المملكة تواسي حكومة وشعب كوريا.. القيادة تعزي الرئيس الهندي    بدء أعمال السجل ل (28) حياً بمنطقة مكة المكرمة    إعلان نتائج المسح الاقتصادي في المملكة لعام 2023م    «منشآت» تعزز التوجهات المستقبلية في الشركات الناشئة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددا    ميزة لاكتشاف المحتوى المضلل ب «واتساب»    في نصف نهائي خليجي 26.. الأخضر يواجه عمان.. والكويت تلاقي البحرين    النصر بطلًا لكأس الاتحاد السعودي لقدم الصالات    (مواجهة التأكيد)    هل قمنا بدعمهم حقاً ؟    الإطاحة بشبكتين إجراميتين لتهريب المخدرات.. والقبض على 13 عنصرًا    ابق مشغولاً    مداد من ذهب    هزل في الجِد    رحلات مباركة    التأكد من انتفاء الحمل    زهرة «سباديكس» برائحة السمك المتعفن    وصول التوأم الملتصق السوري «سيلين وإيلين» إلى الرياض    نائب أمير مكة يطلع على أبرز المشاريع المنجزة بمحافظات المنطقة    قوافل مساعدات سعودية جديدة تصل إلى غزة    «الشورى»: الموافقة على مشروع تعديل نظام إنتاج المواد التعليمية وتسويقها    لغير أغراض التحميل والتنزيل.. منع مركبات توصيل الأسطوانات من التوقف في المناطق السكنية    نائب أمير تبوك يقلد مساعد مدير السجون بالمنطقة رتبته الجديدة    الجوال يتصدّر مسببات حوادث المرور في الباحة    «العالم الإسلامي»: ندين بأشد العبارات اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى    سورية تتطلع لعلاقات "استراتيجية" مع أوكرانيا    مُحافظ جدة يُكرّم عدداً من ضباط وأفراد مكافحة المخدرات    2024.. إنجازات سعودية    مركز مشاريع البنية التحتية بمنطقة الرياض يعلن تفعيل أعماله في 19 محافظة و47 بلدية    «الصفراء» حرمتهم.. والمدرج مكانهم    الصبحي والحمدان.. من يخطف لقب الهداف ؟    القهوة والشوكولاتة.. كماليات الشتاء والمزاج    5 فوائد للشاي الأخضر مع الليمون    وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    مجلس إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون يعقد اجتماعه الرابع لعام 2024    تركي آل الشيخ يعلن عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    استعراض مؤشرات أداء الإعلام أمام الوزير    11 ألف مستفيد من برامج التواصل الحضاري بالشرقية    القيادة تعزي في وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    أمير الشرقية يشدد على رفع الوعي المروري    مغادرة ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الأخضر يختتم استعداداته لمواجهة عُمان في نصف نهائي خليجي 26    الهلال يكسب ودّية الفيحاء بثنائية "نيمار ومالكوم"    "الشورى" يوافق على تعديل نظام إنتاج المواد التعليمية وتسويقها    ولي العهد يعزي تشوي سانج في ضحايا حادث الطائرة    «مجلس التخصصات الصحية» يعتمد استراتيجية العام المقبل    حتى لا نخسر الإعلاميين الموهوبين!    هل تفجّر أوابك ثورة إصلاح وتحديث المنظمات العربية    مبادرة «عدادي»    بينهم عدوية والحلفاوي والسعدني.. رموز فنية مصرية رحلت في 2024    كلام البليهي !    التغيير العنيف لأنظمة الحكم غير المستقرة    خبراء أمميون يطالبون بمعاقبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة    الجوازات: صلاحية جواز السفر للمواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج 3 أشهر للدول العربية و6 أشهر لبقية الدول    الإحصاء تُعلن نتائج المسح الاقتصادي الشامل في المملكة لعام 2023م    وزيرا «الإسلامية» و«التعليم» يدشّنان برنامج زمالة الوسطية والاعتدال لطلاب المنح الدراسية    التعصب في الشللية: أعلى هرم التعصب    نائب أمير منطقة مكة يترأس اجتماعًا لمتابعة مشاريع التنمية للمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العجلان: الثروة النفطية أعطت سلطة للمبالغة في عزل المرأة اجتماعياً !
نشر في الحياة يوم 18 - 10 - 2011

الخليج وإن تعددت دوله، إلا أنه يظل يحتفظ بخيوط تنسج بناءه الاجتماعي والثقافي، ومن يرصد متغيرات الخليج دولاً ومجتمعات سيجد أن النفط فصل بين مرحلتين فيها، مرحلة التشرذم ولمّ الشتات، ومرحلة البناء والقوة الإقليمية، الدكتور حامد العجلان اقتصادي كويتي يصر على أن النفط قتل كثيراً من الإبداع والتميز في حياتنا، وجعلنا محط أطماع الكثيرين، ويرى أننا لم نجد التعامل معه كما يجب، ويبيّن ضيفنا علاقة الثروة مع بعض التيارات في مجتمعاتنا، ومدى انسجامهما لتحقيق بعض الأهداف السياسية. ضيفنا في حواره لا بد أن يمر على الطائفية والقبلية في مجتمعاتنا، ويشتكي من قلة الوعي السياسي للأفراد، وذلك وفق توجه حكومي لا يسمح بالتعددية السياسية في المنطقة. ويملك العجلان رؤية لا تعجب الكثير حول آليات التعامل مع الربا في مجتمعاتنا، وحرماننا من فرص العيش الرغيد، بسبب نصوص لم نحسن تفسيرها، وجعلنا منها قيوداً تحد من انطلاقتنا كثيراً... فإلى تفاصيل الحوار:
في بعض مقالاتك تتحدث عن مدن زرتها أو عشت فيها فترة من الزمن، أي المدن لا تغيب عن الذاكرة؟ ولماذا؟
- أنا من النوع الذي يُكَوِن علاقة عاطفية مع الأشياء في المدن التي عشت فيها، أقصد بذلك مع الشوارع والساحات والزوايا والمطاعم والمقاهي والمباني، ولعل أهم المدن التي تبقى في الذاكرة هي المدن التي عشت فيها مدة أطول، مثل الزبير والبصرة والكويت وبيروت ومدينة آن أربر في ولاية مشيغان. كما أخذني عملي إلى مدن كثيرة مثل أمستردام وهامبورغ وميونيخ لكن فترة الدراسة في بيروت وآن أربر تشحن الذاكرة بتجارب وتثير عواطف خاصة، ويرجع ذلك لأن الفترة العمرية التي قضيتها في هاتين المدينتين هي فترة التجريب والمغامرة، فحياة سنوات الدراسة الجامعية في هاتين المدينتين لها تأثير أكبر على الذاكرة.
كيف لنا أن نعيش من دون سطوة السياسة على تفاصيل حياتنا؟
- أعتقد أن هذا السؤال عميق جداً. وبحسب ما فهمته فإنك تسألين كيف نهتم بالسياسة من دون أن نجعلها تطغى على حياتنا، وأعتقد أن الاهتمام بالسياسة في الوطن العربي يصل أحياناً إلى تسطيح السياسة وإفقار الحياة الثقافية. وأعتقد أنه لكي يتمرد الفرد من طغيان السياسة، يتطلب ذلك أن يغني عقله وعواطفه بما ينافس طغيان السياسة. أن يكون له اهتمام بالفن من موسيقى وسينما، أن يهتم بالرياضة ممارسة، وليس مجرد مشاهدة، أن يقرأ، وأن يغني ذاته، وأن يستمتع بالصداقات، وأن يستمتع بوحدته، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يقضي بعض الساعات مع نفسه، لا يستطيع أن يستمتع مع غيره.
المجتمع الخليجي
كيف ترى تسارع وتيرة التغيير في المجتمع الخليجي؟ هل هي تشبه حقبة الستينات؟ أم أنها اتخذت لها مساراً آخر؟
- أعتقد أنها أكثر من فترة الستينات، خصوصاً أن فترة الستينات شهدت تغييراً في بعض دول الخليج مثل الكويت، ولكن التغيير لم يكن شاملاً. كما أنني لا أعتقد أن التغيير في دول الخليج يحدث بعزلة عن ذلك التغيير الحادث في العالم العربي، فتأثيرات الربيع العربي ستكون كبيرة علينا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، اقتصادياتنا لا تدار بكفاءة أكثر من الدول العربية الأخرى، لكن ثرواتنا أكثر، لذلك فإن مشكلاتنا الاقتصادية هي أقل حدة من تلك التي تأتي منها دول مثل اليمن ومصر وتونس وسورية، التغيير عملية مستمرة تزيد وتيرتها أحياناً وتقل أحياناً أخرى. وكما ذكرت سابقاً فإن ارتفاع أسعار النفط يقلل من وتيرة التغيير، لأنه يعطي الحكومات هامشاً لترضية الشعوب، لكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا.
مشكلات الفقر في المجتمعات الخليجية، لماذا لا تناقشها بشفافية؟ هل هي أمر مخز؟
- أولاً، لا بد من التمييز بين دول وأخرى. فمشكلات الفقر في الكويت هي ليست تلك في السعودية، ويمكن التصريح بأنه لا توجد مشكلات فقر في الكويت بين الكويتيين، وإن كانت هناك مشكلات في السعودية، فيرجع ذلك إلى أسباب عدة منها سعة المملكة وامتداد أطرافها.
ولا شك في أن الحديث عن مشكلات الفقر يحرج الحكومات ويصدمها بسوء إدارتها للدولة. فالفقر ناتج من سوء إدارة وغياب سياسات عادلة وضعف تطبيق قوانين، لذلك فهو يحرج الحكومات، لأنه يكشف سوء إدارتها.
كيف لدول الثروة أن تنتج ثورة في المفاهيم؟
- الثورة تعطي فرصة لتغيير المفاهيم، وقد تنتج ثروة لكن يبقى ذلك احتمالاً، وإن كان يمكن أن تنتج ثورة، فإن الجواب يبقى في مهب الريح وفقاً لما يراه المغني الشهير بوب ديلان.
وأعتقد أنه في كثير من المفاهيم والقيم تجمدت وأصبحت احفورات مقدسة بسبب الثروة، ويرجع ذلك إلى أن حصولنا على الثروة جاء صدفة، فعادة ما يكون التغيير في المفاهيم العملية الرئيسية التي تولد الثروة، لكن مجتمعاتنا عكست المعادلة، استخدمت الثروة لتجميد المفاهيم. ما حصل عندنا هو إلى حد كبير عكس ما حصل في أوروبا، حينما خضعت هذه المنطقة وعلى مدى ثلاثة قرون إلى ثورة في المفاهيم، ما أدى إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وبالتالي إلى تكوين ثروة.
ولكي تنتج ثورة في المفاهيم نحتاج إلى أن نثور على أنفسنا، أن نعيد تقويم عاداتنا وقيمنا ومسلماتنا، يحدث هذا أحيانا ًبيننا وبين أنفسنا، لكننا نخشى أن نبوح به، وأن نحوله إلى عمل جماعي.
النفط والسواد
لماذا قاد النفط شبابنا إلى عنف لا يختلف في لونه عن الذهب الأسود؟
- هذا متعلق بالسؤال السابق. لقد حصل هذا لأن الثروة المادية لم تصاحبها ثورة في المفاهيم. لقد صدم الشباب بالتغيرات المادية، ولم تستطع القيادة السياسية أن تزيد من مجال الحريات لبناء مفاهيم وتطوير قيم جديدة تتناسب مع التغيرات المادية، فشبابنا ذكوراً وإناثاً معزولون عن التاريخ الإنساني، لا نطلع عليه ولا نحترم ثقافات وتجارب الآخرين، وإلى حد كبير نعتقد أن تخلفنا ميزة، نكافح لكي نحافظ عليه، فهذا العنف ما هو إلا مظهر لأمراض اجتماعية، وفي هذا المجال، يحضرني قول عالم الاجتماع الايطالي جرامشي: «الماضي يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد بعد، وفي ظل هذا الفاصل تظهر أمراض عدة ومتنوعة».
ما العلاقة المثلى بين المجتمع والسياسة؟ ولماذا تخيف البعض فكرة المجتمع المدني؟
- عندما يرتقي المجتمع، تزداد ممارسة المجتمع للسياسة عن طريق إيصال ممثليه للمجالس التشريعية، وعندما يتحول المجتمع إلى مجتمع مدني، تزداد كفاءة اختيار هؤلاء الممثلين، إذ إن دوراً أكبر للنقابات والاتحادات يعزز الوعي ويحضر لانتخابات ممثلي الشعب. فالانتخابات داخل النقابات والاتحادات تزيد الوعي السياسي، وترفع سقف المطالب الشعبية.
أما عن خوف البعض من فكرة المجتمع المدني، فيرجع ذلك إلى خوفهم من انتشار الوعي السياسي الذي سيكون ضاغطاً لتحقيق المشاركة في اتخاذ القرار السياسي.
هل تستحق الديموقراطية الخليجية براءة اختراع لأنها ديموقراطية «الشيوخ أبخص»؟
- أعتقد أنه حتى في الدولة الخليجية التي ليست فيها مجالس تشريعية منتخبة، لم تعد مقولة «الشيوخ أبخص» سائدة، فحتى في هذه الدول، هناك محاولات جريئة للمشاركة في القرار السياسي عن طريق الصحافة والفضائيات والشبكات الاجتماعية، لذا أصبح الشيوخ مدركين لضرورة زيادة مساحة الحرية، فمطاردة أصحاب الآراء الجريئة أصبحت صعبة، لذا اقتصرت على مطاردة الأكثر جرأة فقط.
نحن شعوب مغلوبة على أمرها، ذهبنا لكل الأفكار، فبالأمس اليسار والقومية، واليوم الأصولية والحركات الدينية، ولكننا ما زلنا نبحث عن الطريق... لماذا؟
- لا يمكن شراء الوعي السياسي، ولا يمكن القفز على حركة التاريخ. وعلى ما أذكر، فإن هيجل يقول إنه ما التاريخ إلا تاريخ تطور الوعي الإنساني، إلا أنه لا بد أن نعترف أن دخولنا إلى التاريخ الحديث جاء متأخراً مقارنة بالشعوب الأوربية مثلاً. فقد مضت خمسة قرون على اختراع الطباعة والتي لم تدخل إلى أكثر مجتمعاتنا وعياً إلا منذ قرنين.
كما أن الوعي السياسي يعكس حركة المجتمع في فترة ما، هذا يعني أنه يعكس طريقة معيشته بما في ذلك نوعية وسائل إنتاجه وطرق بلوغه لأهدافه الاقتصادية، وقد صاحب حركة التغيير في وسائل الإنتاج في أوروبا، زخماً من التغيرات والتطورات في العلوم والأفكار في الاقتصاد والسياسة، بل إن الشعوب الأوروبية عانت ما لم تعانه من الحروب بين الطوائف والدول، فقد دفعت هذه الشعوب ضريبة غالية لكي تصل إلى هذه الدرجة من الوعي، ولعله من المناسب أن نشير إلى أن أوروبا فقدت ثلث سكانها في الحروب الطائفية من القرن السابع عشر. فالبحث عن المسار الأمثل لإدارة المجتمعات يحتاج لفترة من تاريخها للوصول إليه.
لدينا ثروة نفطية هائلة، هل وجهنا جزءاً منها لاستثمار الإنسان الخليجي في وطنه؟
- إن أكثر من جزء استثمر في تنمية الإنسان. فالكثير من الثروات استثمرت في البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس، وكلها تصب في النهاية في تنمية الإنسان، لكن لا شك أن هناك فرصاً فائضة في برنامج التنمية هذا، فالاستثمار هو أوضح في المباني أكثر منه في الإنسان، فهناك أخطاء ترجع إلى ضعف إستراتيجية التنمية، ماذا يريد الإنسان أن يكون؟ وكيف سيكون منتجاً عندما تضمحل الثروة النفطية؟
المشكلة أنه كلما ظهرت بوادر لتحسين كفاءة التنمية، تراجعت بعد تحسن أسعار النفط، فالوفرة تدفع بالتنمية من ناحية، وتشدها إلى الوراء من ناحية أخرى.
متى في رأيك ستنتهي سيطرة العمالة الوافدة في سوق العمل بالخليج؟
- في ظل هذه الثروة، وعدم وجود حد أدنى للأجور، لا يمكن أن تحل العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، فنحن إضافة إلى الثروة، محاطون بدول عربية وآسيوية فقيرة توفر العمالة بأجر زهيد، ولا أظن أنه سيحصل تحول جذري في سوق العمالة دون ضغوطات اجتماعية واقتصادية ناتجة من اضمحلال الثروة نفسها، ويبدو أن الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية هي أوضح في السعودية، لذا فإن الإحلال في هذه البلدان أكثر ضرورة، وشهد نجاحات لم تشهد في الكويت والإمارات مثلاً.
تعتبر التجربة الديموقراطية الكويتية من أقدم وأهم التجارب في المنطقة، لكننا نرى أن هناك عراكاً بالأيدي داخل مجلس النواب، هل ديموقراطيتنا زائفة؟
- لو أردنا توجيه النقد للتجربة الديموقراطية في الكويت، لاخترنا مثالب أهم بكثير من العراك بالأيدي في المجلس، فقد أصبح معلوماً أن الديموقراطية في الكويت هي أعمق بكثير من ذلك العراك الذي شاهدناه في المجلس، فالمجتمع الكويتي حديث نسبياً وإن كان قد حقق تقدماً نسبياً كبيراً في ممارسة العمل السياسي، فعلينا ألا ننسى أن تجربته فريدة نسبياً، فالقوى العاملة الأجنبية تشكل ما يزيد على 80 في المئة من القوى العاملة، والنسبة الأكبر من ال 20 في المئة الباقية تتشكل من مواطنين، يتسلمون رواتب دون عمل، يصرفون الوقت الكثير في قراءة صحف تعمل على تشكيل وعي زائف يدفع إلى تأجيج العواطف القبلية والطائفية.
هناك انتخابات في الكويت، لكن اكتمال التجربة الديموقراطية يتطلب وعياً لا يمكن تحقيقه بسهولة، ولا أعتقد أنه يمكن تحقيقه دون تغيرات جذرية في المنطقة المحيطة بالكويت، فنحن نتأثر ونؤثر، لكن الأول أكبر من الثاني.
بين نموذجي الوحدة الأوروبية والوحدة الخليجية، أين يسكن المجتمع؟
- المجتمع صنع الوحدة الأوروبية، أما في الثانية فإن المجتمع مغيب، فالوحدة الخليجية تحالف صنعته الحكومات في أوائل الثمانينات لدرء مخاطر الحرب الإيرانية العراقية. أوروبا كانت رائدة في نقل وتطوير الوعي الإنساني على مدى القرون الخمسة الماضية، أوروبا دخلت التاريخ عن طريق إنتاجيتها وتعليمها واختراعاتها وفكرها السياسي والاجتماعي، ومن المؤسف أن نقول إننا دخلنا التاريخ بشكل ملحوظ عن طريق النفط.
لأيهما تصفق: وصول الناجحين بالتعيين أم فوز المتنفذين بالانتخاب؟
- بالطبع لفوز المتنفذين بالانتخاب، فعملية الانتخابات هي نفسها عملية تزيد من الوعي السياسي والاجتماعي، وأنا شخصياً أفضل ما يصل عن طريق الانتخاب على صاحب المؤهل العلمي العالي الذي يصل بالتعيين، فالأول سيرضي قاعدته الانتخابية ولا عيب في ذلك، أما الثاني فسيرضي من عينه، الأول سيسهم في سن القوانين، أما الثاني فسيتحدث إلى نفسه ويزيف العملية الديموقراطية.
الصراعات والموجات
ألا يسبب عدم وجود ثقافة ديموقراطية لأفراد المجتمع نشوء صراعات ومواجهات نحن في غنى عنها؟
- لا يوجد تطور في الوعي الاجتماعي دون وجود صراعات، بل إن العملية الديموقراطية هي وسيلة لتوجيه هذه الصراعات وتحويلها إلى طاقة تعمل على توعية أفراد المجتمع، الصراعات موجودة بين الفرد ونفسه والآخرين، وموجودة في العائلة والمجتمع الواحد، المهم أن توجه لتحسم بطريقة سلمية، ومن وجود هذه الصراعات نتعلم ما هي حقوقنا، وحقوق الآخرين.
الصراع بين مراكز القوى التقليدية والأفكار الحديثة هو ديدن أو سنة المجتمعات، ما السبل اللازمة لتحجيم هذه الصراعات؟
- أعتقد أن السؤال بطريقة أخرى، هو كيف يتجاوز التغيير الاجتماعي مقاومة القوى التقليدية، وفي هذا المجال، أود أن أشير إلى أنه لا تغيير دون مقاومة، بمعنى أن التغيير الذي لا يواجه مقاومة لا يعتبر تغييراً، وهكذا كان التغيير عبر التاريخ. فلنتخيل مثلاً أن أهل مكة أو قريش آمنوا بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منذ البداية، ولا توجد هجرة سواء إلى الحبشة أو يثرب، ماذا كان سيكون مصير الإسلام؟ وكيف سيكون شكله من دون هذه المقاومة أو الحروب التي اضطر المسلمون لخوضها؟
المقاومة تصنع وتتأثر بالأفكار التي تقاومها، فالفكر الأصيل لا بد وأن يجد ثغرات في الفكر القديم متمكناً من اختراقها والانتصار في النهاية، لكن في منطقتنا، فقد ظهر عامل جديد على التاريخ الإنساني، ذلك هو النفط، فهو من ناحية يوفر الثروة، مقنعاً المجتمع بأن الله قد حباهم بهذه الثروة، وعسى الله ألا يغير عليهم، فقد توافرت لديهم الوسائل المادية دون حاجة لمراجعة الأفكار، ومن ناحية أخرى، فإن التعليم والسفر الذي توفر من نتاج هذه الثروة، يبذر بذور هذا التغيير المطلوب، فالثروة تساعد في التغيير، كما تساعد في مقاومة التغيير، والمشكلة أن مقاومة التغيير تزيد من ظلامية المجتمع وتؤدي لتعاسته، وكأن المجتمع ينتقم من نفسه، وفي هذا المجال، يحضرني قول الفيلسوف وعالم الاجتماع المعاصر- هربت ماركوزة: «أن الناس وفي جهودهم لإدامة عاداتهم وتقاليدهم، يعملون على إدامة ضجرهم وإحباطاتهم».
مناهج التربية الوطنية في مدارسنا فشلت في تعزيز الوطنية بعكس الأغاني والمناسبات الرياضية؟
- لأنها مناهج تدعو إلى الوطنية بصورة مباشرة، المناهج الناجحة هي تلك التي تعزز الوطنية دون أن تعلم التلميذ أنها تقصد تعزيز الوطنية، حيث إن تعزيز الوحدة الوطنية يتحقق عن طريق الأدب والفن ودراسة التاريخ أكثر منه من خلال منهج تربية وطنية.
لماذا لا تقدم مؤسساتنا التعليمية الثقافة السياسية والمشاركة الشعبية في مناهجها التعليمية؟
- إن معظم الأنظمة الخليجية هي ضد المشاركة السياسية، فكيف نتوقع منها أن تقدمها في مناهجها، بل إن عدم تقديمها يجعلها أكثر انسجاماً مع نفسها، لكن كم كنت أتمنى أن يكون هذا المثلب الوحيد في مناهجنا التعليمية.
قضية «البدون» متأصلة وتعيشها أكثر دول الخليج، هل هي خارج اختصاص مجلس التعاون الخليجي؟
- مجتمعات دول الخليج كما هي المجتمعات في دول العالم تكونت من هجرات من مناطق أكثر فقراً وأقل استقراراً سياسياً إلى مناطق أقل فقراً وأكثر استقراراً سياسياً، لكن في مناطقنا كذلك أصبحت المواطنة الظفر بامتيازات مادية، دون دفع ضرائب في مقابل هذه الامتيازات، فشجعت بذلك الهجرة، لذلك فإنه يمكن اعتبار مشكلة «البدون» أنها إصرار من المهاجرين الأوائل على عدم مشاركة مهاجري الدفعات المتأخرة في الثروة.
وأنا أعرف عن معاناة «البدون» في الكويت أكثر من مناطق أخرى، فلدينا ثلاثة أجيال متتالية مولودة في الكويت ليست لديها هوية مواطنة، وهي تعاني من الحرمان والفقر والاضطهاد الاجتماعي والنفسي، ومشكلة البدون تعكس إلى حد كبير عدم ثقة المجتمع بنفسه، فهناك خوف من أن يكون منح المواطنة لهؤلاء «البدون» يعمل على تقليل الامتيازات الممنوحة للمواطنين، هناك تغييب كبير للعامل الإنساني في معالجة هذه المشكلة.
هل تؤمن بأن قياس تطور المجتمع يكمن في مدى حضور المرأة فيه؟
- أعتقد أن مجتمعاتنا خصوصاً في السعودية، تعاني من إرهاب عصبي يدفعها إلى عزل المرأة. وفي هذا المجال، أود أن أشير إلى أن الثروة النفطية قد ساعدت وأعطت سلطة للمبالغة في هذا العزل، فمن دون هذه الثروة، ما كان ممكناً أن ينفذ هذا العزل بهذه الصرامة، فالثروة وفرت المباني والأدوات والتكنولوجيا لتنفيذ هذا العزل، ويمكن أن تؤلف العديد من الكتب التي تبحث في أدغال أدمغة هؤلاء الرجال الذين يمارسون العزل الاجتماعي للمرأة ويفخر بذلك، فلا شك أن العزل لم يكن بهذه الكفاءة قبل الثروة النفطية. أود أن أعطي مثالاً بسيطاً على ذلك، فإنه كان عند طرق الباب تفتحه المرأة مشاهدة الرجل ومتحدثة إليه، أما الآن، فيفتح في كثير من البيوت بفتحة زر، كما أن التكنولوجيا استخدمت لإدامة التخلف فمن دون الدوائر التلفزيونية المغلقة في الجامعات، لما اضطرت إدارة الجامعات في السعودية إلى أن توافق على حضور الأستاذ مع البنات في الفصل. أعتقد بأن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تضطهد نفسها بخوفها من حرية المرأة، وهي عملية تبدد فيها الطاقات العقلية والمادية. وهي في معظم الأحوال تعكس عدم ثقة الرجل بنفسه، مخفياً هذا الوجل بادعاءات مثل المحافظة على المرأة، ولا يمكن لمجتمع أن يحقق تقدماً، يبدد هذه الطاقات في عزل المرأة، فحضور المرأة من أهم مقاييس تطور المجتمعات.
الاقتصاد الإسلامي .. كذبة
يبدو أن لديك رؤية مختلفة لما يطلق عليه بالاقتصاد والإسلامي؟
- إن تسمية الاقتصاد الإسلامي هي حديثة نسبياً، فلم يتحدث مثلاً أعلام النهضة العربية مثل: محمد عبده وجمال الدين الأفغاني عن اقتصاد إسلامي ولا عن بنوك إسلامية، حتى أن طلعت حرب والذي أسس بنك مصر في العشرينات من القرن الماضي لم يخطر بباله لا اقتصاد ولا تمويل إسلامي مع أنه كان على علاقة جيدة بحسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين.
هذا ويمكن اعتبار كتاب «اقتصادنا» الذي نشره محمد باقر الصدر في العراق في الستينات من القرن الماضي أول دعوة لتطوير مفهوم الاقتصاد الإسلامي. والصدر لم يدع بوجود اقتصاد إسلامي في كتابه، وإنما إلى مذهب اقتصادي إسلامي قد يتطور بالتجربة التاريخية إلى اقتصاد إسلامي. لكن الصدر ومع صدقه وإخلاصه في دعوته لم يكن على معرفة كافية بظروف ونشأة علم الاقتصاد على مدى القرون الثلاثة الأخيرة .
لذا، فدعوته هي إيمانية أكثر منها علمية، وهي نابعة من خوفه من تحول العراق إلى النظام الماركسي، فكتابه كان محاولة لصد النفوذ والفكر الشيوعي الذي كان منتشراً في العراق آنذاك، هذا كما أن معظم المؤلفات حول الاقتصاد الإسلامي التي ظهرت بعد كتاب الصدر، كان لها أغراض سياسية أكثر منها علمية، لذلك كانت بمستوى متواضع ولم تكن مقنعة حتى لمن يتمنى نشأة اقتصاد إسلامي.
ما الأسباب التي أدت إلى نجاح البنوك الإسلامية؟
- لقد تآزرت عوامل سياسية واقتصادية في نجاح التمويل الإسلامي، فمنذ هزيمة العرب عام 1967 ازدهر الفكر السياسي الإسلامي ليكون بديلاً عن الفكر القومي مكوناً ما نطلق عليه اليوم بالصحوة الإسلامية والتي عززتها الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. أما من الناحية الاقتصادية فقد توافرت ثروة نقدية هائلة منذ منتصف السبعينات نتيجة لتضاعف أسعار النفط، فكان لا بد أن تظهر أفكار تستفيد اقتصادياً من هذا التآزر بين الصحوة الإسلامية والثورة النفطية، مستغلة العواطف الدينية لتحقيق أهدافها المالية، لذلك كان تأسيس البنوك الإسلامية في منتصف السبعينات وتوسعها في آخر الثمانينات كأكثر الاستثمارات نجاحاً واعتمدت في نجاحها بشكل رئيسي على أداة مالية مطابقة تقريباً للفائدة المصرفية، أسمتها المرابحة.
الحرام هو الضرر الناتج من القرض الربوي ... وعندما ينتفي الضرر ترفع الحرمة
المؤهلات العلمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.