ما إن أطلق ثائر الوحيدي ذو ال 19 عاماً، من مخيم البقعة في عمان، النار على أعضاء فرقة الكسليك اللبنانية والتي كانت تؤدي عرضاً موسيقياً في العاصمة الأردنية في صيف عام 2008، حتى أطلق النار على نفسه ليموت بعد ساعات في المستشفى، بعد أن تسبب بإصابة 4 من أفراد الفرق، إضافة إلى سائق باص الفرقة، وإحدى المارات بالجوار. قصة الوحيدي هذه كانت تعد واحدة من «الهجمات الجهادية الانفعالية»، والتي تذكر بالهجمات على البارات أو محال بيع الخمور أو حتى محال تأجير شرائط الفيديو، كما حدث في عدد من الدول العربية منتصف الثمانينات وبداية التسعينات. ولكن مع بروز تداعيات الحادث بدءاً باعتقال عدد من أقارب ومناصرين للوحيدي في مخيم البقعة، احد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، و «مصادرة كتب سلفية - جهادية»، من السلطات الأردنية، كما تناقلت وسائل الإعلام، ووصولاً إلى بدء محاكمة الخلية التي جندت الوحيدي، برزت مؤشرات عن تحولات تطرأ لدى شباب المخيمات الفلسطينية وميول نحو الإيديولوجية السلفية - الجهادية، ولا تقتصر الحالة على الأردن، بل هي حاضرة في سورية ولبنان أيضاً، حيث لا يدخل هذا المقال في تحليله المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، لعدم وجود معلومات كافية عن نشاط السلفيين - الجهاديين فيها. يبدو أن عدداً من الأسباب وراء ذلك، منها غياب الأفق السياسي لحل يعالج موضوع «حق العودة»، إحدى أعقد قضايا التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية، وتآكل هياكل المنظمات الفلسطينية، وبالتالي تراجع سيطرتها على مخيمات اللجوء التي كانت دوماً تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة «فتح»، طبعاً في ظل وجود بعض النفوذ للمنظمات والفصائل الأخرى، وأيضاً ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وغيرها من الأسباب التي دفعت إلى تزايد جاذبية الإيديولوجية السلفية - الجهادية في أوساط شباب المخيمات. يبدو أن تزايد النزعة السلفية - الجهادية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، مر بثلاث مراحل، متداخلة. الأولى، حين تأسست في المخيمات، وتحديداً مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، «عصبة الأنصار» التي أسسها هشام الشريدي منتصف الثمانينات، وقد تميزت هذه المرحلة ببروز الميل الى الحركات الإسلامية واستخدام شعاراتها، وبتعبير آخر كانت حركات وطنية متشددة بشعارات إسلامية، إذا ما استخدمنا تعبير الباحث الفرنسي برنارد روجيه في كتابه المهم: «الجهاد اليومي: بروز الإسلام المسلح بين الفلسطينيين في لبنان». وقد شهدت هذه المرحلة، أيضاً، تأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وبروز نواة حركة «الجهاد الإسلامي»، وتزايد التحولات لدى أعضاء الفصائل الفلسطينية نحو الإيديولوجية الإسلامية. في المرحلة الثانية، بات السلفيون الجهاديون في المخيمات يلعبون دور الحاضن للسلفيين - الجهاديين غير الفلسطينيين، عبر توفير المأوى والمسكن والتدريب للجهاديين القادمين من الخارج. وقد برز هذا الدور خلال مرحلة استقطاب المخيمات لجهاديين كاليمني معمر العوامي (ابن الشهيد) المتهم بتخطيط تفجير مطعم «ماكدونالدز» عام 2003 في لبنان، مثلاً، حين استقر في مخيم عين الحلوة. ويمكن اعتبار «فتح الإسلام»، وعلى عكس ما يعتقد الكثير من المراقبين، من هذا النوع، فهي سعت إلى احتضان السلفيين - الجهاديين القادمين إلى «نهر البارد» في شمال لبنان، فالحركة تعبير عن فكرة فلسطينية قديمة أسس لها ياسر عرفات، وخليل الوزير، ارضاء للشيخ أمين الحسيني في الزرقاء نهاية الستينات، وكان عبدالله عزام من أعضائها، وقد فشلت الفكرة بسبب اعتراض يسار فتح عليها، وبالتالي كانت «فتح الإسلام» المعاصرة، إعادة إنتاج للاسم مرة أخرى، فأجندة «فتح الإسلام» مختلفة عن أجندة «القاعدة» مثلاً، وإن تلاقت في بعض المسائل ك «تحرير فلسطين». المرحلة الثالثة برزت السلفية الجهادية كإيديولوجية أساسية لدى شبان فلسطينيين في المخيمات، وهي وإن ما زالت في طور القناعة الفردية والخلايا الصغيرة، يبدو أن العوامل الدافعة لها ما زالت قائمة، وباتت ترتبط ببروز جيل جديد من السلفيين - الجهاديين اللذين يوصفون ب «الزرقاويين الجدد». الأردن الخلية التي بدأت محاكمتها بداية العام (27 كانون الثاني/ يناير 2009) في الأردن، والتي أشير إلى أنها جندت الوحيدي، تتكون من 12 فرداً كلهم من ذوي الأصول الفلسطينية، وقد أشارت لائحة الاتهام إلى أن قائدها هو شاكر عمر الخطيب (28 عاماً) من غزة أصلاً، ويعيش في مخيم أربد، حيث كان يلتقي رفاقه ويدعوهم إلى الالتحاق ب «المقاتلين في العراق ولبنان»، في المسجد الكبير في المخيم ذاته، (وتشير لائحة الاتهام إلى أنه جنّد ثائر الوحيدي عبر الانترنت). ولا يعد تكرار الحديث عن مخيم أربد جديداً فقد ورد مراراً، حيث إن المخيم تكرر ذكره في عدد من القضايا السلفية - الجهادية في الأردن، إذ إن من المفهوم أن مدينة أربد وبحكم قربها من الحدود السورية، برزت كممر أساس للسلفيين - الجهاديين، الذاهبين إما الى العراق أو الى لبنان خلال السنوات الأخيرة الماضية، ولكن المخيم، بحد ذاته، برز أيضاً، في شكل متكرر، فقضايا السلفية - الجهادية في الأردن ارتبطت، منذ منتصف التسعينات بمدن كالزرقاء والسلط ومعان، وإن كان عدد كبير من المحكومين منذ منتصف التسعينات هم من الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، إلا أن معظمهم كان من سكان غير المخيمات كعمان الشرقية، أو الزرقاء، أو أربد المدينة... الخ، ناهيك عن أن أعداداً من هؤلاء السلفيين - الجهاديين، ومعظمهم من الأسماء القيادية كانوا من ذوي الأصول الشرق أردنية. تقدر وكالة الغوث واللاجئين الدولية (أونروا) عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأردن بنحو مليون و900 ألف، منهم نحو 340 ألفاً يعيشون في عشرة مخيمات رسمية، بات أسماء معظمها يتكرر، كما تكرر اسم «مخيم أربد»، في قضايا السلفيين - الجهاديين، بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وعلاوة على ذلك، فإن أسماء «قيادية»، أيضاً ترتبط بالمخيم، مثل شاكر الخطيب، المذكور أعلاه، ولعل من أشهر الأسماء أيضاً «جهاد القشة»، واسمه الأصلي ابراهيم محمد عبدالظاهر زين العابدين، وهو مطلوب في عدد من القضايا في الأردن أشهرها محاولة اغتيال علماء آثار أميركيين في الأردن، والأهم أنه حوكم غيابياً في ما يعرف بخلية «الكيماوي»، التي هدفت الى تفجير مبنى المخابرات العامة عام 2004، وتزعمها عزمي الجيوسي، بإيعاز من أبي مصعب الزرقاوي، زعيم «القاعدة» في العراق آنذاك. وتشير التقارير الى أن «القشة» هرب إلى سورية، وهو معتقل هناك، وقد ألف كتاباً في سجنه ينتقد فيه المنظّر الأيديولوجي للسلفيين - الجهاديين أبو محمد المقدسي، ونشر على المنتديات الجهادية، بخاصة من جانب من باتوا يعرفون ب «الزرقاويين الجدد»، والذي يشنون حملة ضد المقدسي متهمينه ب «التراجع» عن خطه الجهادي. كذلك ارتبط اسم آخر بمخيم أربد هو سليمان غياض الأنجادي، والذي قتلته السلطات الأردنية بعد مواجهة مسلحة بين الطرفين في كانون الثاني (يناير) 2007، وكان الأنجادي مطلوباً على خلفية قضايا عدة أهمها اشتراكه بمحاولة تهريب عزمي الجيوسي من سجنه بمشاركة عدد من الأشخاص، وبالتخطيط لاغتيال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أثناء زيارته الأردن عام 2006. لبنان أبرزت مواجهات نهر البارد في صيف عام 2007، بين الجيش اللبناني و «فتح الإسلام»، ومن معها من السلفيين - الجهاديين، أسئلة عدة منها ما ارتبط بتزايد السلفيين - الجهاديين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتي تقول «اونروا» إن فيها نحو 230 ألف لاجئ يقطنون 12 مخيماً من مجموع 416 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان. ترى أميمة عبداللطيف الباحثة في مؤسسة كارنيغي الأميركية - مكتب بيروت، في دراسة لها عن السلفيين في لبنان، أن المخيمات الفلسطينية «المهملة» في لبنان تمثل «أرضاً خصبة» للمجموعات السلفية المتشددة، حيث ان المخيمات لا تخضع لإشراف الدولة اللبنانية، بحسب اتفاق سابق بين الدولة والفصائل الفلسطينية. ويبدو أن نسب الفقر العالية، داخل المخيمات التي ما زال سكانها ممنوعين من ممارسة عدد من المهن في لبنان، إضافة إلى تآكل دور الفصائل الفلسطينية، والذي زاد من وتيرته حال الانقسام بين حركتي «فتح» و «حماس» في غزة والقطاع، لعبت دوراً في زيادة جاذبية الأفكار السلفية - الجهادية، بين هؤلاء السكان. يرتبط الحديث عن السلفيين - الجهاديين في لبنان، دوماً، بمخيم عين الحلوة، الذي كان معقلاً لمنظمات «الثورة الفلسطينية»، وما زال منطقة نفوذ للفلسطينيين حتى أن الجيش اللبناني لا يدخله. ولكن لا يقتصر الوضع على عين الحلوة بل يتعداه إلى المخيمات الأخرى كما أظهرت أحداث مخيم نهر البارد عام 2007. حال التحول في دور المخيمات من «حاضن» للسلفيين - الجهاديين إلى «مُصدِّر»، برزت مع الاحتلال الأميركي للعراق، ومع بروز ظاهرة «العائدين من العراق»، وانتشار ما بات يعرف ب «المعجم القاعدي»، بمفردات وخطاب السلفيين - الجهاديين، الذي بات ينتشر بين أوساط الشباب في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وعلى ذلك برزت أسماء عدة ممن ذهبوا إلى العراق من المخيمات، ومنهم من تبوأ مواقع قيادية في تنظيم «القاعدة» في العراق، مثل صالح القبلاوي (أبو جعفر المقدسي)، الذي أصبح مرافقاً للزرقاوي، وقتل معه، وأشارت تقارير إلى أن القبلاوي كان مسؤولاً عن إطلاق صواريخ ضد إسرائيل من الجنوب اللبناني. وهناك أيضاً أمير «عصبة الأنصار» أحمد عبدالكريم السعدي (أبو محجن)، والذي أشارت التقارير إلى أنه عين مساعداً للزرقاوي. ولعل الشريط المرئي المعنون ب «شهداء عصبة الأنصار في بلاد الرافدين»، والذي يروي حكاية مجموعة من الشبان الذين قتلوا في العراق، يدلل على التوجه السلفي-الجهادي المتزايد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. سورية في سورية تسعة مخيمات للاجئين، وفيها نحو 124 ألف لاجئ فلسطيني، من أصل مجموع يناهز 457 ألفاً يقيمون في سورية عموماً، وفقاً لتقديرات «أونروا»، وقد شهدت سورية، منذ الاحتلال الأميركي للعراق، تزايداً في نشاطات السلفيين - الجهاديين، على أراضيها، باعتبارها شكلت ممراً للمتطوعين العرب المتوجهين الى العراق لمواجهة القوات الأميركية. مثل هذه الحالة ساهم عموماً في «انتعاش» التيار السلفي - الجهادي في سورية، كما برز في عدد المتطوعين المتزايد في العراق، على سبيل المثال، ولكن الإشكالية المرتبطة بسورية هي قلة المعلومات عن نشاط الجهاديين فيها، وبالتالي يصعب الوصول إلى استنتاجات في شأن حال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك ومدى جاذبية الأفكار السلفية - الجهادية، ولكنّ اشتباكاً أسفر عن «مقتل ثلاثة إرهابيين وجرح رابع، وقتل اثنين من عناصر الأمن» في مخيم اليرموك، احد أكبر المخيمات في سورية، بعد أيام من تفجير سيارة مفخخة في وسط دمشق (تشرين الأول/ أكتوبر 2008) أودى بحياة 17 شخصاً وإصابة 14 آخرين، وكذلك ورود اسم مخيم اليرموك في عدد من القضايا السلفية-الجهادية، وورود اسمه كمحطة عند الحديث عن شبان يسعون للذهاب إلى العراق، يشير إلى أن حال «الميل» الى السلفية -الجهادية في مخيمات اللاجئين موجودة. الزرقاويون الجدد بُعدٌ آخر ارتبط بالتحولات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وهو الإرث الذي خلفه أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق، بتأسيسه، تياراً سلفياً - جهادياً شامياً، يسعى للوصول إلى فلسطين، بعد أن ينهي معركته في العراق، وقد بدأ الزرقاوي في تأسيس مثل هذه التيار منذ أن أسس معسكره التدريبي في حيرات في أفغانستان عام 2000، بالتالي برز جيل جديد من السلفيين - الجهاديين الذين يعتبرون أنفسهم حملة إرث الزرقاوي، وهو جيل أكثر راديكالية، رافض حتى لشرعية منظّري السلفية - الجهادية التقليديين مثل أبو محمد المقدسي. «الزرقاويون الجدد»، وباعتبارهم تياراً من نتاج الاحتلال الأميركي للعراق، برزت صلات تنظيمية وفكرية بينهم وبين أفراد التيار في الدول المجاورة للعراق. فمثلاً، ارتبط شاكر الخطيب، وفقاً للائحة الاتهام بمخيم عين الحلوة، حيث ذهب للتدريب، وهناك منح «البيعة» للقاعدة. وقبل ذلك في العام 2005، وفيما عرف بتنظيم «سرايا الخطاب»، الذي كان أفراده يسعون للذهاب للقتال في العراق، وتنفيذ عمليات داخل الأردن، حوكم اثنان من القياديين السلفيين - الجهاديين في مخيم عين الحلوة في لبنان، وهما أسامة الشهابي (أبو الزهراء)، زعيم تنظيم «جند الشام»، وهيثم السعدي (أبو طارق) شقيق زعيم «عصبة الأنصار» أبو محجن. وبالتالي مثل هذه الصلات يظهر، أن «الزرقاويون الجدد» تحولوا إلى تيار إقليمي، وبات له من المنظّرين ما يشي ببروز هذه التيار في شكل أكبر، وهذه التيار يعتبر ملهماً لعدد من الشباب في مخيمات اللاجئين، بحكم الظروف التي يعانون منها والتي تتراوح ما بين الفقر والبطالة، وبين غياب الأفق السياسي، لحل قضيتهم، وتراجع دور الفصائل الفلسطينية في تلك المخيمات. وبالتالي وفي ظل حال العقم السياسي الذي تعاني منه المنطقة، تبدو الشروط الاجتماعية السياسية لبروز تيار «الزرقاويون الجدد» قائمة ومستمرة.