عمَر سعد شاب في مقتبل العمر، درزي لا التباس لديه في هويته العربية الفلسطينية، موسيقيٌ مرهف الإحساس، يرفض التجنيد الإجباري لطائفته في إسرائيل، ويدرك أثمان هذا الرفض. مثُل أمس أمام مكاتب التجنيد في مدينة طبريا وهو يرتدي بلوزة حمراء كتب عليها «برافر لن يمر»، ليؤكد رفضه الخدمة الإلزامية لأسباب ضميرية، مدركاً أن الرفض معناه السجن العسكري. قبالة مكتب التجنيد، تظاهر العشرات من المشايخ الدروز وأفراد أسرة عمر وقادة الحزب الشيوعي الذي ينتمي إلى شبيبته، رافعين شعارات تحيي كل رافضي الخدمة العسكرية من يهود ودروز، ومؤكدين أن تجنيد الشباب الدروز فُرض بهدف دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد. واعتقلت الشرطة أحد الشباب المتظاهرين لساعات، كما استدعت والد الشاب عمر للتحقيق. وقبل تسليم نفسه، عزف عمر مع أشقائه الثلاثة على آلاتهم الموسيقية قبالة مكتب التجنيد معزوفات للإنسانية والسلام، وقال: «أعزف للفرح وللحرية، للسلام العادل القائم على وقف الاستيطان وخروج المحتل من فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وإطلاق جميع الأسرى في السجون، وعودة اللاجئين والمهجّرين إلى ديارهم». وقرأ الرسالة التي كان بعث بها قبل عام إلى كل من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه، وأعلن فيها رفضه المثول للفحوص الطبية قبل التجنيد ل «أسباب ضميرية ومبدئية». واعتبر رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، النائب الشيوعي محمد بركة أن رفض عمر سعد التجند «أسمى تجليات الموقف الوطني حين يكون صاحبه مستعداً لدفع أغلى ثمن لأجله». وأضاف أن «المعركة ضد القانون الجائر المفروض على أبناء شعبنا العرب الدروز مستمرة، ونأمل في أن تكون معركة عمر هذه نبراساً للذين لم يحسموا موقفهم بعد إلى جانب شعبهم، ويشجعهم على رفض هذا القانون». «الحياة» كانت التقت عمر أثناء مشاركته وفرقته «أوتار فلسطين» في حفلة موسيقية مع عازف الكمان الشهير نايجل كنيدي ضمن احتفالية «البرومز» في قاعة «رويال ألبرت هول» الشهيرة في لندن في آب (أغسطس) الماضي. خلال اللقاء، تحدث سعد عن قناعاته ومعاناته وهواجسه، وبدأ بالقول: «قصتي بدأت عندما استدعاني الجيش للفحوص الطبية ليحدد إن كنت صالحاً للخدمة، لكني لم أذهب في المرة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فوجه لي إنذاراً أخيراً، ولم أذهب، فبعث لي أمر اعتقال، ولم أذهب. في الأخير، بعث لي أمر التجنيد وجاء فيه: مع أنك لم تأت إلى الفحوص، إلا أن تجنيدك يبدأ في 2-3-2014، الساعة 8,5 صباحاً في مكتب التجنيد في طبريا». حينها، قرر عمر التحرك دفاعاً عن قناعاته، فأرسل رسالة إلى كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير دفاعه يشرح فيها أسباب رفضه التجنيد، مشيراً إلى أن الرسالة لاقت تضامناً عالمياً ومحلياً واسعيْن، وتُرجمت إلى 7 لغات، وانتشرت في أكثر من 400 موقع إلكتروني. وأضاف أن تحركه الأولي كان عبر «فايسبوك»، وأنه لم يكن يهدف إلى لفت انتباه الإعلام، لكن الرسالة حظيت باهتمام إعلامي كبير. وتابع أن أحد أصدقائه أسس له موقعاً إلكترونياً تحت اسم «support omar saad»، وأن عدد المتضامنين معه من حول العالم كبير. وعن أسباب رفضه التجنيد، قال: «الموسيقى»، موضحاً: «لقد كان معهد إدوارد سعيد (مقره الرئيس رام الله) بيتي ومن أكبر الداعمين لي بعد معهد بيت الموسيقى في شفا عمر. لقد أعطاني المعهد الكثير وضمّني إليه وأصبح عائلتي الثانية في رام الله. لا أستطيع أن أعيش مع أصدقائي أسابيع وأعزف وأتدرب وأفرح وأحزن معهم، ثم في يوم وليلة، أقف على معبر قلنديا (المعبر الرئيس بين القدسورام الله، وهو تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي) وأطلب منهم بطاقات هوياتهم (لفحصها) وأذلهم. بالنسبة إلي، فإن المعبر أكبر حاجز إذلال». وتابع: «إضافة إلى الموسيقى، أنا تربيت في بيتي على أسس ومبادئ وطنية، وأبي وأمي علّماني أني جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني». وأوضح أن نسبة رفض التجنيد بين الدروز أصبحت أعلى، لكن الكثير من الشباب يطلب الإعفاء بناء على ادعاء الإصابة أو المرض حتى لا يكون مصيره السجن. وأوضح أن الخيارات أمام الدرزي في هذه القضية هي: «إما التجنيد، أو السجن من دون مدة محددة، أو الادعاء بالمرض للحصول على إعفاء». وأكد أنه يدرك الأثمان التي سيدفعها في حال رفضه التجنيد، وهي السجن، ومن دون موسيقى أو آلته الموسيقية، مضيفاً أن المعاناة لا تتوقف بعد الخروج من السجن، إذ تتأثر فرصك في القبول في الجامعات، أو الحصول على منح، أو العمل والتوظيف، أو السفر. وختم بالقول: «في الرسالة التي وجهتها إلى وزير الدفاع، أقول: اكتفينا»، مضيفاً: «أملي الوحيد أن أحصل على تأييد بين الدروز، وإذا استطعت أن أقنع درزياً واحداً بعدم قبول التجنيد، أكون قد نجحت». لكنه أكد أنه لا يعيش في الأوهام، فهو يدرك أن «الحكومة الإسرائيلية لا تريد أبطالاً. وأنا لست بطلاً. أنا إنسان قال رأيه في هذه الرسالة وفي هذه القضية، قال رأيه في القهر وفي التجنيد الذي أعادنا (الدروز) إلى الوراء، وآمل بالتغيير». يذكر أن الخدمة العسكرية، بحسب القانون الإسرائيلي، واجبة على كل سكان إسرائيل، باستثناء العرب مسلمين ومسيحيين، لكن لوزير الدفاع الحق في إعفاء من يريد من الخدمة. وكانت السلطات الإسرائيلية توصلت عام 1956 إلى اتفاق مع القيادة الدينية الدرزية بتجنيد الشباب الدروز غير المتدينين (الجهال) وإعفاء المتدينين منهم (العقال)، في مقابل الاعتراف آنذاك باستقلالية القيادة الدينية الدرزية عن القيادة الدينية الإسلامية. وتدرس إسرائيل أخيراً فرض الخدمة الإجبارية على العرب.