لا يحتاج الأمر الى براعة لغوية كبيرة كي يكتشف المشاهد للأفلام الاجنبية الناطقة بالانكليزية، أن ثمة «فلتراً» يصفّي الكلام من كل اساءة الى المعتقدات والأديان والقيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة. فهذه الأفلام التي تعرضها محطات متخصصة راح عددها يزداد، لا تمر تحت أعين الرقباء الذين يحذفون تلك المشاهد التي باتت معروفة فحسب، بل ان هؤلاء يصغون كذلك بانتباه الى الحوار كي لا تفلت منهم مفردة أو جملة يمكن أن «تخدش» الأسماع. من المعلوم ان السينما تختلف عن التلفزيون في جوانب كثيرة، ومن بينها أنها تبدو جريئة في اقتحام القضايا ومعالجتها على نحو يعكس الواقع بأكبر مقدار من المصداقية، في حين تبدو الدراما التلفزيونية خجولة في تقليد السينما في هذا المجال، ذلك انها تصنع لوسيلة جماهيرية تتوجه الى الملايين، وهذا يقتضي مراعاة كثير من القيم والتقاليد والمعتقدات. بمعنى آخر، السينما خيار، بينما التلفزيون ضيف دائم. وفقاً لهذه البديهية، فإن المشكلة تنشأ حين يُقْدم التلفزيون على عرض الفيلم السينمائي، ولعل أحد أهم تلك المشاكل هي الترجمة، إذ تصح هنا صفة «الخيانة»، ولئن تكررت هذه الصفة كثيراً لدى الحديث عن ترجمة الشعر، بصورة خاصة، فإن الصفة ذاتها تنطبق على ترجمة كثير من الأفلام السينمائية إلى اللغة العربية، إذ تتخفف الترجمة العربية من كل تلك المفردات والعبارات والجمل التي تؤذي مشاعر المشاهد في هذه المنطقة التي تتمسك بأخلاقيات وتقاليد وثقافة تختلف عن ثقافة تلك البلدان التي أنتجت الفيلم. صدف ان عرضت قناة «ام بي سي 2» في سهرة قريبة، فيلمين على التوالي، هما «الكاتب الشبح» لرومان بولانسكي، و «محامي الشيطان» لتايلور هاكفورد، وكان من السهل ملاحظة الاختلاف بين ما ينطق به الممثل وبين الترجمة التي تظهر على الشاشة في بعض المشاهد. وبالطبع، يصعب هنا إبداء رأي نقدي حاسم حول مدى مشروعية مثل هذا الإجراء، ذلك ان التلفزيون كضيف دائم لدى كل عائلة، لا يمكن أن يغامر بتقديم ترجمة حرفية ستفقده من دون شك، شريحةً واسعة من المشاهدين ممن يؤمنون بقناعات لا تتقبل الكثير من تلك المفردات والجمل النابية. وفي المقابل، ثمة شريحة ذات مرجعيات ثقافية معينة يمكن لها أن تتقبل تلك الجمل، وتعرف كيف تضعها ضمن سياقها الدرامي الصحيح، وإزاء مثل هذا الانقسام، يبدو أن مسؤولي الفضائيات اختاروا الحل «الأسلم»، وهو التخفيف من حدة المفردات بمرادفات لا تمت أحياناً الى المفردة الأصلية بصلة. في كل الأحوال، سيكون إطلاق صفة «الترجمة الخائنة» أفضل بكثير من الانصراف عن القناة!