الصداقة بين الأشخاص لا يمكن قياس مدى الاهتمام الذي تحظى به جراء سيرها في صورة خفية داخل النفس التي من الصعب الاطلاع عليها ومعرفة الشعور الذي يعتري أحد الصديقين تجاه الطرف الآخر وتظل في حال تحفظ غير متعمد. وبين فترة وأخرى، يعبِّر اللسان للوجود عن شيء من تلك الصداقة، ويكشف عمقها واحترامها، بيد أن رسالته -وعلى رغم استيعابها- يكتنف تفسيرها ضبابية كبرى على اعتبار أن التسلل إلى النوايا محال، وفي الغالبية عيش الصداقة سنوات مديدة يخلص بها إلى نوع من الفتور. ويعد تحول الصداقة من حال كامن إلى متحرك وواقع ملموس والتعبير عنها بواسطة التطبيق العملي، برهاناً قاطعاً، يزيح ويوصد باب الشكوك تماماً ويفتح باباً آخر لقياسها إلا أن هذه الصورة أيضاً لا تعد شفاعة للقبول و يظل هناك شيء عالق يشير إلى أن العلاقة الحقيقية تقاس على قدر المشقة والصبر في تحملها. في مشعر منى تواجد حاجان مسنان من إقليم السند في باكستان بغية إكمال نسكهما وأداء فريضة العمر، ترجما صداقتهما الضاربة في الجذور - بحسب إفادتهما ل «الحياة»- في مشهد حي أمام حشود العالم. وقال الحاج حيدر رسول وهو في طريقه ورفيقه أرشد امتياز لرمي الجمرات أمس: «نتناوب على دفع عربة متحركة، حرصنا على اصطحابها، يستقلها أحدنا ويدفعه الآخر بالتساوي في المدة الزمنية، وإن نتج وقت فائض في الدفع فهو يتجاوز الخلاف ويذهب أمام العلاقة التي تربطنا منذ عقود». وأضافا: «سنمطر الشيطان بوابل من الحجارة التي تزودنا بها بغية قطع الطريق أمامه وإلجام أفكاره الهدامة والحيلولة دون تدخله في شؤوننا وإفساده بهجة صداقتنا التي نشأت بيننا منذ مرحلة الطفولة والصبا، ولم تخل من المواقف البريئة، مروراً بسن الشباب والنضج». وتابعا: «تجاوزنا حاجز ال70 من العمر، ولا نتذكر يوماً أننا اختلفنا على أمر معين، ودائماً ما نعالج بعض الأمور التي لم تتطور إلى درجة الخلاف بعقلية واعية وحسن تصرف، مبينين أنهما عاشا الأفراح والأتراح وشظف العيش ورغيده سوياً «خصوصاً أننا من مجتمع رعوي بسيط، نحرص على عدم وجود شروخ في علاقتنا التي نعتبرها صرحاً شامخاً نعتز به كثيراً علمت عنه غالبية الأوساط الاجتماعية في بلادنا».