كما كان متوقعاً، لم يخرج اجتماع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل مع ضيفها الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند، والذي عقداه في برلين مساء أول أمس، بقرارات أو قناعات مشتركة حول مروحة واسعة من المسائل المختلف عليها، مثل معاهدة التقشف الأوروبية، وحوافز النمو الاقتصادي، والسندات الحكومية. لكن اللقاء، الذي تأخر بسبب إصابة طائرة هولاند بصاعقة، شكّل وفق مراقبين، الحجر الأساس لتعاون أوثق بينهما، يقوم على إعادة التوازن إلى علاقات البلدين اللذين يُعتبران محرك الاتحاد الأوروبي. ومعروف أن مركل كانت تفضل عودة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى الحكم مجدداً، باعتباره من التيار المحافظ وأقرب إلى تصوراتها الاقتصادية والمالية والسياسية من هولاند الاشتراكي المنحى. لكنها تعرف أيضاً أن عليها الآن واجب التكيف مع الظرف الجديد، والعودة إلى سياسة الأخذ والعطاء، أي التلاقي في منتصف الطريق لمصلحة البلدين وأوروبا. ويتفق الجميع على أن أي خلل في العلاقات الألمانية–الفرنسية، سيؤدي إلى كارثة في ظل أزمة اليورو القائمة ووقوف مجموعة من دول المنطقة على حافة الإفلاس. يُضاف إلى ذلك، فشل مفاوضات تشكيل حكومة في اليونان داعمة لنهج التقشف الذي يضع البلد ومنطقة اليورو أمام المجهول. وسيكون على مركل الأخذ أيضاً في الاعتبار، أن مواقف هولاند لقيت صدى إيجابياً لدى حكومات عدد غير قليل من المسؤولين الأوروبيين، كما لدى المفوضية الأوروبية. وكان واضحاً أن على رغم استخدام مركل وهولاند كلاماً ملطّفاً في مؤتمرهما الصحافي، بقيا على مواقفهما المعروفة. وشدّد الرئيس الفرنسي أمام الصحافيين على إصراره على فكرة إعادة البحث في معاهدة التقشف الأوروبية، لإدخال بند أساسي فيها، «من أجل إعطاء النمو بعداً» بهدف تحريك اقتصادات الدول الأوروبية إلى جانب التقشف. ولم تقر المعاهدة بعد لا في ألمانيا ولا في فرنسا، ولا في معظم دول الاتحاد ال 27. وردّت مركل مؤيّدة وضع برامج دعم للنمو، لكن رفضت إعادة فتح باب التفاوض حول معاهدة التقشف، ملمًحة إلى «وجود اختلاف في فهم محتوى كلمة نمو». وأضافت أنها تفهم تحت هذه الكلمة «إجراء إصلاحات بنيوية مثلاً»، لا صرف أموال في مشاريع لا تعود بالفائدة على الاقتصاد. ووجه هولاند نداء إلى رؤساء الدول والحكومات المشاركة في القمة الأوروبية الاستثنائية التي ستعقد في 23 من الشهر الجاري في بروكسيل، «لوضع كل الأوراق المتعلقة بتعزيز النمو على طاولة البحث، سواء كان ذلك متعلقاً بتحسين القدرة التنافسية أو صناديق الإنقاذ أو السندات الحكومية، على أن تُناقش بعد ذلك الإمكانات القانونية المتوافرة». وأعلنت المستشارة الألمانية توافقها مع الرئيس الفرنسي على تشكيل فرق عمل مشتركة للتحضير للقمة الأوروبية المقبلة، والاتفاق أيضاً على وضع اقتراحات مشتركة خاصة بالنمو لطرحها على القمة الأوروبية العادية التي ستعقد نهاية حزيران (يونيو) المقبل، موعد تسلّم قبرص رئاسة الاتحاد من الدنمارك حتى نهاية السنة. وأكدت أن «من المهم جداً أن تقدم ألمانياوفرنسا أفكاراً مشتركة إلى القمة». الالتزام بالعملة الموحدة وفي موضوع اليونان، أمل هولاند في أن تؤدي الانتخابات النيابية الجديدة في البلد، «إلى تأكيد الالتزام باليورو»، مشدداً في هذا المجال «على ضرورة التزام أثينا بتعهداتها المقطوعة». وذكرت مركل أن حكومتها «تريد بقاء اليونان في منطقة اليورو». وتنسحب رغبة الاثنين في بقاء اليونان في منطقة اليورو، على مواقف مسؤولين أوروبيين وفي مؤسسات مالية دولية، لكن ليسوا متأكدين مما يحمله المستقبل بعد إنجاز الانتخابات في أثينا، إذ اعتبر رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، أن «خروج اليونان من منطقة اليورو سيكون خطأ كبيراً». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله، تأكيده «عدم إمكان إعادة التفاوض» في شأن برنامج الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي الخاص باليونان، الذي ينص على تقديم مساعدات مقابل إجراءات تقشف. وأوضح في حديث إلى إذاعة «دويتشلاندفنك»، أنه «برنامج مساعدة أُعدّ بعناية فائقة ولا تمكن إعادة التفاوض في شأنه». وشدد على ضرورة أن «تكون اليونان مستعدة لقبول المساعدة المقترحة عليها». ولفت إلى أن «الذين سيفوزون في الانتخابات سيقررون القبول بهذه الشروط ام لا». وأعلن شويبله، أن الأوروبيين «كانوا يريدون بقاء اليونان في منطقة اليورو، لكنه رأى أن ذلك «مرهون بالقرار السيادي للشعب اليوناني». واعتبر أن «التكهن لمعرفة خيار اليونان لا يساعد». وكان الوزير الألماني زاد أجواء القلق لدى إعلانه الأسبوع الماضي، أن منطقة اليورو «قادرة على تحمل خروج اليونان» منها. لاغارد وأعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، في مقابلة إلى شبكة «فرانس 24»، نشرته وكالة «فرانس برس»، إمكان «خروج منظم» لليونان من منطقة اليورو. وقالت: «في حال عدم التقيد بالالتزامات، يُفترض القيام بمراجعات مناسبة، ما يعني إما تمويلاً ووقتاً إضافيين، وإما آليات خروج، ويجب أن يكون خروجاً منظماً في هذه الحالة». ولم تنكر لاغارد، أن الأمر «سيكون مكلفاً جداً، وسيطرح أخطاراً كبيرة، لكنه جزء من خيارات نجد أنفسنا مضطرين للنظر فيها تقنياً». ولم تغفل أن اليونان «باشرت إصلاحات مهمة، وقدمت بعض التضحيات». ولاحظت أن «كل شيء يدور حول خلاف سياسي عميق حالياً، وهو أمر مضر جداً بالشعب اليوناني». وأملت في «التوصل إلى حل من طريق التسوية يسمح بالتقدم في مجال احترام برنامج سنكون منفتحين على النظر في هوامشه، وليس في الأساسيات، إذ لا وجود فيها ل 36 حلاًّ». وشددت على أن «الأمر يعود إلى اليونانيين من جهة، وإلى الشركاء في منطقة اليورو من جهة أخرى».