نشأ ولي العهد السعودي الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز منذ صغره ذكياً فذاً، عرف بحضور ديناميكي فاعل وكاريزما لافتة، وهو إلى جانب شخصيته الجريئة يتمتع بفعالية روحية تليق بدور السعودية البارز في الشرق الأوسط. شغل منصب أمير منطقة الرياض، تم تولى وزارة المواصلات، وأشرف حينذاك على إنشاء شبكة السكك الحديد في بلاده، وحينما كان وزيراً للزراعة في وقت لاحق باشر مشروع «حرض» الذي صمم لإعادة توطين كثير من قبائل البدو الرحل، وفي عام 1962 عين وزيراً للدفاع، ثم أصبح في مطلع العام نفسه محتفظاً دوماً بمنصبه وزيراً للدفاع والطيران والمفتشية العامة، إضافة إلى رئاسته مجالس عدد من الوزارات والمصالح والهيئات. وكانت مساندته وآراؤه القيمة بالغة الأثر في مساعدة الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز على تحقيق أهدافه في مجالات التقدم والتصنيع والتربية. وإذا كان الأمير سلطان لعب دوراً في تحديث القوات السعودية ورفع مستواها وتطبيق سياسة تنويع مصادر التسليح، بدلاً من الاعتماد على مصدر وحيد في هذا الجانب، فإنه دائماً ما كان يؤكد أن بلاده تنتهج سياسة سلام وصداقة مع دول العالم كافة، وأن أمر تقوية دفاعاتها هو في صميم تنفيذ هذه السياسة، كما يردد دائماً في المناسبات العسكرية التي يرعاها أن «القوة العسكرية هي حقاً قوة من أجل السلام في المنطقة». ولد الأمير سلطان في مدينة الرياض في 5 يناير (كانون الثاني) 1928، ونشأ في كنف والده الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، ولقي عناية والده كغيره من أفراد بيت الملك عبدالعزيز، فتربى تربية صالحة وتعلم القرآن الكريم والعلوم العربية على يد كبار المعلمين والعلماء، ثم واصل تعليمه فكان لهذه التنشئة الدينية أثرها الكبير في أخلاقه وتصرفاته، ومن ثم في حياته العامة وعلاقته مع الناس وإدارته وتسييره أمور الوظائف العديدة التي أسندت إليه، ولقد كان لملازمته والده الملك عبدالعزيز بالغ الأثر في إكسابه الخبرة العملية والحنكة السياسية، كما كان ملازماً لأخيه الملك فيصل بن عبدالعزيز في جميع رحلاته الخاصة والدولية، فكان لهذا أثر واضح في النهج الذي تبناه الأمير سلطان في ممارسة أعباء المهام التي تولاها وحمله المسؤوليات، ومارس العمل العام في مقتبل حياته وكان دائماً في قلب السياسة السعودية داخلياً وخارجياً. ولقد أولى والده الملك عبدالعزيز آل سعود ابنه سلطان ثقته، فعينه أميراً على الرياض في 22 فبراير (شباط) 1947. وأسهم مع والده في إقامة نظام إداري متين مبني على العدالة الاجتماعية وتطبيق شريعة الإسلام، وعند تشكيل أول مجلس وزراء في المملكة عُين الأمير سلطان وزيرا للزراعة في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1953، وكانت أهم المشاريع التي عني بها، حينذاك مشروع «توطين البدو» ومساعدتهم في إقامة مزارع حديثة، وهو مشروع يعد أحد التوجهات الأساسية للدولة في خطواتها التطورية، وفي 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1955، عين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للمواصلات، فأسهم في إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة والاتصالات السلكية واللاسلكية وطريق السكة الحديد بين الرياض والدمام. وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1962، عُيّن الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع والطيران، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن شهدت القوات المسلحة بكامل فروعها البرية والجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي تطورات واسعة، إلى جانب ذلك أشرف الأمير سلطان بن عبد العزيز على تطوير الطيران المدني وترأس مجلس إدارة الخطوط السعودية، ويوليها جل اهتمامه، لكي تكون في مصاف الخطوط الجوية العالمية. وفي 13 يونيو (حزيران) 1982 صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ومن الصعب حصر كل أعمال ومساهمات الأمير سلطان وحضوره اللافت والمميز وكل ذلك يحتاج إلى صفحات، فحياته حافلة بالعطاء. برزت في الأمير سلطان - مذ كان طفلاً - سمات النبوغ والتفوق والحصافة والفصاحة، حتى أصبح رمزاً للشجاعة والكرم وسرعة البديهة. وتشكلت خلال عمره المديد خصال عظيمة لا يستطيع المتابع أن يحصيها، فقد اشتهر عنه منذ صغره وحتى الآن ابتسامته الدائمة وقلبه الكبير الذي حمل حباً للناس وبادلوه المشاعر نفسها، كما تميز الأمير سلطان بحبه للبذل والعطاء ومساعدة المحتاجين ليكون «سلطان الخير» صفة أطلقت عليه وهي إحدى خصاله.