وصل (ت) «رسائل البحر»، سريعاً، الى شاشة التلفزة، على عكس تلك الرسالة الغامضة اللغة، المتأخرة التي تلقاها بطل الفيلم يحيى (آسر ياسين)، على شاطىء البحر في قارورة وقد بهت حبرها، فحار في قراءتها هو الحائر، أصلاً، في النطق السليم. للوهلة الأولى، تبدو خطوة التلفزيون في عرض أفلام حديثة، نسبياً، أمراً يستحق الثناء، خصوصاً أن صالات السينما تعاني ما تعاني في أكثر من بلد عربي، فيغدو التلفزيون، والحال كذلك، نافذة مناسبة، وإن كانت ضيقة، يطل من خلالها المشاهد على الانتاج السينمائي العربي، بل والعالمي. لكنّ ثمة عائقاً يتمثل في فيض الإعلانات التجارية التي تعترض سبيل بعض الافلام. وتتفاوت سطوة هذا العائق من فيلم الى آخر، بل يكاد أن يتلاشى تأثيره في أفلام كوميدية خفيفة، إن لم نقل «تهريجية»، كبعض أفلام محمد هنيدي ومحمد سعد وهاني رمزي وأحمد حلمي وسواهم ممن يفبركون قصصاً مسلية تستهدف شباك التذاكر، تحديداً، وهي تنجح، غالباً، في هذا المسعى. لكنّ افلاماً من طراز «رسائل البحر» لداوود عبدالسيد، مثلاً، تتعرض لكثير من التشويه حين تعبر طريقها الى عين المشاهد عبر حقل سخي من الإعلانات التي تُنجز، عادة، بصيغ بصرية بهيجة وفاقعة تتعارض، بالضرورة، مع جماليات تلك الأفلام الخاصة. «رسائل البحر» ينتمي الى هذا النوع الخاص، إذ يتناول بلغة سينمائية شديدة الرقة والشفافية قصة حب «استثنائية» ولدت على ضفاف شاطئ الاسكندرية. فيلم يغوص عميقاً في خبايا النفس البشرية وأهوائها ورغباتها، عبر كاميرا خبيرة تنساب صورها بهدوء وعذوبة تتناقض على نحو فاضح مع ايقاع الإعلانات الرديء الذي انتهك خصوصية الفيلم بشراسة. أتيحت لي رؤية الفيلم في مهرجان أبو ظبي الأخير، وشاهدت الفيلم ذاته على شاشة «روتانا سينما»، أخيراً، والنتيجة أن ثمة فارقاً شاسعاً في طبيعة تلقي الفيلم على شاشة السينما ونظيرتها التلفزة. مهلاً، بالطبع ثمة فروق بين الوسيلتين في أكثر من جانب. لكن حين يتعلق الأمر بفيلم مثل «رسائل البحر»، فإن هذه الفروق تتضخم بحيث يظهر وكأنك تشاهد فيلماً آخر في التلفزة لا صلة له، البتة، بتلك الجرعة العاطفية العالية التي يقدمها عبر شاشة السينما. المشاهد لا يأبه كثيراً حين يتابع أفلاماً مثل «حاحا وتفاحة»، أو «غبي منه وفيه»... ذلك ان طبيعة ما يعرض، هنا، لا يختلف كثيراً، عن طبيعة الإعلان. أما «رسائل البحر»، مثلاً، فلا يتحمل إعلاناً طارئاً يشوّه مناخات الفيلم العابقة برسائل الحنين والجوى. ينبغي، إذا، دراسة هذه المعضلة، وإذ يصعب الطلب من مالكي الفضائيات إلغاء الإعلانات أثناء عرض الفيلم، فإن ثمة حلولاً وسطاً كأن تبث الإعلانات كلها في فترة واحدة منتصف الفيلم، لا أن تأتي بصورة عشوائية، ومقحمة طيلة مدته. بهذا الشكل قد يصل «رسائل البحر» وغيره من الأفلام المماثلة الى العنوان المرجو، والمنتظر.