انتهى أمس الاقتراع في الجولة الأولى من المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى من البرلمان) المصري والتي شملت تسع محافظات، وجرت وسط إقبال متوسط على التصويت وهدوء أمني شابهُ بعض الاشتباكات المحدودة في عدد من الدوائر. وفي حين أشارت تقارير حقوقية إلى انحسار التجاوزات في المرحلة الثانية مقارنة بالمرحلة الأولى، اعتبرت قوى سياسية أن المرحلة الأولى كانت أكثر انضباطاً، ووجهت اتهامات مباشرة إلى قضاة مشرفين على سير العملية الانتخابية بالانحياز إلى تيار سياسي معين، في إشارة إلى «الإخوان المسلمين»، وهو ما نفته اللجنة العليا للانتخابات. وبدا أن مساعي السيطرة على الخلافات بين حزبي «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، وبين «النور» السلفي فشلت، إذ زادت المرحلة الثانية من الهوة بين الطرفين، رغم تشكيل «لجنة تنسيقية» تضم قياديين في الحزبين للسيطرة على أي خلافات بينهما «حفاظاً على مظهر التيار الإسلامي في الشارع». ولوحظ أيضاً أن القوى السياسية الأخرى وجهت اتهامات إلى المرشحين الإسلاميين من «الإخوان» والسلفيين بممارسة تجاوزات. وجرى الاقتراع في محافظات الجيزة وبني سويف والمنوفية والشرقيةوالإسماعيلية والسويس والبحيرة وسوهاج وأسوان. ويبلغ عدد من لهم حق التصويت في المرحلة الثانية أكثر من 18 مليوناً، ودارت المنافسة فيها بين 3387 مرشحاً بنظامي الفردي والقوائم، منهم 2271 مرشحاً يتنافسون على 60 مقعداً بالنظام الفردي، والباقون يتنافسون على 120 مقعداً بنظام القائمة. ورصدت منظمات حقوقية تجاوزات إدارية في عملية الاقتراع تمثلت في تأخر وصول قضاة مشرفين على بعض اللجان، ما سبب تأخر فتحها، ورفض بعض القضاة السماح لمندوبي مرشحين بدخول اللجان، لكن هذه التقارير أكدت انحسار الدعاية الانتخابية أمام اللجان بعد تشدد الجيش والشرطة في تطبيق قواعد «الصمت الانتخابي». وأوقف عدد من مروِّجي الدعاية أمام اللجان قالت أجهزة الامن إن بينهم أعضاء في «الحرية والعدالة»، لكن الحزب نفى هذا. وتحدثت تقارير حقوقية عن محاولات بعض المرشحين المستقلين والمنتمين إلى أحزاب، اللجوءَ إلى العنف في دوائرهم، خصوصاً في دائرة الصف (جنوبالجيزة) التي شهدت أمس اشتباكات بالأسلحة النارية في إحدى قراها، وكذلك في الشرقية بين مناصري مرشحين مستقلين. ورصدت هذه التقارير محاولة بعض المرشحين منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بالقوة في دوائر تتمركز فيها عائلات هؤلاء المرشحين، لكن هذه الدوائر تمثل نسبة محدودة جداً على مستوى المحافظات التسع. واتهم «الحرية والعدالة» الكنائس بتوجيه الناخبين في محافظة سوهاج. ولوحظ ازدياد حدة الانتقادات الموجهة إلى القضاة، إذ قال الناطق باسم حزب «النور» يسري حماد ل «الحياة»، إن «المرحلة الأولى كانت أكثر انضباطاً وحيادية... القضاة تخلوا عن حيادهم وانحازوا إلى طرف معين في عدد كبير من المحافظات، وباتوا يديرون الانتخابات بمنطق الملكية الفردية... القضاء عليه علامة استفهام كبيرة، إذ لم يساهم في نجاح العملية الانتخابية ويتحمل جزءاً كبيراً من الفشل، وهذا أمر سينال من حياد القضاء في المستقبل». وأضاف أن «بعض الأحزاب انتابها شيء من الانفعال وعدم السيطرة، مثل حزب الوفد الذي لجأ مرشحوه إلى البلطجة». وانتقد حزب «المصريين الأحرار» الليبرالي الذي يقود تحالف «الكتلة المصرية» ما وصفه ب «الكم الهائل من التجاوزات» التي شهدتها المرحلة الثانية «والتي فاقت انتهاكات المرحلة الأولى وتجاوزاتها»، مشيراً إلى أن «تلك الانتهاكات لم تكن معبرة عن حالات فردية بل كانت ظاهرة عامة متكررة في غالبية اللجان، وعلى رأس تلك المخالفات استمرار الدعاية الانتخابية أمام اللجان وداخل اللجان من جانب المندوبين». ولفت إلى «حصول توجيه للناخبين من جانب العاملين باللجان أو القضاة». لكن رئيس المكتب الفني للجنة العليا للانتخابات المستشار يسري عبدالكريم، نفى تلك الاتهامات. وقال إن اللجنة «اتصلت باللجان العامة والفرعية كافة، وتبين عدم صحة الادعاءات بضلوع قضاة في تسويد بطاقات الاقتراع»، مشيراً إلى أن «القضاة يساعدون ذوي الإعاقات فقط في أداء واجبهم الانتخابي». ورفض المرشد العام ل «الاخوان» محمد بديع الاتهامات الموجهة إلى القضاة، مطالباً «بتفويت الفرصة على من يريد إثارة الفتن بين الشعب ومؤسساته». وأكد أن «القضاة والجيش والشرطة يد واحدة لحماية إرادة الشعب المصري». ورأى أن «حكم المحكمة بإعادة الانتخابات في دوائر أعلن فيها فوز أعضاء الحرية والعدالة يؤكد نزاهة القضاء». وقال الناطق باسم الجماعة محمود غزلان ل «الحياة»، إن «الرصد الأوَّلي للانتخابات يؤكد أنها حرة ونزيهة ولا يتدخل أحد في مسارها». وأضاف: «ما لم يكن هناك دليل على التدخل في الانتخابات، فلا يجب التشكيك في نزاهة السلطة القضائية، حتى لا يفقد المواطن الثقة في قيمة كبيرة في المجتمع المصري... الكلام المرسل لا يصح، ومن يملك دليلاً مادياً يقدِّمه للنيابة أو الجهة المسؤولة أو ليصمت». واعتبر أن التشكيك في القضاة «بداية للتشكيك في نتائج الانتخابات». وانعكست المعركة الانتخابية في مرحلتها الثانية على العلاقة بين «الإخوان» وباقي القوى السياسية. وفي حين بدت القوى المدنية في موقع الضعف واكتفت بانتقاد تجاوزات الإسلاميين عموماً و «الإخوان» خصوصاً، زادت المرحلةُ الثانية من الانتخابات الهوّةَ بين «الإخوان» والسلفيين، إذ زادت حدة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بمخالفة قواعد الانتخابات ومحاولة التأثير على الناخبين. لجنة تنسيقية بين الاسلاميين وكشف الناطق باسم «النور» ل «الحياة»، أن حزبه و «الحرية والعدالة» شكلا «لجنة تنسيقية» للسيطرة على الخلافات بين الجانبين التي ظهرت في المرحلة الأولى، لكن من دون جدوى. وقال: «مازلنا نعاني في شدة من الاعتداء على مندوبي ومرشحي النور من قبل أنصار الحرية والعدالة في جميع الدوائر، عدا محافظة الإسماعيلية». وتساءل: «لماذا التشنج والتحفز؟... هم يعتبرون المنافسة معركة حياة أو موت». وأشار إلى أن «اللجنة التنسيقية بين الحزبين تتابع سير الأحداث والسيطرة على الحماس الزائد لدى الشباب في بعض الدوائر، لكن للأسف، الأحداث نفسها والوقائع تتكرر باستمرار، ونحن حريصون على مظهر التيار الإسلامي في الشارع، ونتمنى أن يقابل هذا الحرص بالمثل من الإخوان». لكن غزلان أكد ل «الحياة» أن «جماعة الإخوان تستطيع السيطرة على شبابها، لكن الطرف الآخر (السلفيين) لا يمتثل شبابه لتوجيهات القيادات». وقال: «حين نأخذ قراراً فإنه يصل للقواعد، والغالبية تلتزم به، لكن للأسف، الآخرون غير قادرين على السيطرة على أنصارهم... السلفيون حديثو العهد بالسياسة ويريدون أن يكسبوا بأي شكل لإثبات أنهم أصحاب شعبية. نحن أكثر حرصاً على صورة التيار الإسلامي في الشارع ونراعي اعتبارات كثيرة، لكن السلفيين يحتاجون وقتاً لتمرس العمل السياسي». وكان رئيس «الحرية والعدالة» محمد مرسي أكد أن حزبه لم يتحالف مع أي أحزاب أخرى سوى الأحزاب الموجودة في «التحالف الديموقراطي من أجل مصر». وقال بعد الإدلاء بصوته في مسقط رأسه في محافظة الشرقية: «بعد الانتخابات سيتم التنسيق مع باقي الأحزاب تحت قبة البرلمان». وأكد أن «الحزب لن ينفرد بالبرلمان وحده». ورفض الاتهامات الموجهة إلى حزبه، منتقداً في شدة المنافسين. وقال: «يجب ألا ننخدع بالأقاويل والإشاعات التي تتردد ضد الحرية والعدالة، ولو كان هؤلاء المزايدون أصحاب تأثير على الشارع لكانوا حققوا نسباً كبيرة في المرحلة الماضية، ولكنهم فاشلون، ولذلك يطلقون الإشاعات بعد أن أصيبوا بالهوس التام... سيختفون من المشهد السياسي قريباً».