الحج استلهام للعبادة والمعاملات، وفرصة لالتقاء الثقافات وتبادل الحوارات، وقديماً كانت التجارة جزءاً من مهماً من موسم الحج، فكثير من التجار الحجاج يجلبون معهم سلعاً ومنتجات بهدف تسويقها، وهناك سلع وصناعات تأتي من دول غير إسلامية تجد إقبالاً من المتسوقين، وليس غريباً أن تجد بين أمتعة الحجاج مشغولات يدوية ونحاسية وكل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه. وعلى هذا الأساس اعتاد سكان مكةالمكرمة والمدينة المنورة أن يروا أسواقاً متنوعة لمنتجات العديد من الدول وتحديداً للجاليات الإسلامية المقيمة في الدول الكبرى من روسيا والصين واليابان ودول البلقان وآسيا الوسطى، وعلى مدى شهر تقريباً، هو مدة بقاء الحجاج في المدينتين المقدستين، يقتني المتسوّقون ويتعرفون على الكثير من هذه السلع، وتحدث صفقات صغيرة ولقاءات تعارف تنتج منها عقود واتفاقات. هذا الحدث الإنساني الإسلامي العظيم الذي بدأ منذ مئات السنين إنما يكرس مفهوم انفتاح الأسواق الإسلامية في ما بينها وتبادل السلع وتطوير صناعاتها، إلا أن هذا الحدث العظيم لم يجد الاهتمام من قبل القائمين على الشأن الاقتصادي والصناعي في الدول الإسلامية بما يحقق الفائدة من هذا التجمع الإسلامي الكبير. ونحن في موسم الحج لا بد أن نستلهم العبر في بناء تكتلات اقتصادية وصناعية إسلامية، لمواجهة التحديات المستقبلية والمتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية، فضلاً عن المعضلات الرئيسية في تهيئة أيدٍ عاملة مدربة، ومكافحة البطالة والفقر، وتطوير التبادل التجاري بين الدول الإسلامية وتحسين صناعاتها. ولا يمكن أن نغفل الجانب الاقتصادي والاجتماعي المهم في موسم الحج، ويذهب تجمع ما يقارب مليوني مسلم قدموا من أكثر من 200 دولة في العالم، من دون أن تتم الاستفادة منه إما بالتسويق أو لتطوير أو تبادل الخبرات والمعلومات التجارية والصناعية. وعلى رغم أن التقارير الاقتصادية عن نشاط التبادل التجاري بين الدول الإسلامية سجل نمواً طفيفاً في السنوات الأخيرة بلغ 10 في المئة من إجمالي نمو التجارة العالمية، وتملك منظمة التعاون الإسلامي طموح تحقيق الأرقام الاقتصادية والنمو الذي يهدف له برنامج العمل العشري الذي أقرته قمة مكة الإسلامية في عام 2005 والوصول إلى نسبة 20 في المئة نسبة تبادل تجاري بين الدول الأعضاء بحلول 2015. الحقيقة أنه وعلى رغم الجهود المبذولة من منظمة التعاون الإسلامي والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة، إلا أنني أرى أن جهود الأخذ بيد الاقتصاد الإسلامي نحو النهوض والمنافسة لا تزال ضعيفة، وقد تكون الأوضاع السياسية المتأزمة أسهمت في ذلك، إلا أنني أجد أنه بات من الضروري أن تعكف الغرفة الإسلامية على الاستفادة من موسم الحج ومن المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، بجعلهما مركزاً ومنبراً ليس للإسلام فقط بل لانطلاق التنوع الاقتصادي والجذب الاستثماري، ومركزاً مهماً لاستقطاب العقول والخبرات الإسلامية. أعتقد أن مدناً مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة، من المناسب أن تضم مدناً صناعية واستثمارات إسلامية مثل ماليزيا وباكستان وإندونيسيا وتركيا، بحيث تسهم الهيئة العامة للاستثمار وهيئة المدن الصناعية في تقديم مساحات للمستثمرين المسلمين من الأجانب والشركات، لإقامة مشاريع صناعية وحرف يدوية تستقطب العمالة المهنية لهذه المنتجات، وتسوّق أيضاً لفرص تجارية وصناعية. في ظني أن الفرصة لو أتيحت لي لتقديم ورقة عمل أمام ملتقى منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤتمر للغرفة الإسلامية التجارية حول تطوير هذا المشروع، فإنني على استعداد لتقديمه بما يؤدي الغرض، والتكامل الاقتصادي وتطوير الصناعات الإسلامية بجذب رؤوس الأموال وطرح الفرص الاستثمارية، وهذه فرصة جيدة أمام الهيئة العامة للاستثمار لترويج المجالات الصناعية واستقطابها، وتحسين المدن الصناعية في هاتين المدينتين. قد يقول البعض ولماذا مدينة للصناعات الإسلامية في مكة والمدينة، أقول إن قِدم هاتين المدينتين والإقبال الكبير من المسلمين عليهما طوال العام يجعلهما مهيأتين لاستقطاب رؤوس الأموال، أو إقامة مشاريع تصب في مصلحة الاقتصاد الإسلامي، كما أن انفتاح سوق العمرة طوال العام يسهم في انتعاش هذه السوق ليس فقط للاستهلاك المحلي، على المستوى العربي والعالمي والإسلامي، ونحن هنا لا ندعو إلى إقامة مصانع تجارية فقط، بل أدعو إلى دعم مشروع المؤتمر الإسلامي الاقتصادي ومعالجة مشكلاته والمعوقات التي تواجه تقدمه، وإقامة معرض سنوي للصناعات الإسلامية مستفيدين من عظمة الحج، وهناك العديد من الصناعات التي يمكن أن تدفع المستثمرين المسلمين إلى الإقبال عليها متى ما وضعت لها معايير وضوابط، وليس فقط المجال الفندقي والعقاري. ومع أن السوق الإسلامية المشتركة هي أحد الأحلام الجميلة التي يتطلع إليها المسلمون وعلى رغم ما تواجهه من معوقات، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي والغرفة الإسلامية معنية ببحث مثل هذه المعوقات والمقترحات، والاستفادة من عولمة الاقتصاد، وجعل الحج أحد الدروس الفاعلة لانطلاق أي أفكار تهم الاقتصاد الإسلامي. المدينتان المقدستان قد تلعبان دوراً مهماً في تحسين بيئة الصناعة الإسلامية باستقبالهما الاستثمارات والمشاريع، خصوصاً في مجال الصناعات والحرف اليدوية والخزف والمشغولات، فهما ليستا مهوى لإشراق الإسلام ومهبط الوحي فقط، بل إنهما قصة انطلاق قوافل الصيف والشتاء التجارية. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected] twitter | @jbanoon