على رغم أن مجلة «البندير» الجزائرية لم تتجاوز الثانية من عمرها، فإن المجلة المتخصصة في القصص المصورة، أو كما يطلق عليها في الجزائر تسمية فرنسية مختصرة (بي- دي)، تبشّر بازدهار هذا النوع من الصحافة في البلاد التي كانت تعرف سابقاً تجارب صحافية شبيهة، مثل مجلات «المنشار» و «مسمار جحا» و «البارود»... والتي توقفت عن الصدور لأسباب مالية. تعد «البندير» اليوم المجلة الوحيدة التي تعنى بالفن التاسع في الجزائر، أما لغة رسومها فموزعة بين الفرنسية والعربية. وكانت واجهت مشاكل إدارية ومالية عند انطلاقها في العام 2010، ما أدى إلى منعها من الذهاب أبعد من العدد «صفران». تعني كلمة «بندير» الدف، وهي آلة موسيقية إيقاعية شائعة الاستعمال في الحفلات ذات الطابع الفولكلوري والغناء الصوفي في الجزائر والمغرب العربي. واختير هذا الاسم لأنه أُريدَ للمجلة أن تحدث ضجة حولها، فيتنبه الناس إلى قراءتها بموضوعاتها الثرية والمختلفة. ويطمح القائمون عليها إلى أن تتردد إيقاعاتها في عقول قرائها، كما يوضح لو إيك، أحد رسامي الكاريكاتور المشاهير في الصحافة الجزائرية وهو رسام صحيفة «لوسوار دالجيري». ونظرياً، وُلدت «البندير» مقرونة بأسباب نجاحها، بسبب تعلق جمهور عريض من الجزائريين بفن القصص المصوّرة وما يمثله من مساحات شاسعة للتعبير الحر والضحك طوال مدة تصفح المجلة على ما يُبكي كل العام، فضلاً عن عدم توافر مجلة مماثلة في سوق المطبوعات الجزائرية، بعد اضمحلال كثير من أخواتها اللواتي ازدهرن في عهد الانفتاح. ويعترف المشرفون على المجلة بأن إطلاقها والحرص على استمرارها «مغامرة لا بد منها». وكانت تقررت إعادة إطلاق المجلة بعد اختتام الدورة الثانية للمهرجان الدولي للرسوم في الجزائر (2010) عندما أعلنت محافظة المهرجان حينها دليلة ناجم، مديرة نشر «البندير» بعد ذلك ومديرة دار نشرها «داليمان»، برفقة عدد من الرسامين المشاهير (مثل لو إيك وسْليم)، العزم على إعادة المجلة إلى الأكشاك. وهكذا عادت المجلة أخف وزناً وأصغر حجماً «لأسباب مالية»، بحسب مديرة نشرها. وجاء في افتتاحية «البندير» أنها «صدرت رشيقة وأكثر انتعاشاً، تقدم أحسن ما ينتجه الرسامون في الجزائر، سواء في النمط الكلاسيكي أم المعاصر، وكل ذلك بالنسبة إلينا البداية». ويشارك في المجلة عدد كبير من الرسامين الجزائريين المعروفين والجدد، مثل: سليم وهارون وريد وان ودحماني وتوغي وجيبس وأندلو وإسلام والادين وأيدر وملوح ونيم ونون ولو إيك... الذين يقدمون مواضيع مختلفة تعالج السياسة المحلية والدولية والحياة الاجتماعية للجزائريين في شكل ساخر. فيضحك القارئ من مواضيع متعبة واقعياً، مثل حالات حرق النفس التي انتشرت بين الشباب اليائس، والهجرة غير الشرعية (أو «الحرقة» كما تسمى في الجزائر)، إذ ينجح «مقيدش» بطل رسوم هارون المعروفة في إنقاذ شباب «حراقة» من الموت المحقق. ويقدم أيدر أيضاً موضوعاً مسلسلاً عن «الحرقة» في ألبوم «مغامرات سندباد الحراق» وموضوعاً آخر عن الجزائر في عهد الأتراك وقعه سليم، وغيرها من المواضيع التي تتخللها ريبورتاجات وحوارات وأخبار عن مستجدات الفن التاسع في العالم، فضلاً عن مساحة مخصصة للرسامين الأجانب. ويشرح أحد أعضاء هيئة تحرير المجلة أن فلسفة فريق التحرير تقوم على أن «البندير وُلدت لإحداث ضجة، سواء داخل الجزائر أو خارجها، ما يفسّر إفساح المجلة مجالاً لأقلام أجنبية حتى يبقى جسر التواصل ممتداً ويتعرف جمهور الرسوم في الجزائر على فنانين من دول أخرى». «البندير» مجلة لا بد منها لحماية هامش الحرية المتبقي في الجزائر، كما يرى كثيرون، وذلك من خلال القدرة على انتقاد الواقع بلغة السخرية... وهكذا يكون متصفح المجلة قد اختار الموت ضحكاً على أحداث تقتل الناس قهراً.