لا يختلف اثنان على أن الانقسام قد أضر بمستقبل القضية الفلسطينية ولم يعد هناك ما يبرر استمراره، فالسلطة الفلسطينية تعيش الآن في أوج مأزقها السياسي في ظل انعدام قدرة المجتمع الدولي على تحقيق أية اختراقات يمكن أن تعيد الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات، وليس في الأفق المنظور أية إمكانية جدية لتراجع إسرائيل عن سياستها المعطلة إمكانية الوصول إلى طاولة المفاوضات بالحد الأدنى. وفي الجهة المقابلة فإن الظروف المحيطة بحركة حماس وسلطتها تؤشر إلى انعدام فرص خروجها من المأزق الذي وضعت نفسها به كسلطة تنظيم محلي وليس سلطة شعب معترفاً بها، والأهم من ذلك أن مستقبل قضيتنا الوطنية دخل بالفعل بوابة الخطر التاريخي بفعل هذا الانقسام، كما أن الأطراف العربية المؤثرة وذات العلاقة بالقضية الفلسطينية منشغلة اليوم بقضاياها الداخلية ما ساهم في تشديد المأزق على الوضع الفلسطيني برمته في ظل الهيمنة الأميركية على السياسة الدولية، وهذا ما يعزز مطلب كل الحريصين على ضرورة إنهاء الانقسام فوراً. والسؤال المطروح الآن: هل أنهى اللقاء بين عباس ومشعل هذا الانقسام؟ هنالك كثيرون يعتقدون ذلك وهناك ربما أكثر منهم من المتفائلين بقلق، وأنا منهم، لأن اقتناعي أن الانقسام، وإن كان فلسطينياً بامتياز، فإن كل أطرافه ليست فلسطينية، وهذا ما أكده محمود الزهار عندما قال إن الاحتلال هو الطرف الأقوى في الانقسام، ومن جهة أخرى فإن جوهر الخلاف عميق ويحتاج علاجه إلى تحول جذري في رؤية كل طرف من أطراف الانقسام الفلسطيني نحو الآخر، فالرؤية السياسية لكلا الطرفين فيها تناقض كبير، وإفرازات هذا الرؤية المتمثلة بمفاهيم المقاومة والعلاقة مع الاحتلال متسعة بكبر مساحة التناقض، ومن دون شرح البرامج السياسية للطرفين يكفي القول إن الرئيس أبو مازن، وعلى رغم كل مواقفه المعلنة والصادقة بالتمسك بالثوابت الوطنية إلا أنه لم يعدم فرص العودة إلى المفاوضات كطريق لتحقيق هذه الثوابت. وهذا يعني أن اتفاق أوسلو بالنسبة للسلطة الفلسطينية ما زال يشكل جوهر برنامجها السياسي، على رغم مقولات ومواقف إعلامية للناطقين أو الشركاء ذوي العلاقة بهذا الاتفاق. المقصود أننا لم نسمع من أحد أن اتفاق أوسلو أصبح جزءاً من الماضي السياسي الفلسطيني ودليل ذلك أن التمسك ببقاء السلطة ما زال خياراً استراتيجياً لأصحاب العلاقة بهذا الاتفاق. وترفض حماس اتفاق أوسلو وتتمسك بغنائم هذا الاتفاق، وعلى رغم كل ما يصدر عنها فإن إنهاء سلطة حكمها ما زال قراراً استراتيجياً مرفوضاً بالنسبة لها لأسباب تبدو غير مقنعة للأطراف خارجها. إن لقاء القاهرة يمكن في أحسن أحواله عكس إرادة سياسية للمصالحة لكن تنفيذها يحتاج إلى «معجزة» ليس بفعل منظومات الحكم التي نشأت، ولكن بسبب الاحتلال وتأثيراته القوية في أرضنا ومسيرة حياتنا، فخروجه من قطاع غزة من طرف واحد ومن دون اتفاق شكل بعداً استراتيجياً للرؤية الإسرائيلية الهادفة إلى تمزيق ما تبقى من الوطن الفلسطيني على الأراضي المحتلة عام 1967 وفتح الطريق لهذا الانقسام نحو الاستمرار في شكله السياسي واحتفظ بآليات التحكم به لأن الطرف الإسرائيلي هو الأقوى في كل جوانب حياتنا، فهو المتحكم بالمعابر التي تربط الضفة الغربية بقطاع غزة وليس لديه مشكلة ببقاء بوابة غزة الجنوبية مفتوحة على العالم العربي أو الخارجي لأسباب سياسية، ومخطئ من يعتقد أن إسرائيل لا تستطيع التنصل من اتفاق معبر رفح، وبالمناسبة فإن الموقف المصري ونتيجة إدراكه النوايا الإسرائيلية هو الذي أعاق الخطوة الإسرائيلية الهادفة إلى استقلالية القطاع عن باقي الأراضي المحتلة عام 1967 عبر تحكمه بآلية فتح المعبر. إن الذين يحاولون تبسيط حل قضية الانقسام بترحيل سلام فياض عن كرسي مجلس الوزراء مخطئون، ومواقفهم تبسيطية لقضية كبيرة نحن لسنا أطرافها فقط، فالانقسام الفلسطيني حدث قبل أن يكون سلام فياض رئيساً للوزراء، وحكومة الوحدة التي ترأسها إسماعيل هنية لم تستطع وقف الاشتباكات، بل في عهدها حدث الانقسام الذي جسده استيلاء حماس على مقاليد الحكم في غزة. تفاصيل كثيرة تحتاج إلى إجابات والكل يصلي من أجل الاتفاق عليها ولكن علينا أن نتذكر دائماً أن وحدة الشعوب لا تتم من دون وحدة الأرض ومن دون السيادة الكاملة والاستقلال، الأجدر بنا أن نواجه أنفسنا بالقول إن إنهاء الاحتلال وتجسيد دولتنا هما الحاضنة لتجسيد وحدتنا وإنهاء انقسامنا وضمان استمرار وحدتنا وقدرة تنفيذ اتفاقنا عملياً وعلى الأرض ومن دون معيقات وحسابات، وهذا ما يعيد طرح السؤال الكبير على أنفسنا من جديد كيف سينتهي الاحتلال؟ بالمفاوضات؟ بالمقاومة؟ أم بحل أنظمة الحكم الفلسطينية والعودة إلى تعريف ذاتنا بأننا شعب محتل موحد في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات؟