أعلم أنها من أصعب مراحل حياة الإنسان «الاستقالة» والخروج من مكان إلى آخر، ولكن هذا القرار يُتخذ عندما تنفد الأسباب وتقل الحيل. كما أعلم أن هذه المقالة ستزعج البعض، ولكن «لكل مجتهد نصيب»، أرى في أعين البعض، أو معظم الذين تقدموا باستقالاتهم من أعمالهم، من القطاع الخاص والانتقال من شركة إلى غيرها، ومن مؤسسة إلى أخرى، فرحاً وابتسامة عريضة، وعندما أسال - وأقصد بذلك «المجتهدين» وليس الذين لديهم سوابق وظيفية ومشكلات في العمل، ومشكلاتهم تجعل الانهيارات تقع في بعض أقسام العمل بسببهم - ولكن أقصد بذلك الموظف الذي يثبت وجوده ويثابر، ولكنه يرى من الإدارة العليا أو مسؤوليه في العمل العكس في التعامل، أو وضعه على الرف، ووقت الحاجة يتم إخراجه كأنه «جوكر» الورق الذي تكسبه اللعبة. إن بعض المسؤولين في تلك المنشآت يقومون بالضغط على الموظف المجتهد ومص دمه وتكليفه بالأعمال كافة من دون النظر في راتبه ومكانته العملية والعلمية، وتعاونه مع الأطراف كافة، وتضحيته في هذه المنشأة، ويجد أن الخير يذهب لغيره، فتجد الموظفين الذين عليهم علامات استفهام كثيرة، أو المقربين، أو الأقارب، أو المعارف، أو شلة «الاستراحة»، الذين وُظِفوا على حساب هذا المسؤول، لا يفقهون شيئاً في العمل، وأيضاً لا يجيدون فن التعامل مع الآخرين، إضافة إلى ذلك يحصلون على رواتب عاليه تكسر ظهر الموظف المكافح الذي يثبت وجوده، والذي يزيده قهراً وحسرة هو أن «العمل عليه والخير لغيره». المشكلة هنا أن هذا «المكافح» أيضاً مُستَغل من بعض المسؤولين، لأنه يقوم بالأعمال كافة من دون الظهور في الصورة أمام الرؤوس الكبيرة، التي لا ترى سوى المديرين العامين الذين أخذوا كدح الموظف ومجهوده ونسبوه لاسمهم. فعندما أرى ابتسامة هؤلاء المكافحين الذين قدموا استقالات غير مسببة كي يكسبوا نهاية الخدمة وشهادة الخبرة وإخلاء الطرف، الذي نظاماً يحق لهم أن يتسلموه بقوة القانون، يخافون أن تكون مسببة لكي لا يغضب عليهم وتؤجل استحقاقاتهم، أيضاً يقدمون الاستقالة وهم على أمل بأن يفارقوا تلك المنشأة بسرعة، إذ كثرت فيها الاستقالات بشكل فظيع والأسباب تكاد تكون واحدة، «فشل يضاعف بفشل وينتهي بفشل»، والعمل ماشي على البركة، نعترف أن هناك منشآت تضع «المحسوبيات» فوق مصلحة الشركة، وهذا المضر، ولكنهم يخافون إعادة النظر في تنظيف المنشأة من أعلى الهرم وليس من أدناه، لأنه إذا أُعيد الوضع كاملاً من أعلى الهرم، وتم التصحيح بناء على أنظمة ولوائح وقرارات غير مكسورة، فإن هذه المنشأة ستنجح. سأعود للموظف المستقيل المبتسم كي لا أكثر عليكم، وعندما أسال أي موظف مبتسم في أي منشأة، أجد الإجابة يا أخي لعبوا فينا وسرقوا صحتنا، هنا تجد أن له الحق وعليه الحق، له الحق بأن هناك مسؤولين ظالمين يضعون مصالحهم فوق الاعتبار، وعليه الحق لأنه لم يعلم من أين تؤكل الكتف، وهذه هي المعادلة، ولكن لابتسامته معنى واحداً، وهو قوله «الحمد لله، لقد وفقني ربي بوظيفة أخرى أفضل راتباً ومكاناً وابتعد عن المنغصين الذين سلبوا حقنا وحقوقنا»، فلماذا لا يبتسم؟! لقد رأى النور يلوح من بعيد في مكان آخر أفضل، ولكنه سيجد هناك بعض الشخصيات والأشخاص في العمل الآخر بالنفسيات والعقليات نفسها، وإن لم يأخذ عبرة من العمل السابق فسيواجه المصير نفسه، ابتسامة... فاستقالة... فرحيل، وتدور عجلة الحياة من جديد. [email protected]