لا شك في أن الجامعة العربية بدت أكثر ديناميكيةً وفعاليةً في الآونة الأخيرة، وهذا نابع من إلحاح الأزمات التي يتم التعاطي معها الآن والتي أضحت ذات أولوية على أجندة الجامعة، وهي بطبيعة الحال أزمات سياسية مرتبطة بما يمكن تسميته «أزمة السلطة السياسية» في بعض الدول العربية. وحيث أن هذه الأزمات تدور حول علاقة الشعوب بالحكومات فإن ذلك أعطاها أهمية أكبر وجعل من الصعب على الدول تجاهلها نظراً الى تهديدها الاستقرار السياسي في المنطقة ونظراً الى التكلفة الإنسانية التي تنطوي عليها. لكن، يجب عدم التوقع بأن الديناميكية التي تصبغ عمل الجامعة العربية هذه الأيام أصبحت مسلّمة سياسية وأسلوب عمل سوف يستمر ويصبح هو الآلية التي من خلالها سيتم التعامل مع الأزمات والملفات الإقليمية التي تجابه العمل العربي المشترك. كان غياب الإرادة السياسية الجماعية هو الشماعة التي يعلق عليها تعثر دور الجامعة في معالجة القضايا المطروحة على الساحة الإقليمية، وقد بدا هذا الانطباع أقل موضوعيةً في ضوء التحرك الذي تبنته الجامعة العربية تجاه الثورة الليبية وما يدور الآن في سورية. ويمكن القول إن الإرادة السياسية العربية وإن بدت أكثر توافقاً مما كان عليه الحال في السابق إلا أنها لا تزال تعاني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التيقن بأنها وصلت إلى درجة مقبولة أو أنها أصبحت نمطاً للتعامل السياسي مع القضايا الإقليمية. فلا يزال هناك بعض التحفظات من بعض الدول العربية على أسلوب التعامل مع الأزمة السورية، وهذا أعاق بدرجات متفاوتة أساليب الحل العربي التي تم تبنيها كما أضعف من إمكانية تنفيذها في بعض الأحيان. وإذا كانت مسألة وجود توافق عربي أو إرادة سياسية عربية موحدة أمراً يصعب توافره عند الحديث عن عدد كبير من الدول العربية لها توجهاتها ومصالحها الخاصة ورؤاها السياسية المختلفة في بعض الأحيان، فإن هناك الكثير من الجوانب التي ينبغي تطويرها في الجامعة العربية وأساليب عملها كي تصبح أكثر فعاليةً في المستقبل: أولاً، المسائل المتعلقة بجوانب المعالجة السياسية للقضايا والأزمات وتحديد أولويات العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة، إذ يتطلب ذلك تشكيل لجنة عليا للتخطيط الإستراتيجي في إطار الأمانة العامة هدفها وضع الخطط والأولويات الخاصة بتحرك الجامعة، وإنشاء لجنة من الخبراء والحكماء في كافة المجالات يمكن تشكيلها عند الحاجة. ثانياً، تحتاج الجامعة العربية إلى تطوير منظومتها الداخلية كي تستجيب للتحولات التي شهدتها المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة، وهذا يتطلب إعادة هيكلة قطاعات وإدارات الجامعة وفق رؤية واضحة، على نقيض الطرح السابق الذي ارتكز إلى فكرة إنشاء أجهزة عليا في ما يعد حرقاً لمراحل الاندماج الإقليمي في شكل قسري. ثالثاً، هناك حاجة ماسة لتفعيل عمل مجلس السلم والأمن العربي من خلال دعمه بمقومات النجاح التي تتيح الاستفادة منه كجهاز فعال لمعالجة الأزمات العربية داخل البيت العربي، مما يقتضي توفير المتطلبات اللوجستية والمالية، وتشكيل قوات حفظ السلام عند الحاجة. حيث أن هذه الأمور لا تزال خارج حيز التنفيذ مما تسبب في أعاقة دور مجلس السلم والأمن رغم إقراره عام 2006 ودخوله حيز التنفيذ عام 2007. رابعاً، أظهرت الأزمات السياسية مؤخراً أن الجامعة العربية تفتقر إلى بعض المقومات المؤسساتية التي تمكنها من الحركة بشكل فاعل على أرض الواقع للتعامل مع ما تقتضيه إمكانات حل هذه المشاكل. فعلى سبيل المثال، أظهرت الأزمة السورية الدور السياسي الواضح للجامعة العربية غير أن التشريعات والآليات التي تمكن من تطبيق الحلول المطروحة غير متوافرة، سواء لدى الجامعة أو منظماتها المتخصصة. فقد تطلب تنفيذ قرارات الجامعة العربية وجود أذرع مؤسساتية متخصصة تتيح للجامعة التحرك في مجالات أرحب لمعالجة الأزمات السياسية العربية في كافة جوانبها، فمثلاً، غالبية منظمات الجامعة العربية ذات طابع تنموي وثقافي ليس من بينها منظمات متخصصة في معالجة الأزمات السياسية أو الإنسانية التي قد تواجه أي دولة عربية، على نمط منظمات الأممالمتحدة المتخصصة في المجالات الإنسانية، مثل منظمة الصحة العالمية، المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، وكذلك الآليات الأخرى مثل قوات حفظ السلام الدولية...الخ. بالتالي فإن أحد متطلبات تطوير عمل الجامعة العربية يقتضي إعادة النظر في مؤسسات العمل العربي المشترك القائمة كماً ونوعاً يما يسمح بإنشاء مؤسسات جديدة يمكن من خلالها تعزيز فعالية الجامعة العربية في مختلف المجالات، لا سيما تلك المتصلة بالتحديات الراهنة المتصلة بتداعيات الربيع العربي في عدد من دول المنطقة. أخيراً، تحتاج الجامعة العربية إلى تطوير خطابها الإعلامي كي يكون أكثر قرباً من الشارع العربي وتواصلاً معه وأكثر استجابةً للتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة. * مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية