تداولت الصحف الأسبوع الماضي أخبار حريق والتماسات كهربائية في بعض مدارس البنات في السعودية، وكلية التربية بجدة، وكان أكبرها حريق مدرسة براعم الوطن، الذي راحت ضحيته المعلمتان ريم وغدير، وأصيبت فيه أكثر من 50 طالبة. وسط هذه الكارثة الإنسانية تبقى صورة المعلمة ريم، التي لم تتجاوز 25 ربيعاً في مخيلتي. صورتها الأخيرة وهي ترقد بسلام متلحفة بكفنها الأبيض ومستسلمة لقدرها في مشهد يغلب عليه الهدوء ويغلّفه حزن عميق، تتخلَّله عبارات مؤلمة، مصحوبة بدموع حارقة على فراقها... ها هي تودع شارعها، بنايتها، جيرانها، وأهلها الذين كانت لهم سنداً في كل شؤون حياتهم. لقد رحلَت المنقذة، والمسؤولة الأولى في المنزل. رحلت من تؤمن قوتهم وتحمل همومهم. رحلت هي وزميلتها بعد ما ألقين بنفسيهما من الطابق الثالث للنجاة من ألسنة النار وحصار الدخان، واختناق الأنفاس لتعذر الوصول إلى مخرج آمن! وفي حادثة موجعة كهذه لم نصل إلى جواب شافٍ يريح الأب المفجوع في ابنته ريم، والأبناء في والدتهم غدير، وأولياء الأمور في بناتهم المصابات والمفزوعات. معلومات وروايات متضاربة بين تصريحات المسؤولين وشهود عيان. فتارة نقرأ أن المدرسة كانت مجهزة بوسائل السلامة كافة وفيها مخارج طوارئ، بينما مصادر مسؤولة من هنا وهناك تؤكد خُلُو المدرسة من بعض وسائل السلامة الضرورية، وأن نتيجة الحريق التماس كهربائي. شهود عيان يؤكدون خُلو المدرسة من أبواب مهيأة للإخلاء الطارئ، وتعذر الهروب من الأدوار السفلية لأنها كانت مغلقة بقضبان حديدية يستغيث من ورائها طالبات ومعلمات، مع عدم توفر مخرج طوارئ خارجي عند احتشاد عدد منهن على السطح كما تدربن على الإخلاء للمطر!! جيران المدرسة يقولون إن الحريق لم يكن الأول ولكنه الأكبر، وهو ما أكدته خالة ريم وجارتها اللتان شهدتا مطويات تحذر من التماس كهربائي كانت تعدها ريم في ليلتها الأخيرة. المبنى أقرب في شكله الخارجي إلى السجن أو القلعة المحصنة، يخلو من مخارج سهل الوصول إليها، ومن نوافذ يمكن فتحها، ومن درج أمان خارجي للطوارئ. وتغيب الإجابة عند السؤال عن سبب القضبان الحديدية وغياب منافذ مناسبة للأعداد التي يحتويها المبنى. يعرف أن وزارة التربية والتعليم فرضت تجديد ترخيص منشآت التعليم الأهلي بشكل سنوي يتم وفق شروط عدة، منها تقرير صلاحية المبنى من مكتب هندسي معتمد، وشهادة أمن وسلامة منشأة من الدفاع المدني، التي لا يفترض أن تصدر إلا بعد توافر أدوات السلامة كاملة، ككاشف الدخان، وصفارات الإنذار، وخراطيم المياه، وسلم طوارئ خارجي، إضافة إلى لوحة الأمن والسلامة وخطة إخلاء. تصريحات المسؤولين في الصحف تقول إن المدرسة حصلت على شهادة الأمن والسلامة. وهنا لا بد أن نتساءل: هل نفهم أن المدرسة لديها كاشف دخان، وصفارات إنذار، وخراطيم مياه، وسلم طوارئ خارجي؟ ماذا عن النوافذ غير القابلة للفتح والمحاطة بقضبان من حديد؟ ألا تدخل ضمن قواعد السلامة؟ هل نجحت المدرسة في الزيارة التفقدية الأولى التي تقوم بها إدارة التعليم في بداية العام الدراسي، التي تتضمن أموراً عدة، منها التأكد من استكمال الملف الإداري للمدرسة، الذي يشمل شهادة الدفاع المدني؟ هل وقفت الزيارة على مدى صلاحية المبنى والمرافق ومدى توافر وسائل الأمن والسلامة؟ وماذا كتب في هذا التقرير؟ هل استوفت المدرسة الشروط لتجديد الترخيص؟ إن استطاعت المدرسة تجديد ترخيصها بكل مواصفاتها فنحن أمام أزمة حقيقية في معايير الأمن والسلامة، وإن لم تستطع تجديده وتمكنت من الاستمرار في تقديم خدماتها فهذه قضية أخرى! في الحالتين هناك أنظمة تفرضها الوزارة من خلال تعاميمها، لكن يبقى السؤال دائماً عن مدى تطبيقها على أرض الواقع أو بقائها حبراً على ورق، فكم من أم وابنة وأخت وصديقة وجارة وقريبة يجب أن تسلم روحها حتى تستنفر لانهاء معاناة الطالبات والمعلمات حتى يحصلن على حقهن في بيئة تربوية آمنة خالية من مصادر الخطر بالمعنى الحقيقي للكلمة! [email protected] Twitter | @ DaliaGazzaz