هل تحصل المعجزة لدى عرب اسرائيل فلسطينيو 48 ويتحدون رغما عنهم، في تحالف حزبي واحد او اثنين على الاكثر ؟ وهل الامر الذي بدا حتى الآن مستحيلا، سيصبح حقيقة ملموسة؟! وهل سيتم ذلك فعلا بسبب قرار عنصري لا ديموقراطي اتخذته لجنة برلمانية بغالبية يمينية متطرفة؟! أجل، هناك امكانية واقعية جداً لتحقيق هذه الوحدة اخيراً، وذلك بفضل القرار العنصري الذي اتخذته لجنة الدستور والقضاء والقانون في الكنيست ويقضي برفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست من 1.5 في المئة حتى الآن الى 2 في المئة في الانتخابات المقبلة. وجاء هذا القانون في اطار الاحتكار السياسي للاحزاب الكبرى الليكود والعمل وشينوي التي تحاول التخلص من الاحزاب الصغيرة. لكن هناك من يرى فيه هدفاً اساسياً هو التخلص من التمثيل العربي في الكنيست. حيث ان اليمين لم يخف هذه الرغبة في تاريخه السياسي. ويتحدث نوابه المتطرفون علناً عن ضرورة استبعاد العرب من مركز القرار في القضايا الكبرى. ويقترحون ان تسن القوانين الاساسية باكثرية 60 في المئة بدلا من 51 في المئة، حتى لا يكون للنواب العرب وزن حاسم في القضايا المصيرية. ويطالبون بان تكون نسبة الفوز في الاستفتاء الشعبي بخصوص اتفاقية السلام او الانسحاب من غزة 61 في المئة، حتى لا يكون للجمهور العربي وزن حاسم وهكذا. والمعروف ان نسبة العرب في اسرائيل تبلغ 17.5 في المئة من السكان الاحصاءات الرسمية تقول 19 في المئة. لكنها تشمل سكان القدس العربية وهضبة الجولان المحتلتين منذ العام 1967. لكنهم يشكلون نسبة 12 في المئة فقط من اصحاب حق الاقتراع للكنيست، بسبب نسبة الاطفال العالية لديهم. كما ان نسبة الاقتراع لديهم منخفضة. في الدورة الحالية للكنيست الاسرائيلي هناك ثلاث قوائم عربية و8 اعضاء في الكنيست السابقة تمثلت القوائم العربية بعشرة اعضاء القائمة الموحدة، برئاسة عبد المالك دهامشة من الحركة الاسلامية، ولها عضوان. و"التجمع" برئاسة عزمي بشارة ولها 3 اعضاء، وتحالف "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة" مع "الحركة العربية للتغيير" برئاسة محمد بركة ولها 3 اعضاء. ويعكس التمثيل الحالي للقوائم التيارات السياسية البارزة في الوسط العربي والتي تختلف من حيث المبادئ والمواقف. وحسب الوضعية الحالية لهذه القوائم والاحزاب فان عراقيل كثيرة ستقف أمام تشكيل ائتلاف اوتقليص عدد القوائم العربية التي ستخوض الانتخابات المقبلة الى واحدة او اثنتين، كون المواقف السياسية تلعب دوراً مهماً في الموضوع اضافة الى الصراعات والخلافات المتجذرة بين هذه الاحزاب. وبشكل عام تتخذ الاحزاب العربية مواقف متشابهة في القضايا الكبرى مثل قضية السلام والمساواة. لكنها تختلف في المنطلقات والطروحات وفي بعض الاحيان في الايديولوجيا، وهي مقسمة على النحو الآتي: التيار اليساري الماركسي: ويقوده الحزب الشيوعي، الذي اقام منذ سنة 1977 جبهة وطنية عربية يهودية ، لكن هذه الجبهة ضعفت كثيراً. ويتمثل هذا التيار حاليا بالنائبين محمد بركة وعصام مخول ويتحالف مع الحركة العربية للتغيير بقيادة النائب احمد الطيبي. وهو يؤيد السلام العربي الاسرائيلي والعلاقات العربية اليهودية ويؤمن بالتعايش. التيار الاسلامي: ويمثل الحركة الاسلامية، لكنه يخوض المعركة الانتخابية ضمن سياسة تحالفات. ومقسم الى حركتين. القسم الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح وهو الذي يخوض الانتخابات البلدية فقط. وينشط سياسياً من خلال الإعلام واثارة قضايا تتعلق بالمسجد الاقصى وبالاماكن المقدسة المهملة في اسرائيل. ويرفض مبدئيا خوض انتخابات الكنيست لأنه لا يريد ان يكون شريكاً في ادارة الدولة العبرية. والقسم الثاني هو الحركة الاسلامية في الجنوب بقيادة الشيخ عبدالله نمر درويش الذي اسس الحركة وقادها حتى انقسامها، والشيخ ابراهيم صرصور الذي يقودها اليوم. في آخر ثلاث معارك انتخابية خاضت الحركة الاسلامية الانتخابات سوية مع الحزب الديموقراطي العربي، متمثلة بالنائبين عبدالمالك دهامشة وطلب الصانع . ويطرح التيار الاسلامي في اسرائيل هو ايضا برنامجا "اسلاميا" ويتحدث عن التعايش، ولكن من خلال تأكيد الجانب الاسلامي. وبرنامجه السياسي في اطار القائمة الموحدة قريب من برنامج الحزب الشيوعي، على رغم الخلافات العقائدية. التيار القومي : أصابه التشرذم والصراعات. ويضم كلا من "التجمع الوطني" بقيادة عزمي بشارة، و"الحزب الديموقراطي العربي" و"الحزب القومي العربي" و"الحركة العربية للتغيير" و"الجبهة الوطنية". وكما نلاحظ فان كل حزب منه يخوض المعركة الانتخابية في اطار تنظيم او حركة خاصة به. وتتشابه طروحات التيار القومي باستثناء "التجمع الوطني" الذي يشدد على ضرورة ان يحظى العرب في اسرائيل بالاعتراف كأقلية قومية تتمتع بادارة ذاتية ثقافية. في الانتخابات الاخيرة خاض التجمع الانتخابات منفرداً، وهو يتمثل بأعضائه الثلاثة عزمي بشارة وجمال زحالقة وواصل طه. وعلى مدار عشرات السنين واجه النواب العرب حملة يمينية لاضعافهم واجهاض قدرتهم على خوض الانتخابات وجرت محاولات للتشكيك في اخلاصهم للدولة العبرية. كما طرحت عشرات الاقتراحات على لجنة الانتخابات المركزية لالغاء الاحزاب العربية. ومع تصعيد اليمين الاسرائيلي فان مثل هذه السياسة لم تعد تقتصر عليه انما وصلت الى مؤسسات الدولة المختلفة، مثل المستشار القضائي للحكومة الذي يعتبر أعلى هيئة في النيابة، والى الوزارات والدوائر الحكومية ذات العلاقة مع العرب. فقد ظهرت مبادرات سابقة ترمي الى تقديم نواب عرب الى المحاكمة، مثل عزمي بشارة واحمد الطيبي ومحمد بركة وعبد المالك دهامشة بسبب تصريحات سياسية اطلقوها كما جرت محاولات لالغاء قائمة "التجمع" بسبب تصريحات سياسية للنائب بشارة، واخرى بعد اعتقال شقيقين نشيطين في "التجمع" للاشتباه بتعاونهما مع "حزب الله" لتنفيذ عمليات استشهادية داخل اسرائيل، وجرت محاولات كهذه ضد الحركة الاسلامية والحركة العربية للتغيير ايضا. وفي الاجواء اليمينية العنصرية، المترافقة مع التدهور والتوتر الامني في المناطق الفلسطينية المحتلة، يعتبر وضع العرب في اسرائيل قنبلة موقوتة. وبدلا من قيام الحكومة بمعالجة جذرية لهذا الوضع، فان اليمين يزيده تعقيدا بواسطة هجومه على الاحزاب العربية، الامر الذي يجعل هذا الهجوم اعمق واخطر بكثير مما يظهر من الصراع على القوائم الانتخابية. ومع اقرار رفع نسبة الحسم الى 2 في المئة فان المعركة ضد هذه القوائم باتت شرسة وعلنية. وجاءت ردود ممثلي هذه القوائم على القرار بالتأكيد على ان القرار هو يميني متطرف. النائب عبد المالك دهامشة، ومع تأكيده على خطورة القرار وما يحمله من مواقف يمينية وعنصرية الا انه يرى اليوم ان الحاجة باتت تتطلب الوحدة بين القوائم العربية، وعدم ذلك سيؤدي الى انخفاض اكبر للتمثيل العربي في البرلمان الاسرائيلي، "اذا كان من الصعب على قائمة علمانية ان تتحد معنا كقائمة اسلامية فعلى الاقل تتحد القائمتان العلمانيتان". يقول دهامشة. ويرى دهامشة في قرار رفع نسبة الحسم اجراء يمينيا تعسفيا يستهدف اولا القوائم العربية، وهو غير ديموقراطي لمنع حرية تعبير المواطنين لقوائم صغيرة مثل قائمة عمير بيرتس، العمالية. فحسب القرار قد يصل عدد اصوات كل مقعد الى 66 الف صوت. وحسب الدهامشة، فإنه في الانتخابات الاخيرة أدى عدم توحيد القوائم العربية الى خسارة 14 الف صوت من العرب، ويقول: "نحن في القائمة العربية الموحدة سعينا الى الاتفاق والتحالف مع بقية القوائم، وآخر مرة كانت المحادثات طويلة مع الجبهة، ولكننا لم نتوصل الى اتفاق ما أدى الى حرق الاف الاصوات مما منعنا من تمثيل اكبر في البرلمان". ويضيف الدهامشة: "اذا اردنا ان نفكر بالطريقة السليمة ولمصلحة شعبنا، فحتى وان لم يكن هنالك اي خوف من سقوط احدى القوائم فالاولى بنا ان نتوحد بقائمة واحدة فمصلحة وضرورة خدمة شعبنا تتطلب منا ان نكون اقوياء لمواجهة هذه السياسة الخطيرة والمتصاعدة يوميا. فمن يريد مواجهة هذه السياسة عليه ان يكون قويا والوحدة هي اساس القوة". وحسب توقعات الدهامشة فان الجهة الديموقراطية ستعود وتتوحد مع "التجمع الديموقراطي" ويقول: "على رغم ان هناك خصومات واضحة بين القائمتين الا انهما سيجدان أنفسهما اقرب من التوحد من الحركة الاسلامية . فقط ان وجد الجميع انفسهم امام خيارين اما السقوط واما التحالف مع الموحدة الاسلامية فسيختارون التحالف معنا. ومن جهتنا نرى كل وحدة مهمة وضرورية، وضمان اكبر تمثيل عربي في البرلمان الاسرائيلي سيبقى الامر الاساسي. النائب محمد بركة، رئيس قائمة "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة" يقول: "قرار رفع نسبة الحسم يستهدف القوائم العربية ويدرج ضمن السياسة الاسرائيلية الهادفة الى اضعاف التمثيل العربي في البرلمان ولكن ليس هذا فقط . فهذا القرار هو احد المساعي الموجودة لدى الاحزاب الكبيرة للاستفراد بالسلطة ومنع مجموعات داخل المجتمع الاسرائيلي من ان تتمثل في البرلمان. فالمجتمع الاسرائيلي هو مجتمع اقليات وكل الحديث عن اليهود بأنهم اكثرية هو غير صحيح لأن اليهود غير متجانسين، لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا ثقافيا. فهناك اقلية كبرى روسية وهناك اقلية اثيوبية واخرى اشكنازية ومتدينون ارثوذكس وهناك اقلية عربية وهي اقلية قومية، لذلك فان قرار رفع نسبة الحسم يستهدف، الى جانب ضرب الوسط العربي وممثليه واحزابه، فئات اجتماعية مضطهدة داخل المجتمع الاسرائيلي ومنعها من ان تتنظم على اساس اقتصادي اجتماعي، ويريدون ان يكون التمثيل للاحزاب الكبيرة التي تمثل الشرائح الاكثر غنى وثراء، خصوصاً ان هنالك هجمة على الاحزاب وتمويلها من قبل الدولة وحسب القانون فامكان التبرع والدعم لاحزاب من مصادر خاصة متوفر وهذا تضمنه الاحزاب الكبيرة فيما تجد الطبقات الضعيفة صعوبة في مواجهة اخطبوط الاموال التي تندس الى السياسة وكلنا نذكر الفضائح المرافقة لشارون وسلطته ووصوله الى رئاسة حزبه وثم الحكومة"