بشع جداً وجود مخلَّفات صناعية في الطبيعة. دبٌّ ناصع البياض يلعب بإطار من مطاط، وتبدو عليه أسارير المرح؟ ولو لم يكن «معلّماً» في العوم لقلنا «لا بأس، سيرميها بعد أن يتعلّم السباحة». الدب الأبيض يعيش أصلاً في القطب، حيث برّه الجليد ومناخه الصقيع، يتوسل المياه للدفء والغذاء. لكن قصة الدب اللاهي بالإطار تختلف عن كل قصص الدببة التي سمعناها من قبل. فلا هو شريد ضلّ طريقه، ولا هو أسير جاء به صيادون ماكرون. مما لا شك فيه أنه يبدو سعيداً. وسعادته نابعة من الإطار ذاته. أصلاً هو موجود في مكان بارد متاخم لبيئته. تسلل إليه في يوم ممل من كثرة السواد، ففي القطب تحل العتمة مدة خمسة أو ستة أشهر. ضجر من الليل الطويل ولم يعد يأنس للشفق الفضي الجميل يلتمع في السماء، ولا للقمر المختبئ خلف السحب. ضجر من الظلمة، كما البشر، فتدحرج إلى أقرب محلّة مضاءة بالكهرباء وراح يعبث ناعماً بالأنوار. وذات صباح، صعق مصلّح العجلات في تلك المنطقة النائية لمّا رأى الدب غافياً على كومة من الإطارات المطاطية السود. تجمّد الرجل كالمشهد الثلجي الذي يحيط به. لم يقوَ على إيقاظ الحيوان المفترس، لا رأفة به ولا شفقة، بل ارتعاداً منه حتى الفرائص. تململ الدب وتمطّى. ولم يحرك الرجل ساكناً. فتح الدب عينيه، حدّق إلى الرجل. نزل عن الكومة. اشرأب واقفاً على قائمتين. ازداد خفقان قلب الرجل. ابتعد الدب مدبدباً على قوائمه الأربع متلفتاً إلى الخلف وخافضاً رأسه، كأنه يعتذر لذلك الخائف على إزعاجه. وما إن توارى الخطر عن الأنظار، حتى «ذاب» الرجل و «سال» إلى داخل المحل. ولما صحا وسكن، راح يتفقّد المكان بحثاً عن خسائر، لم يجد شيئاً مفقوداً أو مكسوراً، لكنه لاحظ أمراً مريباً أعاده إلى خوفه الأول. لاحظ الرجل كومتين من الإطارات المستعملة: واحدة لتلك المثقوبة التي لا نفع منها، إلاّ -ربما- لإشعالها وقطع الطرق في المناطق الدافئة البعيدة من القطب. والكومة الثانية للعجلات التي لا تزال صالحة. عاد الرجل وبعثرها وقرر أن يراقب الدب في الليلة التالية، هو الذي أنصت، منذ الصِّغر، إلى عجائز المحلّة يروين حكايات عن فطنة الحيوانات وتآخيها مع البشر. عاد الدب، خفق قلب الرجل المحتمي في داخل محله. ولدهشته رأى الحيوان البرّي ينفّذ عملاً «ذكياً»، وهو يهز برأسه ساخراً من صاحب المحل. ولوهلة، خيّل للرجل المراقب أن الدب يتمتم معاتباً، وهو يكرر عملاً مفيداً أنجزه الليلة الفائتة: كان يضع الإطار في مغطس خاص، فإذا نفث فقاقيع ماء رمى به إلى اليسار، وإذا لم ينفث رمى به إلى اليمين. وهكذا تشكلت كومتين: صالحة وطالحة. انسل الرجل نحو الدب وفاجأه يلهو بالإطارات. فالتقط له صورة تذكارية. ومنذ ذلك الحين، أصبحا صديقين... وغص محل العجلات بالزبائن الفضوليين. وتقول أسطورة حديثة إن من بينهم من يتعمّد ثقب إطاراته ليقصد المكان. * قراءة متخيَّلة في صورة من «رويترز» لدبٍّ في حديقة سان فيليسيان بمقاطعة كيبك الكندية.