قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    «خدعة» العملاء!    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    علاقات حسن الجوار    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلم ذوي القربى سجانون عرب أشرس من الاسرائيليين !
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2004

السجانون في السجون الاسرائيلية يتصرفون بقسوة بالغة ضد الاسرى الفلسطينيين. الا ان المعتقلين في سجن شطة الاسرائيلي، ومن باب "ظلم ذوي القربى أشد مرارة"، اطلقوا صرخة ضد سجانين دروز. وبعثوا برسالة الى شيوخ الطائفة الدرزية في اسرائيل وقادة الأحزاب الوطنية فيها. وقامت جهة فلسطينية رسمية بتعميم الرسالة، فاعتقد الدروز أنها محاولة تحريض طائفية، ما أدى إلى اندلاع خلافات تجري تسويتها، قبل ان تهدد بتمزيق الصفوف. لكن اللافت ان بعض السجانين الدروز لا يحتكر شراسة التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين اذ هناك سجانون مسلمون ومسيحيون من عرب اسرائيل يشاركون في هذه الشراسة.
منذ أكثر من اسبوعين، تدور في صفوف الفلسطينيين في الداخل، رحى معركة تنطوي على الكثير من الغرابة والاستهجان، لكنها تعكس مدى التعقيدات في قضيتهم وكثرة تبعاتها. معركة، يخجل منها الفلسطينيون. لكنهم يضطرون للتعاطي معها والنشر عنها. والنشر، في كثير من الاحيان، يبتعد عن الموضوعية، فيعطي صورة مشوهة وقاتمة، ويصب الزيت على النار.
القضية بدأت برسالة. بعضهم يعتبرها مشبوهة. وبعضهم الآخر يعتبرها بريئة صادقة. الرسالة غير موقعة لكنها صادرة عن بعض الأسرى الفلسطينيين في سجن شطة، في الغور الغربي من نهر الأردن والمعروف بظروفه الصعبة عموماً، سواء من السجانين اليهود أو العرب، مسلمين ومسيحيين ودروزاً. لكن الرسالة تتحدث بشكل خاص عن قسوة بعض السجانين الدروز، وذلك من باب ان "ظلم ذوي القربى أشد مرارة". والرسالة وجهت الى مشايخ الطائفة الدرزية وأعضاء الكنيست العرب تناشدهم التدخل لمنع مواصلة تعذيبهم من قبل الجنود الدروز، وتشرح مختلف أساليب التعذيب والتنكيل.
أثارت هذه الرسالة نقاشاً واسعاً وضع مرة أخرى الطائفة الدرزية في حال دفاع عن النفس، ما جعلها تصر على انها جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. لكن هناك من شكك في مصدر الرسالة. وكما قال سكرتير لجنة المبادرة الدرزية جهاد سعد، وهو من قادة اللجان المجندة لرفض الخدمة العسكرية، ان توقيت الرسالة ليس صدفة، إذ تزامن مع إعلان الطائفة الدرزية، باعتزاز، مضاعفة عدد الشبان رافضي الخدمة في الجيش الاسرائيلي. وفي المقابل رأى آخرون ان الرسالة تتحدث بمنتهى الصدق عن معاناة الأسرى الفلسطينيين، وأن مصلحة السجون اعتمدت وضع جنود دروز معروفين بتصرفاتهم الشاذة لمواجهة الأسرى الفلسطينيين لاظهار مدى "اخلاص" هؤلاء الجنود ل"دولة اسرائيل وجيشها" لتواجه بذلك حملة رفض الخدمة في صفوف الدروز. ورفض رئيس "ميثاق المعروفيين الأحرار" سعيد نفاع تعميم ممارسات بعض الجنود الدروز على طائفة بأكملها وبوصفها من قبل جهات فلسطينية ب"الجالية الدرزية". واعتبر أن هذا الحديث يطابق "ما تعمل عليه الصهيونية التي تدعي أن فلسطين أرض بلا شعب وان كل الفلسطينيين بنظرهم جاليات جُلبت الى هذه الارض".
وإذا كان هناك من يشكك بصدق تفاصيل رسالة أسرى سجن شطة لعدم حملها توقيع أسماء، فإن المضمون نفسه جاء في رسالة أخرى بعثت بها الاسيرة الفلسطينية رائدة جاد الله قبل حوالي شهرين تستغيث فيها أحد أقاربها للتدخل لوضع حد لمعاناة الأسيرات جراء أساليب التعذيب والتنكيل التي يمارسها السجانون الدروز بحقهن. وحصلت "الوسط" على نسخة من الرسالة وفيها توضح جاد الله: "اننا نعيش اوضاعاً صعبة في ظل حراسة الجنود الدروز الذين يعتدون علينا بشكل متواصل سواء بالضرب المبرح والتنكيل بنا أو بشتمنا بأقذع الشتائم والعبارات النابية". واضافت لقريبها قائلة: "اقسم لك يا أبا هيثم، انني لا استطيع ان اصف لك هؤلاء السجانين ... فلا يتعاملون معنا إلا بالضرب. احدهم مثلاً صفع اسيرة على وجهها ثم رفعها الى اعلى ورماها لمسافة". وتقول جادالله ان "تولي هؤلاء السجانين الدروز مسؤولية حراسة الاسيرات في سجن تلموند جعل وضعنا أقسى اضعاف ما كان عليه في سجن "نفي ترتسا" بسبب معاملتهم القاسية. فهم يبتكرون اساليب القوة لاجبار الاسيرات على تنفيذ ما يريدونه منهن".
ولتوضيح ما تقوله جاءت بمثل عن الاسيرة سعاد ابو حمد التي "ربطوا يديها ثم جروها على الارض ورموا بها على النقالة مما أثار حفيظتنا فعبرنا عن احتجاجنا على هذه التصرفات بالضرب على الارض والصراخ. عندها جلب هؤلاء الحراس خراطيم المياه ورشوا جميع الاسيرات داخل زنازينهن، خصوصاَ اللواتي عبرن عن سخطهن على مثل هذه الممارسات ثم اعتدوا علينا بالضرب المبرح".
إن الهدف من نشر هذه الرسالة هو تأكيد ما يعانيه الاسرى الفلسطينيون من ممارسات السجانين عموماً. فالسجان والجندي والشرطي، بغض النظر عن طائفتهم وقوميتهم لمجرد اختيارهم إحدى هذه المهن في نظام يمارس سياسة احتلال شعب، يعذبون ويقتلون ويعتقلون وينكلون بالأطفال والنساء والمسنين.
إن تجنيد غير اليهود في الجيش لا يعني الدروز فقط، فذلك مفهوم خاطئ كأنما الدروز طائفة منعزلة عن فلسطينيي 1948، أو كأنهم أكثر يهودية من اليهود مع أن الواقع هو عكس ذلك. فعلى رغم رفض الجيش الافصاح عن النسبة الحقيقية للمجندين من فلسطينيي 48، إلا أن جميع الاحصاءات تؤكد أن نسبة المجندين من بين الطائفة الدرزية تساوي نسبة المجندين من المسلمين والمسيحيين العرب، إن لم تكن أقل. وتشير الاحصاءات الى وجود 4500 متطوع في الجيش الاسرائيلي من غير اليهود. والدروز لا يتطوعون في الجيش طوعاً، إنما هو فرض عليهم بموجب قانون الخدمة الالزامية. وتشير المعطيات اليوم بشكل واضح الى يقظة لم يسبق ان شهدتها هذه الطائفة برفض الخدمة من قبل الشباب الدروز، فالشاب الدرزي يعتقل مرات عدة ويقضي سنوات في السجن لرفضه هذه الخدمة.
أمام وضع كهذا تطرح أسئلة كثيرة، منها:
لماذا التركيز، اليوم بالذات، على السجانين الدروز؟ وما هو مصدر هذا التركيز؟ هل هم الضحايا الفلسطينيون الأسرى؟ أم السلطات الاسرائيلية المعنية بدق الاسافين؟
لماذا التعميم الى حد الدعوة إلى الانتقام من الطائفة الدرزية أو وصفها بالجالية؟
ما الذي وضع الطائفة الدرزية في قفص الاتهام منذ أكثر من 56 عاماً على رغم التاريخ الوطني الطويل الذي يحمله كثيرون من أبناء هذه الطائفة التي يبلغ عددها حوالي 120 ألف شخص؟
لماذا طرح القضية وكأن الجنود الدروز هم الوحيدون من فلسطينيي 48 الذين يخدمون في الجيش، علماً أن نسبة السجانين الدروز في السجون الاسرائيلية لا تتعدى 24 في المئة.
المعروفيون
قبل الخوض في تفاصيل وضع الجنود الدروز في الجيش الاسرائيلي، لا بد من العودة الى وضع هذه الطائفة منذ العام 48 والظروف التي فرضت على شبابها من جيل 18 عاما الخدمة الاجبارية في الجيش الاسرائيلي.
لقد واجهت الطائفة الدرزية سلسلة محاولات لسلخها عن أمتها العربية منذ 56 عاماً. واستعمل زعماء الدولة العبرية التجنيد الاجباري كجانب بارز من هذه المؤامرة. وهناك من المطلعين على تاريخ الفترة التي سبقت العام 1948 يؤكدون أن هذه المؤامرات لم تقتصر على الدروز، إذ استهدفت الحركة الصهيونية اسلوب دق الاسافين بين العرب منذ بدء الهجرة اليهودية وأقامت الى جانب علاقاتها مع الدروز اتصالات مع مواطنين ورجال دين مسيحيين ومسلمين وقبائل مسلمة في فلسطين، ونجحت في تجنيد افراد من بين هؤلاء تحولوا في ما بعد الى متعاونين وخدموا العصابات الصهيونية المسلحة في حربها ضد الفلسطينيين.
وفي ما بعد عزز مثل هذه العلاقة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول ديفيد بن غوريون فجمع هؤلاء المجندين وضم اليهم متطوعين من فلسطينيي 48 بهدف تشكيل "وحدة الاقليات" في الجيش الاسرائيلي التي لا تزال قائمة حتى الآن. وقصد بن غوريون في خطوته هذه اظهار المواطنين العرب كموالين لاسرائيل إلى درجة أنهم يخدمون في جيشها ضد أبناء شعبهم. ولتعزيز وجود هؤلاء فرض بن غوريون الخدمة الاجبارية على الدروز والشركس، مثلهم مثل اليهود، بعدما دعا، في العام 1954، 16 شيخاً من الطائفة الدرزية وأبلغهم قراره هذا ضمن ما أسماه مساواتهم باليهود في الحقوق والواجبات، فوافقوه الرأي. وفي تلك الأثناء وقع الدروز ضحية سياسة بن غوريون، ففرض قراره على ثلثي الشبان لأنه اتفق على اعفاء الشابات والمتزوجين والمتدينين، وهذا ما دفع كثيرين منهم الى الزواج قبل سن 18 لتجنب التجنيد.
وعلى رغم تنفيذ الأوامر وولاء كثيرين، إلا أن السلطات الاسرائيلية تعاملت مع الدروز من دون ثقة، وكانت أول ترقية لهم في العام 2000 للضابط يوسف مشلب بتعيينه قائداً للجبهة الداخلية في الجيش الاسرائيلي. وجاءت الترقية الثانية قبل شهر بعد 56 عاماً للضابط حسين فارس، بتعيينه قائداً لحرس الحدود. وتبين أن مسألة المساواة كذبة، إذ أن الطائفة نفسها لم تحظ بأي امتيازات. وكما قال جهاد سعد، رئيس لجنة المبادرة الدرزية، فقد "صادرت السلطات الاسرائيلية 90 في المئة من أراضيهم وهدمت بيوتهم وتعاني قراهم من تمييز صارخ وارتفعت نسبة البطالة بينهم بشكل كبير فاقت النسبة العامة في اسرائيل".
وبقيت الطائفة على حالها واعتمدت السلطات الاسرائيلية سياسة التمييز ضد أبنائها وأبقتهم فقراء حتى يضطر الشباب لمواصلة الخدمة في الجيش. وحتى هذا لم يكف السلطات الاسرائيلية فواصلت مؤامرتها، فسعت الى تحويل الطائفة الدرزية الى "أمة" ونزع الصفة أو الشعور بأنها إحدى طوائف الشعب الفلسطيني فشجعت على ابراز ما اسمته ب"التراث الدرزي" و"التقاليد الدرزية" وأقامت "المحاكم الدرزية".
من جهتها استمرت الطائفة على هذا الوضع، راضخة لأوامر بن غوريون حتى السبعينات. ومع تنامي وعي أبنائها الوطني اكتشفوا المؤامرات، فظهرت بوادر تذمر سرعان ما تحولت الى تمرد على "الاستقلال" الدرزي المزعوم من جهة، وعلى الخدمة الاجبارية من جهة اخرى. وتشكلت حركة لرفض الخدمة العسكرية وتعزيز الانتماء القومي العربي الفلسطيني أُطلق عليها "لجنة المبادرة الدرزية".
حتى العام 2000 كانت القوى الوطنية في الطائفة الدرزية موحدة تجاه قضايا مركزية وتعمل بكل أطيافها السياسية والشعبية تحت اطار "لجنة المبادرة الدرزية" إلى ان تغلغلت الخلافات السياسية بين الاحزاب المختلفة في اللجنة. وفي الوقت الذي تضاعفت فيه الجهود لمواجهة أوامر الخدمة الاجبارية هذا العام، وقعت انشقاقات داخل "لجنة المبادرة"، وبرزت أساساً بين الحزب الشيوعي كان بقيادة محمد نفاع واليوم بقيادة النائب عصام مخول وحزب التجمع الوطني الديموقراطي بقيادة عزمي بشارة. وأصبحت "لجنة المبادرة" ثلاثة أطر: الأول، برئاسة محمد نفاع وما زالت تحتفظ باسم "لجنة المبادرة الدرزية"، والثانية بقيادة ابن عمه سعيد نفاع الذي شكل حركة "ميثاق المعروفيين"، وثالثة بقيادة الشيخ جمال معدي وتعمل من دون أي انتماء حزبي.
وشكل هذا الخلاف تربة خصبة للمخطط الاسرائيلي تجاه الطائفة الدرزية. فقد تزامن الانشقاق مع اشتعال انتفاضة الأقصى، وانتشرت الاخبار عن تورط عدد من الجنود والضباط الدروز في ممارسات قمعية ضد الفلسطينيين، وتبين ان الجيش الاسرائيلي وضع وحدات جميع أفرادها من الدروز في ساحة المواجهة مع الفلسطينيين، ما أدى الى قتل عدد منهم عدد الدروز الذين قتلوا أثناء الخدمة في الجيش 400. فهاجم ممثلو الدروز اصرار قيادة الجيش الاسرائيلي وتعمدها وضع هذه الوحدات في المواجهة لدق اسفين بين أبناء شعبهم من جهة، ولتعرضهم لمخاطر جدية من جهة اخرى.
لكن هذا الوضع المستجد لم يساعد على توحيد الطائفة، فتعمق الخلاف وعبرت أصداؤه حدود الخط الأخضر ووصلت الى لبنان ليتدخل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في محاولة لتوحيد القوى الوطنية في الطائفة في مواجهة السياسة الاسرائيلية وعدم تحقيق مآرب الحكومات الاسرائيلية من خلال تمزق وصراعات ابناء الطائفة الواحدة وعدم توحيدهم الى جانب قضية شعبهم. ونجح جنبلاط بلقاء شخصيات من "لجنة المبادرة" في الأردن، وتم عقد مؤتمر شاركت فيه العديد من الشخصيات حتى غير الدرزية، واتخذت قرارات لا تقتصر على رفض الخدمة الاجبارية للشباب الدروز بل شجب ظاهرة التطوع في الجيش الاسرائيلي من قبل المسيحيين والمسلمين.
شواذ
وعودة إلى طرح موضوع السجانين الدروز في السجون الاسرائيلية والصراع الحالي داخل الطائفة. فيبدو ان السلطات الاسرائيلية نجحت هنا أيضاً في تحقيق أهدافها في دق اسفين بين الفلسطينييين داخل أراضي السلطة الفلسطينية وفلسطينيي 48 من الطائفة الدرزية، وبرز ذلك من خلال الرسائل التي وجهت من الطرفين بعد نشر رسالة الأسرى وفيها تهديد واتهامات الى حد القول إن عدم توقيف هؤلاء السجانين عن ممارساتهم سيؤدي الى حرب بين الفلسطينيين والطائفة الدرزية.
وبدلاً من أن يعمد الطرفان إلى علاج جوهر الموضوع انصرفا إلى مناقشة صدقية رسالة الأسرى، ما أفقد الموضوع جوهره. وبغض النظر عما تضمنته الرسالة، إلا أنه كان يتوجب أن تدق ناقوس خطر أمام كل المسؤولين من فلسطينيي 48 من جميع الطوائف والعودة إلى مناقشة ظاهرة التجنيد والتطوع في الجيش الاسرائيلي والسعي للحد منها، خصوصاً أن المعطيات تشير إلى ان التطوع شهد خلال السنتين الأخيرتين ارتفاعاً كبيراً. فالسلطات الاسرائيلية من جهتها تواصل بذل جهودها لرفع نسبة المجندين والمتطوعين في الجيش والشرطة ودمج أكبر عدد من فلسطينيي 48 في الخدمة الوطنية وفق الخطة التي أعدها رئيس الحكومة ارييل شارون عندما طرح هذه الخدمة في مقابل مطلب المساواة. ويرى المقربون من شارون أن هذا الخلاف يشكل مناسبة للحديث عن ضرورة التجنيد والخدمة الوطنية. ففي حديث مع النائب مجلي وهبي، وهو من أبناء الطائفة الدرزية وعضو ناشط في حزب الليكود، وكان لسنوات ضابط في الجيش، قال إن "الحاجة اليوم تتطلب الاقتناع بأن لا مجال إلا بالاندماج في مؤسسات الدولة وهذا ما يتوجب على العرب في اسرائيل تنفيذه. أما الحديث عن سجانين دروز في السجون الاسرائيلية يعذبون الفلسطينيين فهذا هجوم سافر على كل الطائفة الدرزية وتشويه للحقيقة. وقد بُحث الموضوع في اللجان الفرعية للجنة الخارجية والأمن ولم نتمكن من التحقيق الجذري في الموضوع لعدم وجود أسماء وعناوين واضحة لها من داخل السجون للتحقيق فيها"، ويضيف: "56 عاماً من العمل السياسي للأحزاب العربية ولم تنجح في تحقيق مساواة. لذلك تتطلب الحاجة الانتماء الى مؤسسات الدولة فهناك مطالبنا تكون أكثر ضماناً. وأنا أقول بكل صراحة اننا نلمس ارتفاعاً في نسبة العرب في اسرائيل من المسيحيين والمسلمين الذين تسجلوا للتطوع في الجيش ولي شخصياً توجه العشرات لمساعدتهم".
سكرتير لجنة المبادرة الدرزية جهاد سعد يرى ان الحاجة الفورية تتطلب زيادة الوعي الوطني لدى الشباب الفلسطيني داخل الخط الأخضر سواء داخل الطائفة الدرزية أو أية طائفة أخرى ويقول: "أي اندماج للدروز في الجيش أو الشرطة، يعني محاربة أبناء شعبنا الفلسطيني، ومن هنا ننطلق في معركة رفع التوعية الوطنية لدى الشباب ورفضهم الخدمة الاجبارية. وليس مصادفة اليوم محاولات تشويه سمعة الطائفة الدرزية. فلا شك ان هناك أيدي غريبة وخبيثة تحاول دق أسفين بين الطائفة الدرزية وأبناء شعبنا الفلسطيني لتواصل إسرائيل سياستها بالتأكيد على أن الدروز غرباء عن الشعب الفلسطيني".
ويرى سعد أن اساليب السلطات الاسرائيلية نجحت، للأسف، باقناع الآخرين بأن الدروز هم الوحيدون الذين ينفذون الأعمال القمعية. ويضيف: "الجميع يعمل بالأساليب الاسرائيلية الممارسة تجاه الفلسطينيين، خصوصاً الأسرى، سواء بزرع عملاء بينهم أو تدريب آخرين على النطق بلهجة الدروز، حتى يقتنع الطرف الآخر بأن الشخص الذي أمامه درزي. ومثل هذه الأساليب تمارسها اسرائيل مع الأسرى وعند الحواجز"، واستدرك قائلاً: "طبعاً أنا لا ادافع عن الجنود الدروز أو السجانين، وكما في كل مجتمع هناك شواذ يخرج أيضاً من بين هؤلاء شواذ وأي تصرف من قبل أي شخص منهم، نحن ندينه ونستنكره، ولكننا في الوقت نفسه نرفض توجيه تهمة إلى كل الطائفة الدرزية بسببه".
وكيل وزارة الأسرى والمعتقلين في السلطة الفلسطينية راضي الجراعي وهو أسير سابق لمدة 12 عاماً في السجون الاسرائيلية يرفض تعميم الموضوع واتهام كل الطائفة الدرزية، ويقول: "كل أسير فلسطيني يتألم عندما يرى ابن شعبه، سواء أكان مسيحياً أو درزياً أو مسلماً، سجاناً عليه وينفذ أوامر سلطات الاحتلال. ومن هنا ينبع الألم".
ويضيف انه خلال سنوات وجوده في السجون الاسرائيلية التقى حراساً من جميع الطوائف، خصوصاً من الدروز، "بعضهم كان يبالغ في معاملته القاسية كبقية السجانين والبعض الآخر كان في غاية الانسانية في تعامله. وهناك من حدثنا منهم كمن يؤلمه ان يُلزم بالخدمة، وكان يتمنى ألا يكون مثل هذا القانون المجحف بحق الدروز، حتى مثل هؤلاء لا يمكننا شملهم مع بعض الشواذ"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.