يرزح مواطنون في معاناة منذ أكثر من 30 عاماً، شعروا خلالها بالبرد والخوف والجوع، فلا دفء لديهم في الشتاء، ولا انتعاش في الصيف، ولا كهرباء إلا مع الخطر بتمديدات بدائية، وتزيدهم الفاقة والاحتياج مرارة وألماً، إنهم ساكنو الصفيح (الصنادق) شمال المملكة، كما أثبتت دراسة بحثية أخيراً أنهم يشكون من نقص خدمات التعليم والصحة، وضعف دور الجمعيات الخيرية. وقال أحد سكان الصفيح حمود العنزي ل«الحياة»: «معاناة سكان الصفيح تزداد مع هذا الفصل البارد من السنة على وجه الخصوص، إذ يمر علينا الشتاء فتكون لياليه باردة لا ترحم الصغير، ولا توقر الكبير، إنه يهدم صحتنا فنعيش معاناته ساعة بساعة، إذ يصبح الصفيح ثلجاً، وتصبح الأرض جليداً، ليدخل البرد من جميع الجهات، لنوقد في كثير من الأحيان مدافئ الكيروسين، ونستعين بالحطب، إذ إن الكهرباء خارج الخدمة في كثير من أوقاتها». وأضاف: «نسترجع بعضاً ممن فقدناهم في هذا الوقت من السنة، فنحن لم ننس مشاعل ضحية البرد والفقر، فهنا خرجت روحها، إننا نخشى على أطفالنا أيضاً من التمديدات العشوائية والمكشوفة التي تمر بين المنازل، فهي أشبه بالكارثة التي نتوقعها في أية لحظة». وزاد: «أنا مواطن معوق وفي ال65 من العمر، ليست لي وظيفة وليس لي دخل سوى الضمان الاجتماعي، فمن أين أعيش؟ ومن أين أطعم أطفالي الثمانية؟ فأملي في هذه الحياة أن يحصل أبنائي على حياة كريمة بسيطة أو حتى منزل يسترنا من صقيع البرد ولهيب الصيف». من جهته، ذكر الباحث الاجتماعي الرمضي العنزي ل«الحياة» أنه خلص في دراسة أخيرة إلى أن مساكن الصفيح تعتبر من أهم المشكلات السكانية التي يجب التخلص منها، لعدم توافر وسائل الصحة العامة فيها، إذ تعتبر موطناً لمشكلات وأمراض اجتماعية كثيرة، وان نقل من فيها إلى مساكن أفضل مصلحة اجتماعية عامة، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة بإنهاء هذا الوضع السكني غير المناسب، وإلى أن أكثر ساكني بيوت الصفيح (الصنادق) من السعوديين بنسبة 98 في المئة يقيمون فيها منذ أكثر من 30 عاماً، إذ ان هذه المشكلة ليست وليدة الساعة، وإنما تنقلت من موقع لآخر إلى أن استقرت على وضعها الحالي. وأضاف أن غالبية السكان من العاطلين عن العمل ومن لا يملكون منازل، ويعتمدون على معاشات الضمان الاجتماعي، وان نسبة المستفيدين من الضمان الاجتماعي بلغت 58.4 في المئة، ونسبة الذين استفادوا من الجمعية الخيرية في مدينة عرعر ومحدودي التعليم 46 في المئة، وأنها وصلت إلى نتيجة أن الجهل الفقر وراء سكنهم في مساكن الصفيح، مشيراً إلى أن بعض البيوت التي تمت تغطيتها في المسح أثناء الدراسة غير معدة للسكن الدائم، وبعضها معد لأغراض أخرى مثل تربية الماشية والمستودعات والاستراحات. ولفت إلى أن معظم المساكن تقيم فيها أسر ذات قرابة رغبة في أخذ حرية من العلاقات الاجتماعية، وأن موقع الصنادق في شمال حي العزيزية المسمى «عفيرا» يعتبر الأسوأ حالاً من الناحية الاقتصادية، وأهله هم الأكثر حاجة، أما الموقع الثاني الذي يسمى «أم الجذعان» فغالبية سكانه ليسوا مستقرين بشكل دائم، مشيراً إلى أن تدني الحال المادية لا يقتصر على ساكني بيوت الصفيح فقط، بل الأرامل والأيتام وكبار السن الذين لا يملكون منازل في المدينة. وقال: «لاحظنا ضعفاً في مساهمة القطاع الخاص في استقطاب الأيدي العاملة السعودية، إذ لم نجد سوى أربع حالات فقط في مجتمع البحث يعملون في القطاع الخاص، وبوظائف بسيطة، وأن جميع بيوت الصفيح (الصنادق) توجد الكهرباء فيها بطريقة عشوائية وبدائية عن طريق إيصال أسلاك كهربائية ممدة في الأرض من مولد الكهرباء إلى المنازل، ما يجعلها خطراً بحد ذاتها على السكان، وتهدد بوقوع حرائق في هذه الأماكن».