كان «المهرجان الدولي للشريط المرسوم في الجزائر» (فيبدا) مناسبة لمن أراد لقاء «باتمان» و «سبايدرمان» أو زملائهما من أبطال الرسوم «سوبر هيروز». وحضرت الرسوم البلجيكية والفرنسية والسويسرية والأفريقية بقوة في المهرجان، لتبيان دورها في نشر ثقافة السلام في القارة السمراء. وإذا كانت الجزائر لا تزال بعيدة من صناعة الكرتون والرسوم التي تدرّ على دول مثل بلجيكا وسويسرا وفرنسا، مثلاً، ثلاثة بلايين يورو سنوياً، فإن مسافة الألف ميل الجزائرية تبدأ بخطوة، إذ عرفت البلاد الفن التاسع منذ سنوات طويلة، ولديها رساموها ومجلاتها المعروفة. لكن المشاكل السياسية والأمنية التي مرت بها البلاد في تسعينات القرن الماضي حالت دون تطوّر رسوم القصص المصورة كفن، فلم تترسّخ ثقافته في المجتمع. أقيمت الدورة الرابعة من المهرجان تحت عنوان «الجزائر، فقاعات بلا حدود»، وهو مستوحى من موضوعها الرئيس المتعلق بثقافة السلم في العالم. وفتح المهرجان نقاشاً واسعاً بين الفنانين المشاركين والجمهور حول السلم من خلال الشريط المرسوم. وتحدث الباحث الكونغولي هيلير مبيي، المتخصص في الإعلام، عن التأثير الإيديولوجي للشريط المرسوم في نشر ثقافة السلم في أفريقيا، وذلك من خلال عرض ألبومات لرسوم أفريقية وتحليلها. واعتبر ان الرسوم التي تحرك رسالة سلام من خلال النص والرسم هي «إعلام كامل مستقل بذاته يربي ويمتع». ويتطابق هذا الوصف مع تعريفه ل «السلام»، إذ رأى أنه «إذا كان مفهومه السلبي يعني انعدام الصراع، فإن مفهومه الإيجابي يعني كل التصرفات السلمية التي تهدف إلى إنشاء ثقافة الثقة بين الشعوب لتجنب اللغة العنيفة للسلاح (...). إنها ليست فكرة مجردة، بل نشاط ملموس للتربية الجماعية»، بحسب تعبيره. ونظمت محاضرات وطاولات مستديرة حول مواضيع مختلفة تتعلق بالرسوم، مثل الرسوم الجديدة ورسوم «مارفيل» الأميركية... وعبقرية الفن التاسع. واستمتع الزوار بعروض متنوعة للرسوم ومعارض بمشاركة أوروبية وأفريقية وأميركية، فيما خُصص رواق للرسوم الجزائرية وفنانيها، ما أتاح للجمهور الاحتكاك بالفنانين الجزائريين والتعرف إليهم. والتقى في المهرجان محترفو الشريط المرسوم العالميون والرسامون الهواة والجمهور المحب لهذا اللون من الفنون، كما أقيمت ورشات لتعليم الراغبين تقنيات الرسوم. وأعلنت إدارة المهرجان عقب الافتتاح، أسماء الفائزين في مسابقة «أحسن لوحة رسوم» بحسب الفئات التالية: مواهب شابة، آمال مدرسية، محترفون. ومنح الفائزون الثلاثة عن كل فئة جوائز تراوح بين 80 ألف دينار (800 يورو) و200 ألف دينار (2000 يورو). وتمكن عشاق «الكوميكس» من الاقتراب من بول غرافيت، أسطورة الرسوم البريطانية الحية وصاحب «1001 من كتب رسوم يجب أن تقرأها قبل أن تموت»، علماً أن بريطانيا كانت ضيفة الشرف هذه السنة. كما تعرّفوا إلى الفنان الفرنسي الشهير فرانسيس غرو (77 سنة)، مؤسس مهرجان «أنغولام» في فرنسا، والذي نال جائزة الاعتراف في المهرجان، فيما منحت جائزة «الإرث» للفنان الجزائري ابراهيم قروي الذي اغتاله الإرهاب العام 1994. أما الجائزة الشرفية للمهرجان فمنحت هذه السنة لعبد الحفيظ عيدر، تكريماً له على وفائه لهذا الفن. وعرضت ألبومات وكتب رسوم من الدول المشاركة، لكن أسعارها كانت مرتفعة جداً بالنسبة إلى مستوى المعيشة في الجزائر، إذ تراوح ثمن الواحد منها بين 20 و80 يورو، أي بين 10 و40 في المئة من متوسط الدخل الفردي الشهري.