لا مبالغة في القول إن الإصرار على الثلث، المعطل او الضامن، داخل الحكومة اللبنانية هو محاولة للانقلاب من الباب الخلفي على نتائج الانتخابات الاخيرة، بعد أن تعفف المتضررون من هذه النتائج عن الانقلاب عليها من الباب الأمامي، كما فعل محمود احمدي نجاد. من بديهيات احترام الاصول الديموقراطية ان الجهة التي تحصل على اكثرية اصوات الناخبين، هي التي يصبح من حقها ان تحكم لتنفيذ برنامجها، وتتم محاسبتها بالتالي اذا اخفقت او تلكأت في التنفيذ. هذا ما سبق ان وعد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالالتزام به في ما لو لم يحصل تكتله على الاكثرية، اي البقاء في موقع المعارضة، رغم العرض الذي كان قد جاءه من «حزب الله» وحركة «أمل» قبل الانتخابات بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية. لكن البعض يعتبر مثل هذا الوضع الديموقراطي ترفاً لا يحتمله لبنان ولا يصح تطبيقه فيه. يقول انصار هذه النظرية إن المشكلة الاساسية أن اللون الطاغي على المعارضة هو لون مذهبي واحد. مما يعني، بالكلام الصريح، صعوبة المجيء بوزراء يمثلون الطائفة الشيعية، اذا كان قرار الطرفين الرئيسيين اللذين يمثلان هذه الطائفة، أي «حزب الله» وحركة «امل»، هو البقاء خارج الحكومة. ولا داعي لتفصيل ذيول وضع كهذا على امكانات اتخاذ القرار داخل الحكومة، في وقت يتمتع فيه الفريق الاساسي في المعارضة، اي «حزب الله»، بالتفوق العددي، وهو ما اشار اليه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في تعليقه على نتائج الانتخابات بالقول إن المعارضة، وهو يقصد حزبه تحديداً، تتمتع بالاكثرية الشعبية، رغم خسارتها الاكثرية النيابية، اضافة الى تمتع الحزب وحده من دون سائر الاطراف اللبنانيين بحصانة حمل السلاح. الثلث المعطل موجود اذن، سواء كان داخل الحكومة او خارجها. تشكيل الحكومة بمعزل عن مشاركته سيضعه في موقع المواجهة من الخارج، مع كل ما يمكن أن تؤدي اليه من عراقيل سياسية وربما امنية، في لحظة اتخاذ قرارات حكومية اساسية لا تناسبه. وتشكيل الحكومة مع انضمامه اليها سيضعه في موقع المواجهة من الداخل، مع كل ما يمكن ان تؤدي اليه من شلل للعمل الحكومي، وهو ما عبر عنه الرئيس فؤاد السنيورة في تعليقه على تجربة حكومته الاخيرة بعد اتفاق الدوحة. يعيدنا هذا الكلام الى سؤال طرحناه سابقاً عن معنى الانتخابات اذا لم تكن قادرة على انجاب حكومة تمثل الاكثرية النيابية. ذلك ان الحديث عن الديموقراطية التوافقية لا يمكن ان يعني الانقلاب على نتائج الانتخاب. كما أنه لم يكن في ذهن المشرّع، عند اشارته في مقدمة الدستور الى أهمية الحفاظ على صيغة العيش المشترك، أن هذه الصيغة لا تتحقق الا اذا اتيح لفريق معارض أن يعطّل عمل المؤسسات الدستورية. تصح المناقشة الدستورية ايضاً للنظرية المتداولة بتخصيص رئيس الجمهورية بمقاعد وزارية تحسب له داخل الحكومة، بحيث تكون هذه المقاعد هي الكفة المرجحة عند اي خلاف بين الاكثرية والمعارضة، اذا وافقت هذه على المشاركة في الحكومة حسب صيغة (15-10-5). ومع ان الهدف من هذا الطرح هو الالتفاف على مأزق الثلث المعطل، الذي لا تزال المعارضة بحسب اوساطها تصر عليه، الا ان محاذير طرح كهذا ان الاصوات المحسوبة على الرئيس سليمان ستذهب لمصلحة فريق على حساب الآخر عند اي خلاف داخل الحكومة. ماذا يترك وضع كهذا لقدرة رئيس الجمهورية على البقاء خارج النزاعات؟ بل ماذا يبقى من الدور الذي رسمه اتفاق الطائف للرئيس عندما سحب منه حق التصويت داخل مجلس الوزراء، حفاظاً على موقعه الوطني الذي يبقى اعلى من الخلافات بين الاطراف السياسيين؟ لا يعني هذا الكلام، ولا يصح ان يفهم منه، أن فكرة حكومة الوحدة الوطنية هي فكرة مخالفة لاصول العمل الديموقراطي. ففي كثير من الديموقراطيات العريقة تصبح هذه الفكرة حاجة وطنية تعلو على الخلاف السياسي عندما يكون المصير الوطني على المحك. ولبنان يمر الآن بالتأكيد بظرف كهذا. لكن حكومة الوحدة الوطنية شيء واستئثار اقلية نيابية داخل هذه الحكومة بالقدرة على فرض القرار الذي تريد او تعطيل ما لا يناسبها شيء آخر، لأن مثل هذا الوضع لا يستقيم مع الديموقراطية، ويحرم الاكثرية من حقها في الحكم الذي كسبته بفضل اصوات الناخبين كما عبروا عنها في صناديق الاقتراع.