لا شك في أن أسعار النفط كانت في العام الماضي أكثر استقراراً منها في الأعوام السابقة. وكان 2011 العام الوحيد الذي اختلفت فيه الدول المستهلكة والمصدرة ثم اتفقت على تثبيت أسعار النفط، فعملت دول «أوبك» بأقصى طاقاتها الإنتاجية لتزويد الأسواق بما يكفي من النفط، في حين استعملت الدول المستهلكة مخزونها الإستراتيجي من النفط لتثبيت الأسعار عند معدل 100 دولار للبرميل تجنباً للإضرار بالاقتصاد العالمي. وهكذا كان العام مميزاً للمنظمة على صعيد التعاون والتكاتف مع الدول المستهلكة، ما أدى إلى استقرار نسبي وهدّأ المخاوف ولجم التضخم المالي العالمي إثر صعود أسعار النفط إلى معدلات فاقت 100 دولار للبرميل. وقبل نحو ستة شهور، اختلف أعضاء «أوبك» على سبل التعامل مع النقص في الإمدادات النفطية من ليبيا ودول «الربيع العربي». وشكّل اجتماع المنظمة في 14 حزيران (يونيو) فشلاً لها في تحقيق اتفاق على معدلات الإنتاج وانقسمت دول المنظمة إلى معسكرين: معسكر مع زيادة الإنتاج لتلبية النقص في الإمدادات النفطية ومعسكر مع إبقاء سقف الإنتاج المعمول به منذ 2008 والبالغ 24.8 مليون برميل يومياً. وانتهي الاجتماع بتضارب في الاتجاه والتوجه بين المعسكرين، فالمعسكر الأول رغب في ارتفاع أسعار النفط والمعسكر الآخر الذي قادته السعودية والكويت والإمارات وقطر رغب في ضخ كميات أكبر للحفاظ على معدل آمن وعادل للنفط يبقي الأسعار في حدود 90 دولاراً للبرميل، وهو مستوى مقبل منها ومن الدول المستهلكة للنفط ولا يسيء إلى اقتصادات العالم. وبعد ستة شهور، في 14 كانون الأول (ديسمبر) اجتمعت دول المنظمة لتخرج بأفضل نتيجة على الإطلاق إذ تحققت موافقة مطلقة على زيادة سقف الإنتاج إلى 30 مليون برميل ومن دون تحديد لحصص الدول الأعضاء التي نالت كامل الحرية في إنتاج ما تريد تقريباً مع الحفاظ على أسعار النفط عند معدلات واقعية ترضي الدول المستهلكة والدول المصدرة وتتراوح حول 100 دولار للبرميل. وخرجت دول المنظمة متحدة متكاتفة وبقرار مميز. لا شك في أن «أوبك» بدأت تتعامل مع التطورات النفطية بكل حرفية وفي شكل تجاري وعملي أكثر منه سياسياً، وتتعامل مع المتطلبات النفطية على صعيدي العرض والطلب بالأرقام والإحصاءات أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب كان توجه الأقلية في حزيران وتعاون الغالبية مع الأقلية في إنجاح اجتماع كانون الأول. يصعب التكهن بتوجه أسعار النفط في العام الجديد مع المعطيات الاقتصادية الضعيفة والمتردية التي قد تؤثر سلباً في معدلات الطلب العالمي على النفط، خصوصاً الظروف السياسية، ومن أهمها الملف الإيراني وتطورات «الربيع العربي» بين الاستقرار وانعدامه. لكن العامل المؤكد هو تزايد الإمدادات النفطية، خصوصاً مع عودة الإمدادات النفطية الليبية، والارتفاع المتوقع للإنتاج في العراق بنحو 600 ألف برميل بحلول نهاية النصف الأول من عام 2012، وزيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة في السعودية. كذلك تبقى أسعار النفط عرضة للتراجع في حال انكماش النشاط التجاري العالمي. والمؤكد أيضاً أن أسعاراً للنفط في حدود 90 إلى 100 دولار للبرميل مناسبة وعادلة للجميع، خصوصاً لدول «أوبك» التي تستطيع أن تتعايش مع هذا المعدل لتغطي إجمالي متطلباتها المالية في موازناتها للعام الجديد. وستعمل المنظمة على استقرار أسعار النفط عند هذا المعدل العملي. ولهذا السبب قررت عقد اجتماع في حزيران المقبل للنظر في المعطيات الجديدة ومراجعة الأرقام والإحصاءات لمعرفة طلبات زبائنها، فالمنظمة تريد أن تكون على مقربة من زبائنها ليكونوا قادرين على دفع فاتورة النفط وفي كل الأوقات. أصبحت المنظمة في 2011 أكثر اهتماماً بتسويق منتجها وكان أداؤها متميزاً عنه في الأعوام الماضية وعلى المستويات كلها. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت