التقى إعلاميون ومسؤولون صحيون من مصر ولبنان والأردن واليمن والبحرين والإمارات والعراق وتونس والسودان في حلقة نقاش حول أخلاقيات الإعلام الصحي واستراتيجياته. نظّم الحلقة «المكتب الإقليمي لدول شرق المتوسّط» («إمرو») التابع ل «منظمة الصحة العالمية» واستضافها منتجع شرم الشيخ في مصر أخيراً. الصحة مادة جاذبة للإعلام انطلقت الحلقة بملاحظة وجود حاجة إلى اعتماد تعريف للصحة، التي تُعَرّف وفقاً لدستور «منظمة الصحة العالمية» بأنها «حال المعافاة بدنياً ونفسياً واحتماعياً وروحياً، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز». تناولت الحلقة نفسها قضايا كثيرة. وبدأت بحوار عن «الأولويات الصحية في إقليم شرق المتوسّط»، تضمّن محاضرات للدكتور علي المضواحي الناطق الرسمي باسم «إمرو» والمستشار الإقليمي للإعلام بالإنابة في المنظمة عينها، و«ملاحظات حول التناول الإعلامي للقضايا الصحية» للدكتور عصام السيد (مسؤول الإعلام في مجلس وزراء الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي)، و «قواعد نقل المعلومات الصحية للجمهور المستهدف» للدكتورة ليلى عبدالمجيد (عميدة كلية الإعلام في جامعة الأهرام الكندية)، و«استراتيجيات الاتّصال الصحي» للدكتور سمير الألفي (الخبير المصري في شؤون الاتّصال الاحتماعي). وكذلك زخرت حلقة النقاش بعرض نماذج عن أعمال الإعلاميين المشاركين فيها، وبينهم الزملاء روى الأطرش من تلفزيون «المستقبل» لبنان، ومي الشافعي من الإذاعة المصرية، ومحمد حلمي من التلفزيون المصري، وأحمد حسن من تلفزيون السودان، وناجح ميساوي من تلفزيون تونس، وماهيتاب كمال من تلفزيون «إم بي سي»، وسهير شميس من «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، وعزيزة فؤاد من مجلة «نصف الدنيا» القاهرية وغيرهم. وجرى خلال الحلقة إنتاج مواد تلفزيونية وإذاعية وصحافية طُبّقت فيها ثمار هذا النقاش الذي ركّز على محاور مثل جعل الصحة مادة جاذبة للإعلام، وعقبات الاتّصال الفعّال، والصحة باعتبارها حقاً من حقوق الإنسان، والاتّصال أثناء الأخطار والأزمات كوسيلة لتغيير سلوك مهنة الإعلام وأخلاقياتها في تناول القضايا الصحية وغيرها. وعلى هامش الحلقة، سألت «الحياة» منى ياسين مسؤولة الإعلام في «إمرو» عن ملاحظاتها حول الإعلام الصحي في دول الإقليم. وتوقّفت ياسين عند إشكالية الندرة في الإعلام الصحي المختصّ على رغم تحقّق مبدأ التخصّص إعلامياً في كثير من المجالات، وغياب كيان يربط الإعلاميين الصحيين العرب ويعمل على تطوير مهاراتهم. وأشارت إلى استمرار كثير من الإعلاميين العاملين في المجال الصحي في الارتباط عضوياً بالمؤسسة الصحية الرسمية ما يجعلهم يعتبرون أن دورهم ينحصر في تغطية أخبار وفاعليات هذه المؤسسة. ولاحظت ياسين أيضاً وجود ميل لاعتماد القوالب التقليدية في تناول الشؤون الصحية، ومحدودية الانفتاح على قوالب إبداعية للتغطية الصحية، وندرة الإعلاميين الصحيين المهتمين بوسائل الاتّصال الاحتماعي الإلكتروني مثل «فايسبوك» و«تويتر» و«لينكدن» و«ماي سبايس» وغيرها. وفي المقابل، لاحظت ياسين أن بعض الصحافيين يغرق في ميله للاعتماد على هذه الوسائل، ليس بصفتها طريقة للاتّصال، بل كمصدر للمعلومات، التي غالباً ما تكون غير موثقة. واستوقف ياسين أيضاً غلبة مفهوم الرعاية المالية للبرامج والصفحات الصحية من قبل شركات خاصة قد تتضارب مصالحها مع الشأن العام في الصحة، ما يؤدي إلى إمكان أن تفرض هذه الشركات إرادتها على خيارات القائمين على هذه البرامج أو الصفحات الصحية. الاستجابة للتحدي التكنولوجي في سياق متّصل، أكّد الدكتور علي المضواحي ل «الحياة» أن «منظمة الصحة العالمية» تولي اهتماماً كبيراً للوسائط الحديثة في التواصل الاحتماعي ومواقعه وشبكاته في الإنترنت، معتبراً أن هذه الوسائط تمثّل قيمة معرفية كبرى تُظهر أهمية الاستجابة للتحولات الكبيرة في عالم التكنولوجيا وتحدّياتها. وأضاف: «خلال عملها في الشرق الأوسط، أقرّت المنظمة مبكراً أسلوب نقل المعلومات الصحية عبر الشبكة الإلكترونية العنكبوتية. لقد جاء هذا الأمر ضمن سعي المنظمة لتحديث بياناتها الحيوية كافة بصورة مستمرة. الحال أن هذه البيانات تعتبر عنصراً أساسياً بالنسبة للصحة العامة في المجتمع». في السياق عينه، أشار المضواحي إلى أن «إمرو» أطلق أخيراً صفحتين رقميتين على موقعي «فايس بوك» و«تويتر». وأوضح أن مع هاتين الصفحتين، صار موقع المكتب الإقليمي على شبكة الانترنت، مساحة افتراضية تفاعلية للحوار والتداول البنّاء في مسائل تتصل بأحوال النفس والجسد والمجتمع والروح، ضمن ما يعرف حاضراً باسم «المُحدّدات الاحتماعية» للصحة. وفي اختتام حلقة النقاش، حرصت الدكتورة نعيمة القصير وهي ممثلة «منظمة الصحة العالمية» في مصر، على تأكيد اهتمام المنظمة بشبكات التواصل الاحتماعي في مجال الإعلام الصحي. وأضافت: «تستقطب هذه الشبكات شريحة واسعة جداً من الشباب المفتقر إلى معلومات دقيقة عن السلوكيات الصحية السليمة، خصوصاً في ما يتعلق بالأمراض المزمنة مثل إصابات القلب والسكري وضغط الدم، وكذلك الأورام السرطانية، والتي يمكن الوقاية منها عبر تدابير بسيطة وتدخلات هيّنة، مع العلم أن هذه الأمراض مسؤولة عن 50 في المئة من الوفيات. وتتضمن هذه التدابير تبني نمط صحي في الغذاء، والاهتمام بممارسة نشاط بدني، والامتناع عن التدخين والكحول، والابتعاد عن مسبّبات الضغط النفسي وغيرها». وشدّدت الصغير أيضاً على أهمية أن يحرص الإعلام على إيصال المعلومة الصحيحة إلى الشباب باعتبارهم الفئة الأكبر في دول إقليم شرق المتوسّط. ورأت أن من أخلاقيات الإعلام الصحي أيضاً التركيز على الرسائل الإيجابية، وتخفيف الضغوط النفسية، وتحري الدقّة في نقل المعلومات. وأشارت إلى أن الإعلاميين الصحيين يمثّلون شركاء أساسيين ل «منظمة الصحة العالمية»، على رغم أنهم ليسوا تابعين لها بأي حال من الأحوال. توصيات وكتيّب واختتمت الحلقة بمجموعة من التوصيات، تضمّنت الدعوة إلى اعتماد آلية للتواصل بين الإعلاميين الصحيين على مستوى إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط، وإصدار كتيب إرشادي يحتوي أبرز المصطلحات المتداولة والمؤشرات الصحية والسكانية، للقضايا ذات الأولوية، مع الحرص على طباعته بثلاث لغات هي العربية والإنكليزية والفرنسية، ووضع مسودة للتوجهات الاستراتيجية للاتّصال الصحي مع طلب رأي ممثلي الجهات الإعلامية فيها قبل إقرارها، وإعداد برنامج تشاركي بين «إمرو» والقنوات الإعلامية حول القضايا الصحية ذات الأولوية، ودراسة إمكان البث والنشر في وقت واحد. وكذلك شملت التوصيات رفع مستوى المهنية إعلامياً في مجال الاتّصال الصحي في دول الإقليم، عَبر دورات تدريبية مختصّة، ودراسة إمكان بدء نسق تعليمي يشمل منح دبلوم للصحافيين المعنيين بالصحة في المؤسسات الإعلامية لدول الإقليم، وتصميم حملات توعية صحية عن مواضيع منتقاة لكنها تقع أيضاً ضمن الأولويات الصحية، ودعت إلى مشاركة واسعة لممثلي وسائل الإعلام العرب في هذه الحملات. وأخيراً أوصت الحلقة بإعداد مسودة لميثاق شرف للإعلام الصحي ولوسائط الاتّصال المعنية بالصحة، بهدف التوسّع في مناقشة هذا الميثاق في اللجنة الإقليمية ل «منظمة الصحة العالمية»، تمهيداً لعرضه على الجهات الرسمية المختصة في دول إقليم شرق المتوسط، من أجل اعتماده رسمياً.