من بين الكتب التي عالجت قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعتبر كتاب شوقي خليفة "لبنان بين الجيوبوليتك الاسرائيلي والديموغرافيا الفلسطينية"، الصادر في بيروت، الأكثر شمولاً، كونه يرسم صورة موضوعية لواقع الوجود الفلسطيني في لبنان، سياسياً وسكانياً واجتماعياً، معززة بالأرقام. وقد اخترنا من الكتاب مقتطفات من فصل "الوضع الديموغرافي - الاجتماعي داخل المخيمات الفلسطينية" تكشف الظروف المأسوية التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان منذ طردهم من وطنهم فلسطين عام 1948. ان اعداد الفلسطينيين في لبنان غير دقيقة، وقد اصبح من الضروري والملح اجراء احصاء جديد تقوم به الدولة اللبنانية، دون غيرها، اسوة بما تقوم به جميع دول العالم. وقد قامت سورية مثلاً خلال النصف قرن الماضي بأربعة تعدادات للسكان، من ضمنها تعداد خاص باللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية. ان الاحصاء هو الوسيلة الوحيدة والدقيقة التي تبين حجم الكتلة البشرية لجهة تركيبتها وتطورها وظواهرها. خصوصاً الولادات، الوفيات، الزيجات، الهجرات. انقسم الفلسطينيون منذ البداية الى فئتين. واحدة سكنت خارج المخيمات داخل المجتمع اللبناني، وهي التي كانت تتمتع بوضع مادي ميسور او لها اقارب او علاقات مع اللبنانيين. والفئة الاخرى اقامت في مخيمات بلغ عددها خمسة عشر مخيماً، تقلص الى 12 مخيماً حالياً، نقوم تالياً بالاضاءة عليها سكانياً واجتماعياً واحصائياً. مع التأكيد على ان الجداول الاحصائية هي خلاصة تحليلية وواقعية وحيادية عائدة الى عدة مصادر ذات صفة رسمية او دولية ملزمة. وهي تمثل الحد الاقصى من الحقيقة والموضوعية. ملاحظة: احصاء وكالة الغوث الاونروا عام 1996 تشير الى وجود 186.006 ألف داخل المخيمات واحصاء الوكالة لعام 1999 يوزع الاعداد في المحافظات على الشكل التالي: البقاع: 15 ألفاً الجنوب 180 ألفاً الشمال 50 ألفاً بيروت: 120 ألفاً جبل لبنان ضبيه الفان المجموع: 367 ألفاً. وسبب الاختلاف بين البيانات المثبتة آنفاً واحصاء الاونروا مرده الى ان الوكالة تحتسب مخيمات جبل لبنان مع مخيمات بيروت مثل: برج الراجنة تل الزعتر جسر الباشا، كما انها تسقط من مجموع التواجد الفلسطيني، جميع اللاجئين غير المسجلين لديها أي الذين لا يستفيدون من خدماتها، والموجودة فعلاً في لبنان اضافة الى المقيمين بصورة غير مشروعة، وهذا هو سبب الاختلاف بين العدد الاجمالي المعطى من وكالة الاونروا، والعدد الفعلي المتواجد واقعاً. صحيح ان الكثيرين من الفلسطينيين اللاجئين قد غادروا لبنان الى اصقاع الارض الاربعة، وخاصة الى الدول الخليجية والسكندنافية والاميركية، ويمكن ان يكونوا قد حصلوا على جنسيات هذه الدول. والثابت بالممارسة والواقع فإن تسعين في المئة منهم يعودون غالباً الى لبنان ويتشبثون بالحفاظ على بطاقة هوية لجوئهم لاسباب انسانية وعائلية وعقائدية وسياسية. ان عدداً محدوداً من اعضاء المنظمات الفلسطينية الذين شكلوا في السابق الكادرات القيادية السياسية والعسكرية والامنية في منظمة التحرير، قد غادر لبنان الى مناطق الحكم الذاتي في غزه واريحا، مع عائلاتهم وبعض المطلعين يقدر عددهم بحوالي 1600 و1800 شخص. وهؤلاء ايضاً لم يتخلوا عن بطاقات هوية لجوئهم الى لبنان بانتظار الحل الشامل. مخيم شاتيلا انشئ مخيم شاتيلا في العام 1949 في المنطقة المعروفة بحرج شاتيلا شرق المدينة الرياضية. في البدء تم نصب مخيم لحوالى 15 عائلة ثم توافد اليه اللاجئون من مختلف المناطق اللبنانية. سكانه من بلدان الجليل الاعلى: مجد الكروم، النبعة، شعب الصفصاف، دير القاسي، عمقة، البروة. تعرض للتهجير خلال سنوات الحرب وخلال حرب المخيمات: ووفد اليه المهجرون من مخيمات المنطقة الشرقية بالاضافة الى بعض اللبنانيين ومن حاملي جنسيات مختلفة .... يحصي اداري في مخيم شاتيلا هجرة اكثر من مئة وخمسين فلسطينياً مع عائلاتهم بين عامي 1983 و 2000 الى الدنمرك والسويد والنروج وكندا. لكن هجرة العائلات لا تعني حصول فراغ سكاني في هذا الخيم الذي ارتفع عدد سكانه الى نحو 20 الفاً في التسعينات يكاد نصفهم ان يكون من غير الفلسطينيين. فالمخيم يقع على الطرف الجنوبي الشرقي من مدينة بيروت واستقطب الى محيطه المئات من اللبنانيين من منطقة بعلبك الهرمل، الباحثين عن فرص عمل في المدينة خلال السبعينات كما بات منذ مطلع التسعينات حتى اليوم مقصداً لعشرات العمال السوريين والسرلنكيين والمصريين والعراقيين. وهؤلاء يستأجرون غرفاً في منازل الفلسطينيين في مقابل بدل ايجار يصل احياناً الى مئة دولار شهرياً، مما شكل خليطاً من البشر في المخيم، غريباً عن اهله الذين تراجعوا الى خلف قضبان حديد سيجوا بها نوافذ منازلهم وابوابها خوفا مما سموه "الغريب". تبلغ مساحة مخيم شاتيلا 96 الف متر مربع، وقد دمرت امتداداته الى خارج الحدود المعترف بها، خلال حرب المخيمات عام 1985، واستتبعت الكثافة السكانية داخل المخيم توسعاً عامودياً ارتفعت فيه المنازل الى اكثر من خمس طبقات، وبعد ان كان ممنوعاً على اصحاب المنازل سقفها بغير الواح الزنك، تمكن الفلسطينيون زمن ثورتهم داخل لبنان، من تطوير البنى التحتية للمخيم وسقفه بالاسمنت، وقد المح بعض القيمين على اوضاع المخيم الى ان التمدد العامودي كان بمباركة غير مباشرة من مراجع في الدولة اللبنانية بغية حل مشكلة المهجرين الفلسطينيين من مخيم تل الزعتر. ويدل الواقع الحالي على ان العائلات التي سكنت مخيم شاتيلا منذ انشائه، لم يبق منها فيه سوى عشرة في المئة، فالى الهجرة خارج لبنان، حصلت هجرة داخلية من المخيمات التي خارجه، فانتقلت العائلات للسكن في محيط المخيم سعيا الى تحسين وضعها الاجتماعي او نتيجة المصاهرة مع عائلات لبنانية او نتيجة حصولها على تعويضات مالية مكنتها من امتلاك شقق سكنية، واغلبها في وادي الزينة اقليم الخروب ويعمد بعض سكان المخيم الى بيع منازلهم من فلسطينيين او لبنانيين في مقابل مبالغ مالية تتفاوت بين 8 الاف و 12 الف دولار. وتتولى اللجان الشعبية في المخيم رعاية الاتفاق بين الشاري والبائع مع علم كل من الطرفين ان ما يبيعه او يشتريه هو الحجارة المشيدة لا الارض التي تستأجرها وكالة الاونروا من الدولة اللبنانية في مقابل عقد يمتد الى 99 سنة مضى 51 منها .... الرغبة في الهجرة واحدة من الحلول لمشكلة البطالة المتفشية في المخيم. والكل يتحدث عن انه حتى المهن التي يسمح للفلسطيني بممارستها مثل الطرش والحدادة والبناء وجمع النفايات والزراعة، اصبحت غير متوافرة لأن ثمة ايادي عاملة اخرى تنافس الفلسطينيين عليها، منافسة غير متكافئة بسبب قبول غير الفلسطينيين بأجور تصل الى النصف. وتعتبر مقاهي النارجيلة ومحلات البيليارد المنتشرة على تخوم المخيم، من اكثر الاماكن استقطاباً لشباب المخيم، لقتل الوقت، كما تراجع الاقبال على التعلم وانحصر اهتمام الاهل بتأمين القوت لعيالهم، وتحول الطفل الفلسطيني الى ضحية البيئة التي يعيش في وسطها، واصبحت قضية فلسطين في ادنى الاهتمامات. يسهم في تراجعها غياب المناهج التي تعلم تاريخ فلسطين وجغرافيتها، وليس في المبالغة ان جيلا من اطفال وفتيان المخيمات لا يعرف اين تقع فلسطين. ثانيا: مخيم الداعوق صبرا يقع المخيم في محلة "تربة الداعوق" وقد عرف لاحقاً باسم مخيم صبرا. وهو مخيم لا تعترف به وكالة "الاونروا" يضم هذا المخيم ما اطلق عليه سابقاً اسم "بناية منظمة التحرير" التي تقع على مرمى حجر من المدينة الرياضية، كما يضم مستشفى غزة الذي تحول بعد حرب المخيمات الى ملجأ لعشرات العائلات التي حشرت في غرفه المتلاصقة. ويقدر عدد العائلات الذي يعيش في مبنى "مستشفى غزه" بحوالي 300 عائلة في معظمهم من الفلسطينيين. يمثلون نموذجاً لحالات الفقر والبؤس الاجتماعي المتراكم. فقد مخيم صبرا حالياً طابعه التقليدي، فهو يضم اليوم اقلية فلسطينية، وحضوراً لبنانياً وسورياً كثيفاً وفاعلاً، واصبح يشكل مع مخيم شاتيلا امتداداً لحزام البؤس الذي يطوق العاصمة بيروت. والمفارقة ان صبرا وشاتيلا قد تحولا الى سوق تجارية معروفة باسمهما. حيث تنتشر مئات المحال الصغيرة المتلاصقة على خط يمتد من شارع المجزرة في شاتيلا وصولا الى سوق صبرا، تعرض في هذه السوق مختلف البضائع والسلع الرخيصة الثمن. وتشهد اقبالاً كثيفاً من الزبائن وسببت ارتفاعاً كبيراً في اسعار ايجار المحلات. صحيح انه توجد مرجعيات فلسطينية تقوم بمعالجة الشكاوى داخل حدود المخيم، غير ان "حجم التداخل بين المجتمعات التي تكون سكان المخيم، كبير الى حد ان المرجعيات تبقى عاجزة عن التحكم بمسار الحلول المفترضة". تقوم القوى الامنية اللبنانية بدوريات مستمرة في المنطقة ولا سيما في الاسواق المعرضة لحدوث مشاكل امنية. وخلاصة القول ان المجتمع السكني في مخيمي صبرا وشاتيلا قد تحول الى خليط من اللبنانيينوالفلسطينيين والسوريين والسريلانكيين والافارقة. ويشكل الفلسطينيون فيه اقل من ربع سكانه فبعد ان تهجروا عام 1982 وسكنوا في فنادق مهجورة، عاد عدد من العائلات الفلسطينية للاقامة في المخيم وتعمير ما هدمته الحرب بعد ان حصلوا على تعويضات اخلاء الاماكن التي شغلوها وساهمت وكالة غوث اللاجئين الاونروا بتعمير عدد من الابنية داخل المخيم الذي تقلص الى حدوده الدنيا حيث تجمع الفلسطينيون وسط المخيم، بينما انتشر اللبنانيون والسوريون والافارقة والسريلانكيون في محيطه وضواحيه، ويتمركز النور عند الحدود الجنوبية للمخيم واللافتات المرفوعة في ازقة شاتيلا تشير الى وجود غرف او شقق للايجار متوافرة للعمال الذين يشكلون الركيزة الاساسية لسكان المخيم من غير الفلسطينيين. اذا كان مخيما صبرا وشاتيلا يشكلان حزام بؤس يحيط بيروت، ويطالب المعنيون والمهتمون بمشكلات الضواحي بوجوب ازالة هذه المناطق بالكامل واعادة بنائها وفق تصاميم حديثة فان الاوساط الفلسطينية تقر على ان "شاتيلا مخيم فلسطيني، هويته فلسطينية، حتى وان كانت تركيبته مختلطة وسنبقى محافظين على هويته، وكل محاولة لازالته تعني انهاء قضيتنا ودمجنا في المجتمع اللبناني". مخيم البداوي إن القاطنين الأساسيين في مخيم البداوي هم من لاجئي عام 1948 الذين هجّروا من سبع عشرة بلدة ومدينة في شمال فلسطين، أي من منطقة الجليل. أقاموا أولاً في قلعة قديمة في مدينة طرابلس. وانضم إلى هؤلاء فلسطينيون آخرون توالت عليهم ظروف التهجير داخل لبنان. فبعضهم كان من مخيم النبطية الذي دمرته القوات الإسرائيلية، والبعض الآخر كان في مخيم تل الزعتر وتهجر إلى بلدة الدامور التي سبق وهجر منها أهلها المسيحيون، وخلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 حطت الهجرة الجديدة رحالها في مخيم البداوي. يعتبر مخيم البداوي حالياً منطقة شعبية، غابت عنها مساكن الصفيح أو كادت، وتمدد البناء فيه حتى اتصل بالمناطق القريبة منه، خصوصاً قبالة مدينة طرابلس، حيث شيدت بنايات جديدة معظم قاطنيها فلسطينيون اشتروا فيها شققاً غداة حرب الخليج بعدما عاد قسم كبير منهم إلى لبنان. يعاني سكان المخيم من نسبة البطالة المرتفعة، وغالبية السكان تعمل في مشاريع البناء والزراعة والحدادة والميكانيك والتجارة، وهذه القطاعات تشهد ركوداً اقتصادياً حاداً يطال مناطق لبنان، كما بدأت منذ سنوات تتراجع مساعدات وكالة "الأونروا". مخيم نهر البارد شهد مخيم نهر البارد حركة عمرانية كبيرة، خصوصاً في وسطه ومدخليه الشمالي والجنوبي، ولم يبقَ فيه سوى بضعة مساكن من الصفيح يقيم فيها "المهجرون" الجدد، وتبلغ مساحة المخيم نحو أربعة كيلومترات مربعة، تفصلها الطريق الدولية المؤدية من مدينة طرابلس إلى سورية. وتحولت هذه الطريق، منذ انشاء المخيم وعلى امتداده، حوالي الكيلومتر طولاً، سوقاً تجارية مزدهرة ومكتظة بالمتسوقين الذين ليسوا من الفلسطينيين فحسب، بل من اللبنانيين والسوريين. وأسهمت هذه السوق، بسبب قرب المخيم من سهل عكار، في تحسين أوضاع الفلسطينيين لمدة طويلة إلى أن شق الاوتوستراد الدولي خارج المخيم وحوّل السير إليه قبل سنوات عدة فخفت حركته. يبقى الوضع الاقتصادي والمعيشي في مخيم نهر البارد أفضل منه في مخيم البداوي، خصوصاً أن سوقه التجارية المعروفة يقصدها كثيرون للتبضع بسبب أسعارها الرخيصة، أما قطاعات العمل فغالبيتها في الزراعة والبناء وصيد السمك. فلسطينيو مخيم نهر البارد قدموا إليه بغالبيتهم منذ 1948، من أكثر من أربعين بلدة في شمال فلسطين وسميت أحياء المخيم بأسماء القرى ومنها "الداعون" و"صفورية" و"سعسع" و"بيسمون"، وهي أحياء أساسية في المخيم وسكانها من الأقارب والعائلات المترابطة بشكل عشائري، إضافة إلى محافظتهم على عادات وتقاليد حملوها معهم من بلدهم، خصوصاً ما له علاقة بالأعراس وأغانيها وطقوسها. انشئ المخيم عام 1950 بمساهمة من الصليب الأحمر الدولي، ثم استأجرت وكالة "الأونروا" الأرض من آل المرعبي لمدة 99 عاماً، وكان عدد سكانه عام 1952 حوالي 5600 نسمة، ولكنه شهد نسبة تزايد سكاني كبيرة، فمعدل العائلة الوسطي سبعة أفراد، والمثل على ذلك عائلة كانت مؤلفة من خمسة أشخاص عندما وصلت إلى المخيم عام 1950، وفي عام 2000 أصبح عددها 182 شخصاً. مخيم عين الحلوة تختلف الاقامة الفلسطينية في مدينة صيدا ومخيماتها عن الاقامة في مدينة صور، ويعزى السبب في ذلك الى التجانس الاجتماعي والطائفي. فقد وفدت الى مدينة صيدا، بتاريخ سابق لنكبة فلسطين، مئات العائلات الفلسطينية، كما ذهب صيداويون كثيرون الى المدن الفلسطينية بهدف التجارة والعمل. وانعقدت بين العائلات الفلسطينية والصيداوية علاقات ومصاهرات كثيرة، وبعد النكبة واثناءها عاد الصيداويون من فلسطين، واستقر الفلسطينيون في مدينة صيدا بأعداد ليست بقليلة. والوجود الفلسطيني في صيدا نوعان: الاول سكان المدن الذين اقاموا في احياء المدينة، وابناء منطقة الجليل الاعلى الذين استقروا في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وما زال الحال على هذا الوضع حتى اليوم على رغم التبدلات الكثيرة التي حصلت في البنية والتركيب السكانيين لانباء الجنسيتين. يقيم حالياً في مخيمي عين الحلوة والميه وميه نحو 51 الف فلسطيني. في حين يعيش في صيدا واحيائها حوالي 42 الف فلسطيني وذلك حسب احصاءات وكالة "الاونروا"، لكن تداخل السكن والمصالح التجارية والاقتصادية اصبح معقداً اكثر. ودخلت على نسيجه عناصر جديدة يصعب تحديد واقعها الحقيقي. تحول الفلسطينيون في مدينة صيدا الى قوة استهلاكية اساسية. وهم احد مصادر التمويل لمشاريع اسكانية وتجارية وازدهارية. وفي المدينة احياء جديدة معظم سكانها من الفلسطينيين، كحي الزهور وشارع دلاعة. يقيم هؤلاء في ابنية جديدة اشتروا مساكنهم فيها كما انخرط فلسطينيو مخيم عين الحلوة في نشاطات تجارية وادارية خارج المخيم. ومعظم العائلات الفلسطينية المقيمة في احياء صيدا، لديها عدد من ابنائها في دول الخليج واوروبا واميركا وتعتبر تحويلاتهم المالية الى اهلهم احدى ركائز الاقتصاد الصيداوي. ويقول مقاول صيداوي ان نسبة المشترين الجدد للشقق والمنازل في الابنية الجديدة من الفلسطينيين تتجاوز احياناً الخمسين في المئة. والاختلاط الفلسطيني الصيداوي له وجوه اخرى كانت قبل حرب 1985 - 1991 واثناءها وحتى بعدها. فغالباً ما يوجد في صفوف الاحزاب اللبنانية انتماء فلسطيني والعكس صحيح ايضاً خصوصاً انه في مرحلة الستينات كان بين خمسة اعضاء لقيادة حزب البعث في المدينةفلسطينيان. وكان احد الوجوه البارزة في الحزب الشيوعي اللبناني في المدينةفلسطينياً. وشهدت هذه الحقبة انخراط اللبنانيينوالفلسطينيين في حركة القوميين العرب المختلطة القيادة آنذاك. كما ان ابرز الوجوه النقابية الصيداوية هم من اصل فلسطيني. وانعكست الحالة اثناء الحرب اللبنانية، فاجتذبت الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية، مئات الصيداويين، وانشئت فروع فلسطينية لاحزاب كانت لبنانية القيادة والسمات العامة ثم عادت هذه الفروع فتصدّرت الاصل اللبناني واستتبعته. ويتبلور هذا التداخل حالياً بشكل بارز من خلال التنظيمات الاسلامية اللبنانية. والامتدادات المتصلة بالتنظيمات الاسلامية الفلسطينية ينضوي في صفوفها عشرات من الصيداويين واللبنانيين الآخرين. ولهذا التداخل اليوم وظائف امنية تستفيد منها هذه التنظيمات في تحركاتها ومشاريعها في المدينة والمخيم. ومن جهة ثانية، لم يعد المقيمون الفلسطينيون في المدينة ينحصرون في أبناء المدن الفلسطينية، وانما هم اليوم من ابناء معظم مخيمات لبنان. والمقتدرون في معظم مخيمات الجنوب وحتى من مخيمات بيروت يفضلون المجيء الى صيدا والاقامة في احيائها نظراً الى شعورهم بأن الاوضاع السياسية والاجتماعية والامنية فيها مهما تطورت لغير مصلحتهم فإن عوامل اخرى تؤمن لهم الحماية والمدافعة، منها التجانس الطائفي ووجود مخيم عين الحلوة الكبير الذي يشكّل امتداداً وملجأ، اضافة الى الوجود الفلسطيني الذي اصبح احد مراكز الثقل السكاني فيها. والمفارقة اللافتة، انه على رغم الارتباط المتعدد الاوجه بين سكان مخيم عين الحلوة والمقيمين في مدينة صيدا من الفلسطينيين، فان مسافة كبيرة من اختلاف اساليب العيش وربما التفكير والاقتناع، تفصل بين الاثنين خصوصاً وان المسلك العشائري لا زال سائداً داخل مخيم عين الحلوة حيث تقيم العشائر في احياء شبه منفصلة وعلاقات القربى تتحكم بالانتماء السياسي والعسكري وحدود سكن ابناء القرى في انحاء المخيم تحكمها ملامح اصول الساكنين قبل تهجيرهم. ان الذين يقيمون في مخيم عين الحلوة هم فقراء الفلسطينيين، وفور نجاح الشاب الفلسطيني في الخروج من المخيم والوصول الى دولة خليجية او اوروبية يتركز همّه الاول على طريقة اخراج اهله من المخيم عبر شراء شقة في احد شوارع صيدا. وعلى رغم تشديد الاجراءات الامنية حول مخيم عين الحلوة، فهو يعتبر احدى الاسواق الرئيسية لفقراء المدينة ومتوسطي الحال فيها من اللبنانيينوالفلسطينيين اذ يؤكد الجميع ان اسعار الحاجات فيه ادنى بكثير منها في خارجه. ويعود ذلك الى عدم تكلّف اصحاب المحال والمتاجر اية ايجارات او ضرائب والى تدني قيمة اليد العاملة. وخلاصة القول: "ان خمسين عاماً واكثر من الاقامة والاختلاط والتنابذ والتصادم، ودخول قوى راعية للوجود الفلسطيني واخرى رافضة له، واحتلال وانسحاب... خلفت اوضاعاً متباينة ونتائج في سياقات مختلفة ومتناقضة، تعثر التفكير في مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان وتجعله اكثر صعوبة ودقة"