منذ بداية ازمة النظام السوري مع شعبه، لم يتزحزح هذا النظام عن موقفه الثابت ان ما تتعرض له سورية هو نتيجة مؤامرة يرعاها الخارج ويمولها لاسقاط آخر قلاع «الممانعة» في المنطقة ضد الهجمة الاميركية الصهيونية، على ما يقولون. هذا الموقف انعكس على سلوك النظام السياسي والامني تجاه الانتفاضة. وانعكس كذلك على مواقف القوى الداخلية والخارجية من النظام السوري، التي اعتبرت ان مواجهة الاحتجاجات بنظرية المؤامرة تهدف الى كسب الوقت وقطع الطريق على اي تغيير حقيقي في سورية. ولعل أهم تجليات ذلك كان ردَّ فعل دمشق على القرار الاستثنائي لجامعة الدول العربية بتعليق مشاركة سورية في اعمال الجامعة طالما ان اعمال قمع المتظاهرين مستمرة. لقد اكد الوزراء العرب بهذا القرار انهم لا يقيمون اي وزن لرواية النظام السوري عن «الجماعات الارهابية المسلحة»، ويعتبرون ان مطالب المعارضة يجب ان تتحقق بالحوار اذا امكن، او بالتنسيق المباشر مع المعارضة اذا رفض النظام الحوار، كما ظهر من رده على مطالب اللجنة الوزارية العربية. غير ان النظام الذي لا يعتبر ان في سورية ازمة داخلية، وأن خلف المطالبين بالاصلاح مصالح خارجية تهدف الى اسقاطه، لم يقرأ في الموقف العربي سوى كونه جزءاً من المؤامرة الخارجية اياها، التي تحول الوزراء بموجبها الى ادوات في يد المشروع الاميركي، فقد سمع الوزراء العرب على لسان المسؤولين في سورية كيلاً من التهم، من النوع الذي يطلقه اركان النظام ضد معارضيه. والاكيد انه لو توافرت لمندوب سورية لدى الجامعة يوسف الاحمد الذراع الامنية المتوافرة لقوات «حفظ النظام» في حمص وحماة ودرعا وسواها ضد المتظاهرين، لكان تعامل مع الوزراء العرب في القاهرة بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها تلك القوى مع معارضيها. وما يؤكد استخفاف النظام السوري بمطالب المعارضة وبشخصياتها وعدم جدية الحديث عن مساعي الاصلاح وحلقات الحوار والرغبة في التغيير وما الى ذلك من وعود، أن رأس النظام أنكر في حديثه الاخير الى صحيفة «الصانداي تلغراف» البريطانية ان يكون على معرفة بأي من هؤلاء المعارضين، فعندما يقول الرئيس الأسد انه لم يسمع مثلاً بشخص مثل برهان غليون، ناهيك عن سواه من المعارضين، الذين استضافت السجون السورية اكثرهم في العقود الماضية، يمكن الحكم على مدى جدية هذا النظام في اقامة حوار متوازن ومسؤول يمكن ان يحقق اي نتيجة حقيقية مع هؤلاء المعارضين. لقد أعطي النظام السوري حتى الآن، من العرب ومن الخارج، الفرصة تلو الاخرى لإنجاز مشروعه الاصلاحي الموعود. وبدلاً من استغلال هذا الوقت للقيام بأي تغيير سياسي، لم يكن هناك رهان سوى على إسكات المتظاهرين بقوة السلاح وتخويفهم من الموت. وفي الوقت الذي كان النظام يتهم المعارضين بالاستقواء بالخارج ضد «ممانعته»، ظهر انه كان الوحيد الذي يلعب الورقة الخارجية ويراهن عليها. وقد أكد الوزير وليد المعلم هذا الرهان امس في اطار استبعاده التدخل الخارجي، فقال إن «سورية غير ليبيا»، وشرح ذلك بالقول ان روسيا والصين ضد التدخل العسكري في سورية، وموقفهما لن يتغير، والعجز الاقتصادي الاوروبي يمنع دول الاتحاد الاوروبي من انفاق اي اموال اضافية على المغامرة في سورية. ثم إن اي تدخل في سورية سيشعل المنطقة ويفجر فيها الزلازل ويطلق نيران «حزب الله» باتجاه اسرائيل، كما هدد الرئيس بشار الاسد اكثر من مرة. من الذي يستقوي بالخارج اذن؟ الذين يراهنون على تخويف العرب وعجز الغرب ودعم روسيا، ام الذين يرفضون التدخل العسكري في الشأن السوري، على رغم الدم الذي يسيل في صفوفهم، ولا يطالبون سوى بحماية بأي وسيلة لأرواح المدنيين، بعدما بلغت استهانة النظام بهذه الارواح حداً فاضحاً؟