احتفل العالم بوصول عدد السكان إلى سبعة بلايين نسمة، موزعة على 193 دولة، وسُلطة واحدة تُصارع لتصبح ال194، بالإضافة إلى 59 مخيماً يعيش فيها وبجوارها أكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني مازالوا يعيشون قسراً خارج وطنهم في ظروف إنسانية سيئة منذ 63 سنة، منتظرين تطبيقاً لقرارِ أممي رقمه «194» أيضاً... يا للمفارقة! وفي حين كان من المفترض أن أرث وإخوتي عن أبي وجدي دونمات عدة من الأرض «تسرح وتمرح فيها الخيول» - كما يُقول المثل الشعبي، وتضم كرماً من العنب وحقل زيتون يحيط ببيت وبيدر ومزرعة. ورثنا صندوقاً خشبياً، يحتوي على علبة سجائر معدنية منقوش عليها اسم جدي ومكان ولادته «حيفا 1886»، وساعة جَيبٍ فضية وعقالاً وكوفية يتوسطها كلها مفتاح نحاسي، هو مفتاح دار العائلة في فلسطين، بالإضافة إلى مسكن صغير يختفي في أزقة وأحياء مخيم عين الحلوة، نتكدّس فيه عشرة إخوة تضمنا غرفتان صغيرتان. ووفق بيانات وكالة الأونروا السنوية وإحصاءاتها تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين حالياً ال 4 ملايين وخمسمئة ألف لاجئ، يعيش ما يزيد على ثُلثهم في 59 مخيّماً، في لبنان، الأردن، سورية، الضفّة الغربية وقطاع غزّة. وبعد عام 1948 أجمعت الإحصاءات التي قامت بها أكثر من جهة ومرجعية رسمية على أن عدد اللاجئين الذين هُّجِروا من مدنهم وقراهم قارب التسعمئة ألف نسمة. وهذا يعني أن اللاجئين الفلسطينيين تضاعفوا أكثر من أربع مرات خلال 63 سنة. ويتفرّد مخيم عين الحلوة بصدارة الأماكن الأكثر كثافة في أراضي العالم قاطبةً، إذ تضاعف سكانه خمس مرات على المساحة الجغرافية ذاتها. أمّا في لبنان فيقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق الأونروا بأربعمئة وعشرين ألف لاجئ، يعيش نصفهم في اثني عشر مخيماً، بينما الباقون خارج المخيمات وفي عدد من التجمعات، وهذا العدد لا يشمل في طياته كل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بل المسجلين فقط في لوائح الأونروا. يتقاسم أعمامي الثلاثة الطابق العلوي والسطح الذي يعجّ بالبشر ليلاً ونهاراً، فلقد كان مسرحاً لطفولتنا أنا وإخوتي وأخواتي وأبناء أعمامي وبناتهم الأربعين، كنا نحيط بجدي عند المساء الذي يبدأ بوصف قريتنا وبيتنا في فلسطين، فنغوص في أحلام تذيب البيوت من حولنا وتجلسنا في وديان وحقول خضر شاسعة لا تحدّها سوى الشمس المنحجبة عنا في مخيم عين الحلوة. وكان جدي يفتح الصندوق الخشبي ويُخرِجُ مفتاح الدار، كنا نتلمسه بلطف جميعاً قبل أن يعود إلى بيته الموقت في الصندوق، فلقد كان مفتاح آمالنا وأحلامنا اليانعة في قلوبنا وعقولنا. بالنسبة إلى السياسيين وأصحاب القرار وخبراء القانون الدولي فإن حق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم مرتبط بقرار أممي وهمي مكتوب على ورقة وموجود في سراديب وأدراج الأممالمتحدة رقمه «194»، وبالنسبة إلينا ولجدي «أبو جميل» فإن حق العودة حقيقة مجردة متمثلة بمفتاح معدني يعيش في صندوق خشبي، وينتظر وصالاً منقطعاً منذ 63 سنة. وسيأتي يوم ويصبح الأربعون أربعمئة، حينها لن نكون في مسكن صغير فأحلامنا وآمالنا لا يسعها سوى مكان واحد على سطح المستديرة... فلسطين.