شهدت موسكو ومدن أخرى روسية أمس، أوسع مسيرات نظمها قوميون متشددون بموافقة من السلطات، وتزامنت مع الاحتفال رسمياً بعيد أطلقت عليه تسمية «الوحدة الشعبية»، رغم أن غالبية الروس لا تعرف أسباب إحياء فاعليات احتفالية في هذا اليوم. وبدا لهذا «العيد» الذي أعلن قبل سبع سنوات تحويله عطلة رسمية في البلاد، مذاق خاص هذه السنة، بعدما ظل خلال السنوات الماضية مثار جدل واسع، لأن غالبية الروس لا تعرف بماذا تحتفل في هذا اليوم كما دلت نتائج دراسات واستطلاعات رأي، أظهرت أن ثمانية في المئة منهم يعرفون التسمية الرسمية للعيد في مقابل 14 في المئة ذكروا بعض التفاصيل المتعلقة به. وكانت روسيا في العهد السوفياتي تحتفل في مثل هذه الأيام بالثورة البلشفية، لكن التوجه الى شطب كل ما يرتبط بالدولة السوفياتية المنهارة من الذاكرة الشعبية، أسفر العام 2004 عن إلغاء الاحتفال الرسمي ب «ثورة أكتوبر» وتحديد الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عيداً وطنياً يستعيد فيه مواطنو روسيا ذكرى بدء الحملة الشعبية لمقاومة الاحتلال البولندي العام 1611. ورغم ضعف الاهتمام الشعبي بالعيد فان الأحزاب السياسية والحركات القومية المتشددة وجدت فيه مناسبة لعرض عضلاتها، فتحولت نشاطات إحياء المناسبة إلى مسيرات حاشدة، يبرز فيها عادة العنصر القومي الروسي المتشدد، باعتبار أن المناسبة تعيد إلى الواجهة واحداً من مظاهر المجد القومي. واكتسب العيد أهمية خاصة، إذ تزامن مع التحضيرات لانتخابات مجلس الدوما (البرلمان) المنتظرة في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، خصوصاً أن غالبية الأحزاب الروسية سارعت خلال الأسابيع القليلة الماضية لزيادة كثافة الشعارات القومية في دعايتها الانتخابية للإفادة من المد القومي المتشدد المنتشر بقوة في البلاد. واللافت أن ثنائي الحكم الرئيس ديمتري مدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين تعمدا الابتعاد عن العاصمة أمس، إذ توجها إلى مدينة نيجني نوفغورود الواقعة على حوض الفولغا، والتي شهدت بداية الحملة لتحرير روسيا آنذاك. وهذه هي المرة الأولى منذ سبع سنوات التي ينتقل فيها الاحتفال بالعيد من الكرملين إلى موقع الحدث التاريخي، ورأى بعضهم في موسكو أن الزعيمين أرادا التهرب من التواجد في العاصمة تزامناً مع التحركات الواسعة للقوميين المتشددين. وكما كان متوقعاً، شهدت موسكو ومدن أخرى مسيرات حاشدة حمل أضخمها اسم «روسكي مارش»، وشارك عشرات الآلاف من المتشددين القوميين الذين رفعوا شعارات تطالب بأن تكون «روسيا للروس»، والمقصود أبناء العرق السلافي الذين دعتهم اللافتات المرفوعة إلى «التخلي عن صمتهم»، كما لوحظت شعارات أكثر راديكالية مثل «الموت لأعداء الروس» و «روسيا ستبني مجدها على أنقاض الدخلاء». معلوم أن القائمين على «المسيرة» يضمون في صفوفهم عدداً من التشكيلات القومية المتطرفة التي تحمّل القوقازيين وأبناء مناطق آسيا الوسطى المسؤولية عن كل مصائب البلاد. وكان لافتاً أن التحرك حصل للعام الثاني على التوالي على ترخيص رسمي من السلطات. لكن الجديد الذي فرضته ضرورات الحملات الانتخابية جاء مع مشاركة تشكيلات شبابية من الأحزاب الكبرى التي تخوض المعركة الانتخابية. اذ شاركت حركة «ناشا» التي تعد شبيبة حزب «روسيا الموحدة» الحاكم في المسيرات، كما شارك ناشطو الحزب الليبرالي القومي الذي يقوده السياسي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي وممثلون عن أحزاب وحركات أخرى صغيرة. وفرضت أجهزة الأمن تدابير مشددة في موسكو والمدن الكبرى تحسباً لصدامات مع قوقازيين أو هجمات على أماكن تجمع أبناء القوميات الآسيوية عموماً، علماً بأن الشهور الماضية شهدت زيادة التوتر على نحو يعتبر سابقة بعدما وقعت مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين.