يعتبَر قرار «أوبك» الأسبوع الماضي تحديد سقف الإنتاج لدولها الأعضاء عند 30 مليون برميل يومياً ابتداء من بداية 2012 ومن دون توزيع الزيادة البالغة 5,2 مليون برميل يومياً على هذه الدول، قراراً نادراً للمنظمة، فهذا القرار التاريخي يعطي الحق لكل عضو في المنظمة في أن ينتج حسب ما يراه مناسباً ووفق قدرته الإنتاجية. وتوصلت المنظمة إلى هذا القرار في فترة وجيزة، ما يعني أن مفاوضات من خلف الكواليس أجريت بين قطبي «أوبك»، السعودية وإيران، على تهدئة الأوضاع خصوصاً السياسية منها، وشمل ذلك تشديداً إيرانياً على عدم إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة العالمية، وسمح بالاتفاق الثنائي على زيادة سقف الإنتاج وترك توزيع الحصص إلى اجتماع آخر. وعكس ذلك تفاهماً ودياً وحافظ على تماسك المنظمة بدلاً من إنهاء اجتماعها بالفشل وعدم التفاهم مثلما حدث في حزيران (يونيو) الماضي في فيينا. وأدى توافق قطبا المنظمة إلى قرار سهل مرْضٍ للجميع من داخل المنظمة وخارجها، خصوصاً بالنسبة إلى الدول المستهلكة لنفط دول المنظمة والتي رحبت بالبيان الرسمي، ما يعني حرية زيادة الإنتاج من قبل الأعضاء. وهذا عنصر مهم في الاتفاق الحالي، ويزيد ثقة المستهلكين في المنظمة، فهو عكس ترتيباً وتنظيماً جديداً من قبل المنظمة ذاتها ل «البيت النفطي» وعدم ترك الحبل على الجرار بما يؤدي إلى إلحاق الأذى بمكانة المنظمة وسمعتها في العالم. إن قرار زيادة سقف الإنتاج من معدل 24,8 مليون برميل يومياً إلى 30 مليوناً من دون تحديد حصة لكل دولة، قرار سليم إذ كان من المستحيل توزيع 5,2 مليون برميل يومياًَ على 11 عضواً من الأعضاء من دون العراق في خلال 24 ساعة، فكل عضو كان سيصر على زيادة نصيبه وحصته من الإنتاج، ربما لمجرد تسجيل موقف، على رغم أن معظم دول «أوبك» لا تملك أي طاقة نفطية فائضة عدا السعودية بحيث يستمر الأعضاء الآخرون بالإنتاج بأقصى طاقاتهم. ولولا التوافق السعودي - الإيراني لكان مصير اجتماع الأربعاء الماضي الفشل الذريع. مؤكد أن الأسعار الحالية للنفط (في نطاق 100 دولار للبرميل) مناسبة لدول المنظمة وهو ما أدى إلى اتفاق أعضاء المنظمة كلهم وقبولهم بالسقف الجديد للإنتاج، فالمنظمة كانت تنتج هذه المعدل منذ فشل الاجتماع الماضي في فيينا في حزيران ومع ذلك لم تتراجع أسعار النفط بل ارتفعت إلى ما فوق 110 دولارات للبرميل. ومع أن بعض أعضاء دول المنظمة تحبذ أن تكون أسعار النفط دون 100 دولار، هناك قبول عام لدى الدول المستهلكة لهذا المعدل الحالي على رغم أزمة اليورو في أوروبا وضعف النشاط التجاري والاقتصاد العالمي. سيبدأ تطبيق سقف الإنتاج الجديد مطلع الشهر المقبل وسيجتمع وزراء المنظمة في منتصف حزيران لمراجعة الأسعار ومعدلات الطلب العالمي والتوجهات العامة للنشاط التجاري والاقتصادي للشهور الستة الأولى من العام الجديد وستقرر سقف الإنتاج المقبل وكيفية التعامل من المعطيات الجديدة إن دعت الحاجة. ومؤكد أن اجتماع المنظمة كان ناجحاً بكل المقاييس من عودة الهدوء والتفاهم والتوافق بين قطبي المنظمة والمصالحة بين أعضاء المنظمة وعودة المصالح والمكاسب المشتركة. وعودة التفاهم والمصلحة المشتركة لدول «أوبك» في الأجلين القريب والبعيد مفيدة للجميع. هذه هي حال المنظمة العالمية: خلافات وتصالح من أجل المصالح المشتركة السياسية وكذلك المالية والنفطية. إن تصافي القلوب إنجاز آخر مميز ل «أوبك» لتجتاز مرحلة أخرى من الصعوبات. * كاتب متخصص بشؤون الطاقة - الكويت