عدداً من الشركات الكبرى. وجاء شراء «فرانس سوار» ليسلط الأضواء على رجل الأعمال الروسي الذي سرعان ما سلّم الصحيفة لابنه الشاب الكسندر بوغاتشيف (23 سنة) الذي يحمل الجنسيتين الروسية والفرنسية والذي سلّمه والده رئاسة شركة «سابلون انترناشيونال»، وعبرها اشترى 85 في المئة من رأس مال الصحيفة. ووصول المساهم الروسي كان أمراَ محتماً بسبب سوء الوضع المالي للصحيفة التي كلفت جان بيار بورنوا تسعة ملايين يورو من الخسائر. والصحيفة تبيع حالياً نحو 23 ألف نسخة يومياً، في مقابل مليون نسخة في سنوات العز، إذ كانت الصحيفة الفرنسية الوحيدة التي تتخطى مبيعاتها المليون. وفور تسلمه مقاليد «فرانس سوار»، عقد بوغاتشيف الابن العزم على الاستثمار في شكل مكثف وإعادة تقويم الصحيفة رويداً رويداً، عبر سلسلة من الاختبارات لجس نبض قرائها والاستعانة برئيس «لوجورنال دو ديمانش» كريستيان دو فيلنوف. لكن صبر الرجل لم يصمد، وبعد خمسة أشهر استدعى مدير التحرير ليعلمه بأنه قرر تحويلها الى صحيفة صفراء، على غرار «بيلد» الألمانية أو «صن» البريطانية، إن كان ذلك يدر الأموال على الصحيفة. ومن بين العناوين الفاقعة التي سعى إلى فرضها على هيئة التحرير: «العرب كلهم لصوص». وهكذا، يبدو أن الحظ السيّء يلاحق «فرانس سوار»، إذ لم تحظ بحسن حظ «لوموند» التي وجدت في منقذيها ماتيو بيغاس وبيار برجيه رجلي أعمال لا يخفيان ارتباطهما العاطفي والمعنوي بالصحيفة العريقة، فضلاً عن إيمانهما بضرورة أن تحافظ «لوموند» على موقعها كمرجع. ونقلت الأخيرة عن المتخصص في شؤون الإعلام وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك جاي روزن رؤيته أن نموذج الصحيفة اليومية لم يعد يتناسب مع التركيبة الاقتصادية الجديدة، معتبراً أن الحل يكمن في تنويع مصادر دخل الصحيفة عبر اقتراح أنماط مختلفة من المعلومات... والخدمات.