ركّزت لجنة التحكيم في جائزة مان بوكر هذه السنة على قدرة الأعمال المرشحة على جذب القراء، فلبّى هؤلاء وكانت الروايات الست في اللائحة القصيرة أكثرها شعبية في تاريخ الجائزة. تصدّرت « قطرات الثلج» للصحافي الاقتصادي السابق في موسكو أ. د .ميلر قائمة المبيع، وباعت أكثر من ضعفي نسخ القائمة القصيرة العام الماضي بأكملها. تبعتها «معرض وحوش جامراك» لكارول برتش التي أثار اختيارها سخرية النقاد، ثم «الحس بنهاية» لجوليان بارنز، الكاتب الوحيد من العيار الثقيل على اللائحة. عزت «بوكسيلر» زيادة الإقبال إلى زهد ثمن الروايات التي بلغ أعلاها سعراً ثلاثة عشر جنيهاً استرلينياً. ولم يتجاوز مجموع سعر الروايات الست ستاً وستين جنيهاً، بما يقل عن سعر الأعمال في اللائحة القصيرة العام الماضي بست وثلاثين في المئة. احتقر النقاد ستيلا ريمينغتن، الرئيسة السابقة لجهاز الاستخبارات، ورئيسة اللجنة الحكم حين قالت:» نريد أن يشتري الناس هذه الكتب ويطالعوها. لا أن يشتروها وينظروا إليها بإعجاب». كانت ربما إشارة إلى رواية آلان هولنغهرست « ابن الغريب» التي تجاوزت الستمئة صفحة، وشكت من الإيقاع البطيء وإن احتفظت بمستوى أدبي راقٍ. ردّت ريمينغتن على النقاد ليل الثلثاء حين أعلنت فوز جوليان بارنز عن روايته «الحس بنهاية» القصيرة التي رجّح أنها ستحرمه بوكر للمرة الرابعة. امتدحت عمقها وعقدتها غير المباشرة ولغتها الرائعة، وذكرت أنها تتمتع بمزايا الأدب الإنكليزي الكلاسيكي. بعد أكثر من ربع قرن على ترشيحه لأهم الجوائز البريطانية، ها هو بارنز (65 سنة) يستلم شيكاً بقيمة خمسين ألف جنيه استرليني عن مئة وخمسين صفحة. رشّح بارنز لنيل بوكر عن « ببغاء فلوبير» في 1984 و» إنكلترا إنكلترا» في 1998 و» آرثر وجورج» في 2005، وبدا أنه يتمنّع على الجائزة التي تعصاه بقوله إنها لعبة بنغو راقية. أكبر الكتّاب على اللائحة القصيرة عمراً ووزناً موعود بعد الجائزة بزيادة درامية في المبيع وجوائز أخرى عن الكتاب نفسه. «حياة بي» ليان مارتل باعت بعد نيله الجائزة نصف مليون نسخة، و«مسألة فنكلر» لهاورد جاكوبسن، الفائز العام الماضي، ربع مليون نسخة. هي الرواية الحادية عشرة لبارنز، ورجّحت مكاتب المراهنات فوزها منذ الإعلان عن القائمة النهائية الشهر الماضي. وهي أيضاً العمل الثامن الفائز الذي يصدر عن دار جوناثان كيب. يتناول الراوي الستيني في «الحس بنهاية» ماضيه ويعيد بناءه حين يتلقى رسالة من محامٍ تفيده بأن والدة صديقة سابقة أيام الجامعة توفيت وتركت له يوميات زميل دراسة وصديق سابق، ومبلغ خمسمئة جنيه استرليني. ضمّ توني آدريان إلى شلّته حين تسجّل في مدرسته، ولمع ابن السادسة عشرة متفوقاً على الجميع وإن اشترك معهم بالجوع الجنسي ورصد الزميلات المراهقات. أحد الفتيان يتسبّب بحمل رفيقة فينتحر ويترك رسالة لأمه تقول إنه آسف. واعد توني فيرونيكا الثرية التي اتفق مع والدتها لكنه وجد نفسه دائماً موضع احتقار والدها وشقيقها المدعيين. حين تركها صادقت آدريان وتزوجته، وبدت أنها لن تغفر لتوني هجره إياها. لكن آدريان يقطع شرايين يده في الحمام ويصعق رفاقه برحيله في الثانية والعشرين. ظن الجميع أنه قام بفعل وجودي لتأثره بألبير كامو الذي قرأه مذ كان في السادسة عشرة. عارض الكاتب الفرنسي الوضع البشري الفوضوي ببحث الفرد عن شكل ومعنى لحياته، لكنه اختار الاستمرار في العيش على الانتحار لأن الأول هو رد الفعل الأخلاقي الوحيد على عبث الوجود. كان أفراد الشلة أقسموا على الحفاظ على صداقتهم وولاء أحدهم للآخر، لكن توني استسلم لمتاهة الحياة وتشتتها. تزوج وأنجب طفلة، وأحس بالرضا لأن طلاقه كان هادئاً وصلته بابنته غير عدائية. اكتفى بوظيفة روتينية لا تحدّي فيها، والآن فقط يعيد النظر ويحتقر افتقاره إلى الطموح والرغبة في الفعل في ما يجرى حوله. يتصّل بفيرونيكا ليستلم اليوميات ويكتشف سر آدريان، لكن فيرونيكا تقول إنها أحرقتها، وتردّد أنه لم يفهم يوماً ما حدث. يكتشف أن حياته لم تجرِ كما يتذكّرها، وأنها كانت في الواقع مأساة حاصرتها أحداث الأيام العادية.