خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    «خدعة» العملاء!    جرائم بلا دماء !    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    عاد هيرفي رينارد    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    لماذا فاز ترمب؟    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    مقياس سميث للحسد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة تطلب تعاون أوروبا ل"ضبط" العالم النظام العالمي الجديد "بوليسي" أميركي !
نشر في الحياة يوم 12 - 01 - 2004

كانت الولايات المتحدة تتغنى دائماً بحقوقها الدستورية كأهم ديموقراطيات العالم، وتتباهى بما يقدمه دستورها من حريات: حرية الكلمة وحرية الصحافة. وهكذا فعلت وتفعل دول "القارة القديمة"، المستندة الى شرعة حديثة على الاطلاق، وهي شرعة حقوق الانسان.
لكن مصالح الدول الكبرى، خصوصاً في ما يتعلق بسيطرتها وأمنها، تظهر هشاشة كثير من القوانين التي تحمي هذه الحريات، حتى أقدمها عراقة على الإطلاق. وهذا ما بدأ يحدث في الولايات المتحدة، التي لها صولات وجولات قديمة في مجال خرق الحريات، وكذلك في أوروبا التي بدأت تحذو حذوها، ولو بخفر واضح.
أحدثت هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 شرخاً كبيراً في مجال احترام حقوق الافراد. وفجأة، وتحت غطاء "الحرب العادلة" ضد الارهاب، أصبح خرق الكثير من هذه الحقوق المكتسبة أمراً مسموحاً به. وفي شكل مفاجئ أيضاً، ولإنجاح حربها على أفغانستان الطالبانية، عقدت الولايات المتحدة تحالفات مع زعماء كانت تعتبرهم في الأمس القريب جداً أشخاصاً غير مرغوب بهم، كالجنرال برويز مشرف في باكستان، أو ديكتاتور أوزباكستان اسلام كاريموف. ولم تسمع، في كل الحالات، أصوات المدافعين عن الحريات الأساسية التي ضربت بها عرض الحائط. فاختفت، وفي شكل سريع، حقوق كانت حتى الأمس تعتبر أساسية على الساحة السياسية، بينما بدأت دول ديموقراطية عدة تتراجع كثيراً في ما يتعلق بالحقوق والحريات.
هذا ما أظهرته عاصفة الاجراءات التعسفية المتخذة في الولايات المتحدة، حيث اعتمدت سريعاً "عدالة" جديدة، بقيام وزير العدل جون أشكروفت بدفع ادارات وزارته الى اصدار قانون جديد ضد الارهاب، وهو ما سمي ب"قانون المواطنية" الذي يسمح بتوقيف المشتبه بهم مدة غير محددة، وبنقلهم الى أماكن مجهولة وسجنهم في غرف انفرادية ومراقبة مراسلاتهم ومحادثاتهم الهاتفية واتصالاتهم عبر شبكة الانترنت، وتفتيش منازلهم من دون إذن قانوني، وإبقائهم قيد التوقيف والتحقيق وحرمانهم من حقوقهم الأساسية كالاتصال بالعالم الخارجي وتقديمهم الى المحكمة وغيرها. وعلى رغم أن المحاكم الأميركية مخولة كلياً بت هذه الأمور، إلا أن الرئيس جورج بوش الابن قرر، في تشرين الثاني نوفمبر 2001، انشاء محاكم عسكرية، ذات صلاحيات خاصة، لمحاكمة الأجانب المتهمين بالارهاب. وتصدر الأحكام في هذا المجال عن هيئة من كبار الضباط، لا ضرورة فيها للتصويت بالأكثرية في حال الحكم بالإعدام، ولا رجوع عن الحكم في أي حال من الأحوال. كما يجرى التنصت على محادثات المتهم مع محاميه، وتبقى الاجراءات القانونية سرية وكذلك تفاصيل المحاكمة، وقد لا يفرج عنها إلا بعد عقود طويلة. حتى ان المسؤولين في مكتب التحقيقات الفيديرالية اف بي آي اقترحوا نقل بعض المتهمين الى بلدان "صديقة" حيث تعذيب المتهمين أمر عادي، للسماح للمحققين المحليين باستجوابهم. والغريب ان اعلاميين ساروا في ركب المطالبين بالتعذيب، وبشكل صريح. فالمعلق الجمهوري على شبكة CNN، تاكر كارلسون طالب بتعذيب المتهمين بالإرهاب للحصول منهم على الاعترافات المطلوبة. وكذلك "ذكَّر" ستيف شابمان في "شيكاغو تريبيون" بأن دولة "ديموقراطية" كإسرائيل تعتمد التعذيب النفسي والجسدي على 85 في المئة من السجناء الفلسطينيين.
في الوقت نفسه تقوم الولايات المتحدة بوضع قانون جديد، قد يصبح نافذاً في أواسط العام الجاري، يقضي بغربلة المسافرين، وتحديد مستوى "خطورتهم"، للسماح لهم بالصعود الى الطائرات أو منعهم من ذلك. وهكذا تحدد هذه الخطورة بلون من ألوان ثلاثية. الأخضر للذين لا يشكلون اي خطر، وبالتالي لا يتعرضون لأي ازعاج. والأصفر، وهو اللون الذي يعطى للمسافرين الذين قد يشكلون احتمالاً ممكناً لخطر ما، وهم في أكثريتهم من البلدان العربية والإسلامية. والأحمر، ويتعلق بالمسافرين الذين يجري منعهم في شكل حاسم من الصعود الى الطائرات، باعتبارهم يشكلون خطراً أكيداً على السلامة العامة. ويندرج سكان أميركا اللاتينية في القائمة الأميركية السرية. إذ تبين ان 65 مليون مكسيكي و31 مليون كولومبي و18 مليون مواطن من بلدان أميركا الوسطى أدرجت أسماؤهم على اللوائح الأميركية، خفية عنهم ومن دون موافقة حكوماتهم. ولكل منهم بطاقة خاصة سُجّل عليها تاريخ ومكان ولادته، وجنسه، وهوية والديه، ووصف جسدي له، وسجله المدني ورقم جواز سفره وعمله المعلن. كما يمكن أن تحوي هذه البطاقات معلومات شخصية أخرى كالعناوين الشخصية، وأرقام الهاتف والحسابات المصرفية وأرقام تسجيل السيارات وبصمات الأصابع. وهكذا يصبح الأميركيون - اللاتينيون "مُفيّشين" شيئاً فشيئاً على اللوائح الأميركية السرية.
وعلى رغم أن الإدارة الاميركية أعلنت أنها قامت بتعديلات على القانون المذكور، إلا ان هذه التغييرات جاءت لتجعل من القانون الجديد أشد قسوة من الأول، وهو ما سمي أخيراً "قانون المواطنية - 2". وفي هذا المجال، بدأت السلطات الأميركية تطبيق نظام جديد، منذ الخامس من كانون الثاني يناير 2004، على الداخلين الأجانب الى البلاد من حملة التأشيرات. فأصبح على هؤلاء، لدى وصولهم الى المطارات والموانئ الأميركية، وضع سبابتهم اليمنى واليسرى فوق قارئ الكتروني، والسماح بالتقاط صور فوتوغرافية لهم. ويهدف هذا الاجراء، المسمى "زيارة الولايات المتحدة" الى التأكد من أن الأشخاص الذين يدخلون البلاد هم أنفسهم الذين حصلوا على تأشيرات دخول مسبقة. ويتعلق القانون الجديد بكل الأشخاص الذين يقومون بزيارة الولايات المتحدة وبحوزتهم تأشيرة سياحية أو دراسية أو صحافية أو للعمل، أي ما يوازي 24 مليون شخص في السنة. ويندرج الاجراء الجديد ضمن مجموعة كبيرة من الاجراءات الاحترازية، التي هي قيد التطوير والمسماة "نظام المراقبة الوقائية بمساعدة الكومبيوتر - الرقم 2" التي ستحل مكان النظام الرقم 1 السابق.
وقد تبين ان ادارة أمن المواصلات الفيديرالية الأميركية، التي تعمل ضمن وزارة الأمن الداخلي المستحدثة أخيراً، مخولة منذ العام 1996 استخدام لائحة من المشتبه بهم، يشكلون خطراً، كالقرصنة الجوية أو الارهاب أو تهديداً لشركات الطيران وسلامة الركاب. واعترفت الادارة الأميركية بذلك عام 2002 بعدما كانت أنكرت لمدة طويلة وجود الاجراء المذكور. وعلى رغم زيادات متواصلة على هذه اللائحة السوداء، فإن نظام المراقبة الوقائية في نسخته الأولى تخطاه الزمن اليوم، خصوصاً أنه لم يمكّن السلطات من اعتراض خاطفي طائرات 11 أيلول. لذلك يجرى العمل في شكل جدي ومتواصل على النسخة الثانية منه، والتي تعتبر أكثر تطوراً وتعقيداً من النسخة الأولى. ذلك انه لا يكتفي بكشف هوية الأشخاص الذين قد تكون اسماؤهم مدرجة على لائحة المشتبه بهم أو الارهابيين المحتملين، بل يحصر كثيراً عمليات التفتيش الاعتباطية، والالتباس بين أسماء متشابهة. والمعلوم اليوم ان 15 في المئة من المسافرين يخضعون لتفتيش ومراقبة مشددة. وستتناقص هذه النسبة في شكل ملحوظ مع النظام الجديد، الذي يقوم بفرز فردي لكل مسافر، بالتحقق من هويته ومقارنتها مع مجموع معطيات مختلفة. فتتلاقى أوتوماتيكياً المعلومات المجمعة لدى أجهزة الاستخبارات ووزارة العدل، وتجرى مواجهتها بسرعة لإعطاء حكم ما على مدى خطورة أحد المسافرين. ويؤكد أحد المطلعين على المشروع ان شركات خاصة عدة تعمل في مجال توثيق المعلومات، ستزود ادارة امن المواصلات الفيديرالية معلومات مصرفية عن المسافرين الأميركيين.
وعلى رغم أن هجمات 11 أيلول زادت من حدة العنصرية الأميركية ضد الأجانب، الا أن هؤلاء ليسوا وحدهم تحت مجهر المراقبة المتزايدة، مع العلم انهم فقدوا كل حقوقهم الأساسية التي تمنحهم اياها قوانين الدول الديموقراطية، من خلال التوقيف الاعتباطي لمجرد الاشتباه بهم، ومنعهم من المحاكمة لمدة طويلة وطردهم من البلاد استناداً الى تهم تبقى سرية، وفي غالب الأحيان بأمر من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيديرالي، اللذين لا يكتفيان بملاحقة الجواسيس والمجرمين، بل يدعمان الايديولوجيا الرسمية في خدمة الادارة. ومن خلال هذا "الحكم البوليسي" الجديد، أصبح المواطنون الأميركيون أنفسهم تحت مجهر "العدالة" المتجددة، ذلك ان "قانون المواطنية" يسمح لأجهزة الدولة بمراقبتهم باستمرار، والتدخل في حياتهم الخاصة، وانتهاك سرية المراسلات وحرية الاعلام من دون إذن مسبق، فرجال "اف بي آي" طلبوا مثلاً من المكتبات العامة تزويدهم لوائح عن الكتب ومواقع الانترنت التي يقوم زبائنها بقراءتها، وذلك بهدف تكوين "صورة عن اهتمامات القراء الفكرية".
لكن اكثر مشاريع "التجسس" جنوناً هو المشروع الذي تعده وزارة الدفاع والذي أطلق عليه اسم "نظام مراقبة المعلومات العامة" والذي أوكلت قيادته الى الأميرال السابق جون بوينتدكستر، الذي خطط عام 1980 لعملية "ايران - كونتراس" انظر الإطار تحت.
في المسار نفسه، وعلى ضوء "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، قامت دول أخرى أهمها مجموعة دول نظام شنغن الأوروبية، بتدعيم أنظمتها البوليسية في شكل يتعارض أحياناً مع قوانينها. وتجمعت المعلومات المحظورة مبدئياً في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، في مبنى محاط بنظام أمني متطور لحماية الكومبيوتر الضخم المؤتمن على أسرار "نظام معلومات مجموعة دول شينغن"، الذي يشبه الى حد بعيد النظام الأميركي الجديد. وطلبت الولايات المتحدة قبل فترة من المجموعة الأوروبية تزويدها المعلومات التي في حوزتها لتدعيم نظامها الجديد، في ما يخص الأشخاص غير الأميركيين، في شكل مباشر ومستمر.
وبانتظار الحصول على المعلومات السرية التي يحفظها الكومبيوتر الأوروبي، تطالب ادارة الرئيس بوش الاتحاد الأوروبي بالسماح لشركات الطيران الأوروبية بتمكين الجمارك الأميركية من الدخول في شكل مستمر على لوائح الحجوزات والمعلوماتية، التي تحتوي على معلومات كثيرة شخصية، بعضها "شديد الحساسية"، حسب السلطات الأوروبية المعنية بحماية المعطيات. والمعروف أن حوالى 25 شركة طيران عالمية معروفة فتحت للسلطات الأميركية لوائح حجوزاتها منذ السنة الماضية. ولا يسمح الاتفاق الثنائي "الموقت" للأجهزة الأميركية باستخدام اللوائح المذكورة في اطار نظام المراقبة الوقائية الذي تقوم بتطويره.
ان ما يخشاه المدافعون عن الحقوق العامة، أن يصل اسم أحد المسافرين المصنفين بالرمز الأصفر مثلاً، من دون أن تكون ثبتت عليه أية تهمة، الى وكالات حكومية أميركية أخرى، أو الشرطة، أو وكالات الاستخبارات. وما يزيد المخاوف طلب ادارة أمن المواصلات الأميركية الحصول على هذه المعلومات، لاستغلالها في "نظام المراقبة الوقائية - 2" الجديد، الذي من المنتظر أن يوضع قيد التنفيذ منتصف السنة الحالية. وتحوي اللوائح الأوروبية، زيادة على أسماء المسافرين وعناوينهم، معلومات عن هوياتهم وعناوينهم المصرفية والأطعمة التي يفضلونها أو يرفضونها والتي قد تبين انتماء دينياً معيناً. كما تدرج ضمن اللائحة الخدمات التي يطلبها المسافرون كاستئجار السيارات وحجز غرف في الفنادق وغيرها. وبحثت قضية اقامة "مصافٍ" للمعلومات، تمنع الأميركيين من الولوج الى المعلومات الحساسة. إلا أن هذا الأمر يتطلب استثمارات ضخمة وتطويراً كبيراً لا يمكن تأمينها الا بعد أشهر عدة.
هكذا أصبح في إمكان الولايات المتحدة الحصول على المعلومات التي تشاء، من أي دولة أوروبية تقريباً ومن دول كثيرة أخرى، لملاحقة أي شخص تعتبر انه قد يشكل خطراً على أمنها، ومن دون أي اثبات. ويعطي القانون الأميركي الجديد لرئيس الولايات المتحدة ولوزير العدل سلطات غير محدودة، تتعارض مع الحق العام، تمكنهما في أي لحظة من وضع العصي في دواليب الاجراءات القانونية أو القضائية وإيقافها كلياً، وتوقيف أي شخص من دون تهمة واضحة، والسماح باستجوابات سرية، وتقليص امكان الاستعانة بمحامين للدفاع، والحلول محل القضاة الرسميين، وإبقاء المشتبه بهم قيد التوقيف لمدة غير محددة، وذلك بواسطة أجهزة الدولة البوليسية التي بدأت شيئاً فشيئاً تحل محل اداراتها القانونية.
إضافة الى ذلك، اصبحت الرقابة الرسمية منتشرة بشكل فاضح. وظهر ذلك بشكل لم يسبق له مثيل خلال الحرب على افغانستان، اذ طلب البيت الأبيض من أكبر خمس شركات تلفزة اميركية عدم بث رسائل اسامة بن لادن واعضاء تنظيمه، مؤكدة ان رسائله تحتوي على مقاطع مرمزة. وعلى رغم عدم فاعلية الإجراء المذكور، انصاعت الشبكات الاميركية للطلب.
لقد عرف التاريخ الحديث اجراءات أمنية ضخمة في بعض مراحله، لكن ذلك حدث خلال أزمات حادة كانت تتطلب اتخاذ اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة، انما محددة في الزمن. وحدث ذلك في الولايات المتحدة نفسها وفي أماكن اخرى من العالم. لكن دروس التاريخ واضحة، ففي زمن الهستيريا الجماعية والحروب وعدم الاستقرار تفقد القوانين الاستثنائية قيمتها المعنوية، خصوصاً اذا كانت القوانين تحد من الحريات وتنظر الى الماضي بدلاً من المستقبل
مراقبة 6 بلايين شخص
إن ما يجرى اليوم في الولايات المتحدة يشبه الانقلاب الصامت، الذي يوجه البلاد في شكل سريع نحو ما يمكن تسميته مجتمع المراقبة الدائمة، نظراً الى تزايد وسائل مراقبة المواطنين وتحديد هوياتهم بسرعة. فالسلطات الأميركية ستقوم قريباً ب"زرع" آلاف كاميرات المراقبة - وكذلك تفعل المؤسسات الخاصة لحماية ممتلكاتها - المتصلة بالشبكة الرئيسة وبقاعدة تجميع معطيات، تقوم بالتعرف الى الأفراد الذين قد يشكلون خطراً محتملاً، فتسمح ربما بتوقيفهم خلال ساعات، خصوصاً المجرمين منهم. ودخل تجار منطقة جورجتاون، في اشنطن، هذا العصر الجديد. ذلك ان كاميرات المراقبة التي يستخدمونها متصلة بمركز واحد تستطيع الشرطة الدخول اليه واستعماله. والمعروف أن هناك حوالى 11 مليون كاميرا مراقبة تعمل في الولايات المتحدة، وهي ليست إلا بداية لمشروع المراقبة المنتظر.
لقد سمحت وزارة العدل الأميركية، مرتكزة على "قانون المواطنية" الذي جرى التصويت عليه بعد أحداث 11 أيلول بقليل لتدعيم وسائل مكافحة الإرهاب، بالتنصت على المواطنين حتى في غياب أي نشاط لهم قد يشكل خطراً محتملاً. وهناك 77 في المئة من الشركات تقوم بمراقبة موظفيها الكترونياً وفي شكل دائم. وتضاعف هذا العدد مرتين منذ 1997. وسيرغم القانون الأميركي شبكات الهواتف النقالة، مع حلول عام 2006 على التمكن من التعرف سريعاً على زبائنهم وتحديد مواقعهم عند الضرورة. كما تقوم أكبر ثلاث مجموعات أميركية لصناعة السيارات بالعمل على نظام يمكنها من تحديد مواقع سياراتها عن بعد.
أما الأكثر جنوناً من بين هذه المشاريع فهو نظام TIA، أو Total Information Awarness، أي "الحذر المعلوماتي الكلي". ونظراً الى اعتراض المدافعين عن الحريات الشخصية، استبدلت كلمة Total بكلمة Terrorism، ليصبح المعنى "الحذر المعلوماتي في مواجهة الإرهاب". وسلمت ادارة هذا المشروع الى الأميرال السابق جون بوينتدكستر الذي كان مستشاراً أمنياً للرئيس رونالد ريغان، وهو أحد المتهمين في قضية "إيران - كونترا" تلك التي كانت تهدف الى بيع ايران اسلحة واستخدام العائد المالي في دعم ثوار نيكاراغوا عام 1980. ووجّه إليه الكونغرس يومها اتهامات عدة، من بينها إتلاف وثائق رسمية وإعاقة عمل العدالة.
لكن ذلك لم يمنع الادارة الحالية من وضعه على رأس مشروع سيسمح يوماً بتجميع مختلف المعطيات والمعلومات عن المواطنين الأميركيين، وكذلك عن مواطني العالم في وقت لاحق: أي المعلومات حول الضمان الصحي، وبطاقات الائتمان، و"أف بي آي"، والشرطة، ورخص قيادة السيارات، والحسابات المصرفية، والمستشفيات، وشركات التأمين والجيش، وشركات الاتصالات، والتجار، ومعطيات بيوميترية تبدأ بالبصمات لتنتهي بالحمض النووي الريبي DNA، وكل ذلك تحت عنوان "التعرف" الى إرهابيين محتملين.
ومن المنتظر ان يتوصل المشروع في أوجه الى تجميع حوالى 40 صفحة معلومات عن كل شخص من سكان العالم البالغ عددهم 2،6 مليار نسمة، توكل مهمة فرزها الى حاسوب ضخم، يبدو أمامه "بيغ بروذر" لعبة للأطفال. وينوي البنتاغون تتويج سيطرته على حياة الأفراد بالتوصل الى مراقبة شبكات الانترنت، لكن ذلك يتطلب ارغام الموزعين على وصل شبكاتهم بنظام مركزي موحد. وهذا أمر يحتاج تنفيذه الى امكانات كبيرة وسنوات طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.