الضحية ألاولى للحرب على العراق سقطت من دون شك. إنها الاتحاد الأوروبي، على رغم أن اسبانياوبريطانياوايطاليا لا تعترف بذلك، ما يطرح السؤال: إلى متى سيظل رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه ماريا أثنار مستعداً للاستمرار في موقفه المؤيد للولايات المتحدة، وبالتالي للحرب على العراق؟ وإلى أي مدى بإمكانه أن يتابع سيره في الاتجاه المعاكس لشعبه حيث أن أكثر من 90 في المئة من الاسبان يرفضون الحرب التي ستحصل من دون شك، حسب "الرؤية الأميركية"؟ هل سيستمر في تخليه عن أوروبا لمصلحة الولاياتالمتحدة؟ وهل أن انشقاق أوروبا جاء نتيجة وقوف المانياوفرنسا ضد القرارات الفردية الأميركية؟ أم نتيجة وقوف المسؤول الاسباني الأول إلى جانب الولاياتالمتحدة وممثلتها في أوروبا، بريطانيا؟ بعد التراجع الطفيف الذي طرأ على موقف ايطاليا. قبل شهور قليلة لم يكن أثنار معروفاً في الأوساط الدولية مثل اليوم، فهو لم يكن سوى عضو عادي في نادي رؤساء الدول والحكومات الأوروبية الذي تحركه وتدير معظم قراراته فرنساوالمانيا، نظراً إلى وجود بريطانيا في منتصف الطريق بين أوروبا والولاياتالمتحدة. لكن لماذا اتخذ أثنار هذا الموقف؟ ولماذا هو بالذات؟ هل أخطأ التقدير أو أنه يبحث عن مكاسب؟ وما هي هذه المكاسب؟ وأين مصلحته ومصلحة بلاده من كل ذلك؟ وهل أن سبب ذلك فعلاً هو الحرص على أمن العالم، أم رغبته في أن "يلعب ضمن فريق من الدرجة الأولى" كما يقول؟ وهل أن ذلك يخرج اسبانيا من الهامش أم يهمشها؟ تساؤلات كثيرة مطروحة لا تزال أجوبة الحكومة الاسبانية عليها مبهمة أو غير مقنعة لأسباب عدة أهمها: كون اسبانيا إحدى آخر الدول الخمس عشرة من حيث انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهي ما زالت تتلقى حتى اليوم المساعدات الأوروبية الخاصة بالبنية التحتية، وعرابا اسبانيا لدخول الاتحاد كانتا فرنساوالمانيا. مفاخرة مدريد دائماً بصداقتها للدول العربية على رغم بعض الفتور أحياناً مع المغرب. لكن ذلك يدخل حكماً في إطار العلاقات الطبيعية بين الدول التي تتقاسم الحدود. وقد استعمل اثنار دائماً القضية الفلسطينية للتعبير عن تعاطفه مع العرب وقضاياهم. كونها عضواً فاعلاً بين الدول العاملة من أجل تقارب ضفتي المتوسط الجنوبية والشمالية. كما أنها عملت دائماً لمصلحة توافق الدول والشعوب من دون اتخاذ موقف مع دولة ضد أخرى حفاظاً على الحياد الذي منحها حق لعب الأدوار المهمة. اعتمادها على فرنسا في مساعدتها في ضرب منظمة "ايتا" الباسكية التي يلجأ أعضاؤها إلى مقاطعة الباسك الفرنسية ويديرون عملياتهم منها في معظم الأحيان. نتيجة هذه المساعدات تمكنت السلطات الأمنية الاسبانية من تقليص عمليات القتل والتفجير خلال السنوات القليلة الماضية، كما حققت هدفها بتضييق الحصار على الجهاز العسكري لمنظمة "ايتا" نتيجة مساعدة فرنسا لها بفعالية أكثر في مكافحة الإرهاب. شركة نفط اسبانيا "ريبسول" التي تمت خصخصتها عام 1997 كانت حتى الأشهر الأخيرة تقيم علاقات تجارية مع العراق وتتفاوض معه لتوسيع نطاق استثماراتها. وتعتمد اسبانيا في نفطها وغازها على الدول العربية، من الخليج حتى الجزائر. تحترم اسبانيا حقوق الإنسان والشرعية الدولية، وتقع جغرافياً وسياسياً في القارة الأوروبية التي تتشابك مصالحها مع الولاياتالمتحدة. بدعمها الحرب تتخلى اسبانيا عن دورها في بناء أوروبا الواحدة وعن علاقتها بجيرانها وأصدقائها العرب، وعن مصالحها في أميركا اللاتينية حيث تلعب دور الوسيط بين بلدانها وبين الاتحاد الأوروبي. كل هذه الأمور، إضافة إلى عوامل أخرى دفعت المحللين إلى البحث عن أسباب خفية لموقف حكومة اسبانيا الشعبية أو لموقف أثنار بالذات، الذي تؤكد بعض وسائل الإعلام الاسبانية أنه يملي آراءه في السياسة الخارجية ولا يضعها على بساط البحث أو المناقشة مع معاونيه. وبعضهم يقول إن الأمور قد تكون أفلتت من يد اسبانيا التي كانت تعتقد بأن فرنسا ستتراجع عاجلاً أو آجلاً أمام الولاياتالمتحدة، متهماً اثنار ب"قصر النظر السياسي". وفي السياسة النجاح له ثمن مقبوض… والفشل له ثمن مدفوع. فايهما سيكون من نصيب أثنار؟