تحفل الطبيعة بحوالي 600 نوع من مركبات الكاروتينيدات التي تملك شهرة واسعة على صعيد الصحة، وصباغ "ليكوبين"، الذي يعطي اللون الاحمر للبندورة الطماطم يعتبر من اشهرها، ومن باب العلم بالشيء فان البندورة الصفراء او البرتقالية لا تحتوي على صباع الليكوبين الا بالنزر اليسير. لقد تم عزل صباغ الليكوبين من الطماطم في نهاية القرن التاسع عشر، لكن معرفة خصائص هذه المادة وصفاتها لم تنجز الا في اواسط القرن العشرين، وفي نهاية التسعينات من القرن الماضي ازدادت شهرة صباغ الليكوبين بعدما لعبت الشركات الكبرى الصانعة لعصائر البندورة دوراً كبيراً في تعريف الجمهور على خواص الليكوبين العلاجية الطبيعية، وتعتبر البندورة المطهية الاغنى بهذه المادة التي لا تتأثر بحرارة الطبخ، بل على العكس فإنها تصبح سهلة الامتصاص والامتثال خصوصاً اذا طُهيت البندورة مع قليل من الزيت. هناك العشرات من الدراسات والابحاث التي اشارت الى اهمية صباغ الليكوبين الوقائية من السرطان والامراض القلبية والوقائية. ففي العام الأخير من القرن الماضي قام باحثون اميركيون بإلقاء نظرة على سبعين دراسة لمعرفة العلاقة بين استهلاك البندورة وخطر الاصابة بالسرطان فوجدوا ان نتائج 35 منها كانت ايجابية على صعيد الوقاية من سرطان البروستاتة والرئة والمعدة. في المقابل اشارت دراسة حديثة الى ان صباغ الليكوبين مفيد للجهاز التنفسي بأكمله. اما في ما يتعلق بالامراض القلبية الوعائية فالنتائج كانت اقل اهمية الا انها معقولة. ففي دراسة طاولت 33 شخصاً سجل العلماء علاقة طردية بين مستوى صباغ الليكوبين في الدم وقلّة الاصابة بداء تصلّب الشرايين الذي يمهّد للاصابة بالامراض القلبية الوعائية. وبدورهم اوضح باحثون ايطاليون في دراسة نشروها اواخر الصيف الماضي منافع البيتزا في الحماية من السرطان والامراض القلبية والوعائية، اما السر فيكمن في احتوائها البيتزا على البندورة المطبوخة التي تعج بصباغ الليكوبين اضافة الى زيت الزيتون. ومن ناحية اخرى افاد باحثون اميركيون بأن الاشخاص الذين يتناولون حصة واحدة يومياً على الاقل من الاطعمة الحاوية على البندورة كالبيتزا مثلاً فإن هذا السلوك يدفع عنهم خطر الاصابة بالامراض القلبية الوعائية بنسبة 30 في المئة، وعزا البحاثة هذه الحماية الى صباغ الليكوبين. وبيّنت دراسة اخرى نفّذها باحثون من جامعة هارفارد ان النساء اللاتي يأكلن البندورة كل يوم انما يحمين انفسهن من شر الازمات القلبية والدماغية. الدراسة شملت قرابة 40 ألف امرأة واستغرقت سبع سنوات ظهر بعدها للباحثين ان النسوة اللاتي استهلكن 7 مرات في الاسبوع وجبات تحتوي على البندورة كن اقل تعرضاً للاصابة بالازمات القلبية الوعائية بنسبة 30 في المئة بالمقارنة مع النسوة اللواتي لم يأكلن البندورة سوى مرة في الاسبوع. اما النساء اللاتي تناولن البيتزا او صلصة البندورة بمعدل مرتين فقط في الاسبوع فاستفدن هن الاخريات من الأثر الواقي للبندورة. السؤال المطروح هو: ما السر الذي يجعل صباغ الليكوبين يحمي من الامراض؟ الواقع انه حتى الآن لم يستطع البحاثة ان يحصلوا على اجماع على هذا الامر، وهناك تفسيرات شتى حول الاثر الواقي لليكوبين. التفسير الاول يقول انه يملك فعلاً مضاداً للاكسدة وهذا ما يجعله نداً عنيداً للجذور الكيماوية الحرة التي تحاول العبث بخلايا الجسم لالحاق الاذى والضرر بها مؤدية الى الاصابة بالعديد من الامراض، ولكن لحسن الحظ هناك من يقف لها بالمرصاد، وصباغ الليكوبين يعتبر واحداً منها ان لم يكن اهمها. اما التفسير الثاني حول الاثر الواقي لليكوبين فيرجع الى قدرته على الحد من تشكل الكوليسترول وهذا ما يؤدي الى خفض مستواه فينعكس ايجابياً على صحة القلب والشرايين. يبقى التفسير الثالث والاخير، واصحاب هذا التفسير يقولون ان الليكوبين لا يعمل لوحده في رد الامراض بل هناك عناصر اخرى في البندورة لها شأنها في هذا المجال. فالمعروف ان البندورة غنية بالفيتامين C والفيتامين E، اللذين يملكان خواص مضادة للاكسدة لها مكانتها على صعيد الوقاية من الامراض. بقي علينا ان نعرج على نقطة مهمة جداً وهي ان السنوات الاخيرة شهدت انطلاق مكملات غذائية غنية بصباغ الليكوبين، ولم يتورع صانعوها عن القول بأنها افضل من البندورة في ابعاد شبح الاصابة بسرطان البروستاتة. ومن اجل وضع النقاط على الحروف شرع باحثون من جامعة اوهايو الاميركية بدراسة طاولت 194 من الفئران الذكور المصابة بسرطان البروستاتة ووزعت هذه الى 3 مجموعات الاولى اضيف الى غذائها المعتاد بودرة البندورة، اما المجموعة الثانية فدعم غذاؤها بصباغ الليكوبين في حين ان المجموعة الثالثة لم يضف الى غذائها شيء. ومرت اربعة اسابيع على هذا المنوال توصل البحاثة بعدها الى ان البندورة افضل بكثير من صباغ الليكوبين لوحده في الوقاية من سرطان البروستاته، وبناء عليه فلا داعي للهاث وراء المكملات الغذائية الغنية بالليكوبين خصوصاً انها باهظة الثمن