يوم في سجن النساء، تبدو العبارة أقرب الى عنوان فيلم ميلودرامي، يقدم بطله على مغامرة لدخول السجن ويصور الحياة داخله. هذا في السينما، لكن الواقع يختلف، وقد ظلت سجون روسيا سراً غامضاً لفترة طويلة، وأثارت الكثير من الأقاويل حول ظروف الحياة فيها. وفي أول تحول من نوعه زارت "الوسط" احد سجون النساء قرب موسكو وقضت يوماً مع السجينات في أقسامه المختلفة، واطلعت على تفاصيل مثيرة عن طبيعة الحياة داخل السجن، بدءاً من "شيخات العنابر" اللواتي يفرضن سيطرتهن على باقي السجينات ويترصدن الوافدات الجديدات وانتهاء بتهريب المخدرات الى داخل السجن تحت سمع وبصر حراسه. توقف الباص الذي أقل عدداً من الصحافيين الاجانب في أول زيارة من نوعها الى سجن روسي قرب مركز "اصلاح وتأهيل النساء" في مدينة موجايسك على بعد 130 كيلومتراً جنوب العاصمة الروسية موسكو. وما ان انفتحت البوابة الحديد الضخمة حتى وجدنا أنفسنا داخل باحة السجن الذي كان الفارق كبيراً بين مظهره الصارم من الخارج والمشهد الذي يطالعك ما ان تخطو داخله. فالأشجار الخضراء وأحواض الزهور المنتشرة على الجانبين تنسيك للحظة طبيعة المكان، ليذكرك به ظهور مديرة السجن ايرينا كادرييفا التي كانت أعدت استقبالاً مفاجئاً لأول زوار أجانب تطأ أقدامهم أرض السجن. اقتادتنا كادرييفا الى غرفة في مبنى الإدارة فيها عدد من الطاولات التي حفلت بأصناف مختلفة من الفطائر والحلويات، وهكذا بدأت رحلة السجن بحفل شاي لم يكن متوقعاً. ايرينا كادرييفا "ورثت" المهنة عن والدتها التي عملت سنوات طويلة سجانة في السجن نفسه. وقضت الابنة الجزء الأعظم من حياتها داخل جدرانه. ومنذ اليوم الذي بدأت العمل فيه قبل زهاء 35 عاماً تدرجت في المناصب حتى تسلمت ادارة السجن في نهاية العهد السوفياتي. منذ كلماتها الأولى، أطلقت كادرييفا مفاجأة، فقد ذكرت انه بين السجينات ال1100 اللواتي يقضين فترات عقوبة مختلفة داخل السجن ثمة فتيات لا تزيد اعمارهن على 16 سنة، كما توجد مسنات تجاوز عمر اكبرهن 78 سنة. ويبدو الرقمان غريبين، فالقوانين الروسية لا تجيز سجن القاصرات، ناهيك عن استمرار حبس "الجدة" وهو الاسم الذي يطلق على السجينة المعمرة على رغم قرارات العفو المتتالية التي صدرت في السنوات الأخيرة. غير ان "المفاجأة" ما لبثت ان تلاشت، فالجدة قاتلة محترفة لا تشملها قوانين العفو، وابنة ال16 سنة كانت حاملاً عندما صدر عليها الحكم بالحبس ولذا لم ترحل الى سجن القاصرين. لكن هذه لم تكن المفاجأة الوحيدة في سجن النساء، فقد اعقبتها مفاجآت آخرى. المحطة الأولى بعد حفل الشاي كانت عنابر نوم السجينات، وهي غرف متشابهة في ترتيبها تضم كل منها من 20 الى 30 سريراً بطبقتين. ولم يكن ثمة ما يلفت الأنظار في الغرف التي كانت خالية من ساكناتها في هذا الوقت من النهار حيث تجمعت السجينات في ورشات الخياطة، عدا الترتيب الدقيق فيها، اذ ان الأسرة كانت مغطاة بشراشف بيضاء ناصعة والغرف نظيفة الى درجة تبعث على الريبة، اما الخزانات الصغيرة التي تتقاسم كل سجينتين واحدة منها فقد رتبت بعناية فائقة وبدا بوضوح ان ثمة اجراءات دقيقة اتخذت تحضيراً لزيارة "الضيوف الاجانب". في كل عنبر هناك "شيخة" لها سطوتها على باقي السجينات، وعادة تكون على علاقة جيدة بإدارة السجن التي كثيراً ما تحتاج الى "خدماتها". وتلجأ الإدارة الى "الشيخات" من أجل المساعدة في حل المشاكل الطارئة، اما على صعيد السجن كله فهناك "شيخة المشايخ" وهي تعد الحكم والقاضي بين السجينات في جميع العنابر، ولها الكلمة الفصل في حال نشوب خلاف بين "الشيخات". على بعد أمتار قليلة من عنابر النوم تقضي السجينات أوقات فراغهن في غرفة تسمى قاعة الراحة، وهي غرفة واسعة فيها عدد من المقاعد الدراسية ويتصدرها جهاز تلفزيون تتجمع حوله عادة السجينات المعفيات من العمل أو اللواتي يتمتعن بإجازة مرضية. وعندما أعلنت المشرفة ان "الضيوف وصلوا" كان زهاء عشر فتيات يتابعن فيلماً روسياً قديماً. أول لقاء مع السجينات كان مثيراً، وبدا ان بعضهن ارتبك أمام سيل الأسئلة التي انهمرت عليهن. سفيت 24 سنة من بلدة صغيرة في ضواحي موسكو أدمنت المخدرات منذ مراهقتها وصدر عليها حكم بالسجن ست سنوات في المرة الثالثة التي ألقي القبض عليها بتهمة التعاطي. وكانت تعديلات القوانين الروسية خلال السنوات الأخيرة خففت العقوبات بالنسبة الى المتعاطين حيث تتدرج العقوبة من دفع مخالفة مالية الى عقوبة السجن مع وقف التنفيذ حتى تصل الى السجن مع النفاذ. سفيت تخلت عن ترددها سريعاً وانطلقت تروي قصتها التي بدأت حسب وصفها مع تفتح أعينها على واقع اجتماعي جديد. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حيث "لا دراسة ولا عمل"، وقد تكون قصة سفيت واحدة من آلاف القصص المتشابهة التي هي نتيجة تدهور الأحوال المعيشية وغياب التسهيلات التي كانت الدولة السوفياتية تقدمها الى الشرائح الشبابية، ما دفع الى الاحباط، وفي أحوال كثيرة الاتجاه نحو المخدرات والسرقة. وحسب معطيات ادارة السجن، فإن زهاء 30 في المئة من نزيلاته تقل اعمارهن عن 25 سنة، واللافت ان غالبيتهن الساحقة يقضين فترات العقوبة لجرائم تتعلق بتعاطي المخدرات أو المتاجرة بها، وعموماً فإن انتشار ما يعرف ب"الجرائم الفادحة" التي يدخل في اطارها القتل ايضاً لقي تزايداً متصاعداً بين أوساط الشباب خلال العقد المنصرم، ويكفي القول ان سجن "جايسك" يضم زهاء 200 قاتلة، واكثر من نصف نزيلاته نشطن في مجال المخدرات، لكن الاسوأ من ذلك ان تعاطي المخدرات عبر الحقن يعد السبب الاساسي لتزايد انتشار الايدز في روسيا. ولم تكن مديرة السجن تدري انها ادخلت الرعب في قلوب الصحافيين حينما ذكرت بهدوء ان واحدة من بين كل عشر سجينات مصابة بالمرض القاتل. عموماً تفيد معطيات وزارة العدل ان زهاء نصف المساجين في روسيا والذين يقارب عددهم الاجمالي مليون نسمة يعانون أمراضاً مختلفة اكثرها انتشاراً الأمراض الجنسية وأمراض الجهاز التنفسي المختلفة. السجينة الثانية التي تحدثت اليها "الوسط" اسمها يوليا وعمرها 25 سنة، وهي فضلت عدم الافصاح عن جريمتها، لكنها قالت انها حكمت بسبع سنوات مرّ نصفها خلف جدران السجن، وانها اعتادت الحياة في سجنها وهي تحاول الاستفادة من وقت فراغها من أجل متابعة تحصيلها العلمي، بعدما كانت تركت المدرسة منذ المرحلة المتوسطة، كما تحاول تنمية موهبتها في الرسم وتحلم ان تغدو ذات يوم مصممة أزياء. واعترفت يوليا انها "خسرت الكثير بسبب الحماقات"، لكنها لا تريد التفكير في الماضي وتأمل في ان تسمح لها الظروف بالزواج وانشاء عائلة مستقرة. غير ان احلام يوليا تبدو صعبة المنال، وحسب تقديرات الخبراء فإن الغالبية الساحقة من المجرمين الذين يقضون فترات عقوبة في السجن يصعب عليهم الانخراط مجدداً في الحياة الطبيعية ويظلون رهناً بالأوساط التي أدت بهم الى ارتكاب جريمتهم. وتفيد دراسات وزارة العدل ان أغلب السجناء الذين تشملهم عادة قرارات العفو العام يعودون الى ممارسة نشاطهم السابق فور خروجهم من السجن، وان جزءاً كبيراً منهم يعود الى السجن خلال الشهر الأول فقط لصدور القرار. مع الاقتراب من ورشات الخياطة تتناهى الى الاسماع أصوات ماكينات تدور وهمهمات السجينات الخافتة التي لم تلبث ان تحولت الى صمت مطبق مع دخولنا الى احدى الورشات الضخمة التي تعمل فيها زهاء 800 سجينة على فترتين صباحية ومسائية، لأن الموارد المالية لا تكفي لشراء معدات كافية لتشغيل جميع السجينات في فترة واحدة. المشرفة المرافقة حذرت فوراً من التقاط الصور الفوتوغرافية من دون استشارة السجينات، وسرعان ما تبين انها كانت محقة، فسجينات كثيرات أشحن بوجوههن عن عدسات الكاميرا ولم يكن ذلك بداعي الخجل، فقد تبين ان العديد من السجينات لم يبلغن ذويهن عن المصير الذي قادتهن اليه الاقدار. الابتسامات التي تعلو وجوه السجينات فيها شيء من الغموض، ولا يصعب ان تقرأ فيها قليلاً من الحذر وكثيراً من الاستخفاف الذي يمكن تفسيره على انه اعتراض صامت على "تطفل الفضوليين على هموم الغير" حسبما حاولت ان توضح احدى المشرفات المرافقات. ورشة الخياطة عبارة عن قاعة ضخمة فيها صفوف من الماكينات. في إحدى الزوايا جلست سونيا 23 سنة التي كانت مدمنة مخدرات، وهي تنفذ حكماً بالسجن 3 سنوات بجرم التعاطي، انقضت منها سنة واحدة، وقد تركت دراستها مبكراً ولم تحاول تعلم أي مهنة. وسونيا سعيدة لأنها تمكنت أخيراً من اتقان الخياطة، وقالت انها ستعينها كثيراً بعد خروجها من السجن. ورداً على سؤال حول السلبيات التي تواجه السجينات في المركز، هتفت سونيا بسرعة "كل شيء هنا رائع" وبدت "كل شيء رائع" غريبة في هذا المكان، لكن لم يكن من الصعب فهم النظرة السريعة التي اختلستها سونيا نحو المشرفة القريبة منها قبل ان تضيف بعد لحظة تردد قصيرة "أنا سعيدة لكوني تخلصت من الادمان، وبدأت أعمل". بين يدي سونيا مثل باقي السجينات في ورشة الخياطة كانت قطع القماش الأخضر المبرقع تمر بسرعة على الماكينات، وبدا المشهد غريباً، فلعبة "عسكر وحرامية" انتهت بالنسبة لهاته الفتيات بأن فرض على "الحرامي" خياطة ثياب "العسكري"، غير ان هذا لم يكن يثير حساسية خاصة عند السجينات أو انهن لم يردن التعليق في هذا الشأن. تشير معطيات ادارة السجن الى ان اكثر من 95 في المئة من السجينات كن عاطلات عن العمل قبل الدخول اليه، ويعد العمل الالزامي في السجن الأمل الوحيد لهن لاكتساب الخبرة اللازمة من أجل ممارسة مهنة الخياطة بعد انقضاء العقوبة. تدر ورشات الخياطة في سجن موجايسك ربحاً صافياً يزيد على 50 ألف دولار شهرياً، وهذه الاموال لا تصرف لتغطية احتياجات السجن، بل ان السجينات يحصلن على راتب شهري يراوح بين 15 و40 دولاراً، وهذه لا تعد رواتب متدنية حسب المقاييس الروسية خصوصاً اذا علمنا ان الضابط في السجن يحصل على راتب يزيد قليلاً عن 60 دولاراً شهرياً وان مديرة السجن وصاحبة أعلى راتب فيه تحصل على 110 دولارات. وقد يكون تدني رواتب السجانين أحد أهم أسباب انتشار الفساد داخل السجون. وعلى رغم ان أحداً في سجن موجايسك لم يشأ ان يتحدث عن هذا الجانب، الا انه من المعروف ان تزايد انتشار الفساد وسهولة "شراء الذمم" داخل السجون يعدان إحدى الاشكاليات الاساسية التي تواجه عملية الاصلاح التي تجريها وزارة العدل خلال السنوات الأخيرة في أنظمة السجون. وذكر ل"الوسط" اليكسي، وهو زوج احدى السجينات، وكان على بوابة السجن بانتظار السماح له بالدخول للزيارة، ان حرس السجن يحصلون على "المعلوم" من أجل التغاضي عن نقل السجائر أو المشتريات المختلفة أو حتى تبادل الرسائل بين السجينات ومعارفهن في سجن الرجال. وأضاف اليكسي وهو سجين سابق ان "لكل شيء ثمنه" وحتى المخدرات من الانواع المختلفة تجد طريقها الى داخل عنابر السجن بالطريقة نفسها. ويلجأ كثير من السجينات الى "خدمات" الحرس على رغم ان قوانين السجن تتيح تبادل الرسائل "البريئة" مع الاهل، كما ان لكل سجينة الحق في الحصول على ما يسمى "الزيارة الطويلة" وهي ان يقوم زوج المسجونة بالإقامة معها في غرفة تخصصها لهما ادارة السجن لمدة ثلاثة ايام متواصلة أربع مرات سنوياً. غير ان سجينات كثيرات، تنقطع صلاتهن بالعالم الخارجي بمجرد ان يجدن انفسهن وراء القضبان، وهذا يؤدي في كثير من الحالات الى اضطراب حاد في أوضاعهن النفسية بشكل يمكن ان يتحول الى خطر فعلي على بقية السجينات، وهنا يبدأ دور مركز العلاج النفسي التابع للسجن. مشرفة المركز ايرين كلينوفا ذكرت ان أغلب الأزمات النفسية عند السجينات تتعلق بالمشكلات العائلية التي لا يندر ان تؤدي بربة المنزل الى ان تصبح نزيلة سجن. والى ذلك فإن التفكير في المستقبل الذي ينتظر السجينة، خصوصاً في المرة الأولى لسجنها، يؤدي في كثير من الاحيان الى تدهور في أوضاعها النفسية. ولجأت ادارة السجن الى عقد دورات علاجية خاصة لمن شارفت مدة عقوبتهن على الانتهاء من أجل تأهيلهن نفسياً لمواجهة المجتمع من جديد. اما في الحالات التي تشكل فيها السجينة خطراً على زميلاتها ويصعب علاجها في المركز، فيتم عزلها في زنزانة انفرادية تبلغ مساحتها عشرة أمتار مربعة، غير ان كلينوفا أكدت ان أبواب هذه الزنزانة نادراً ما تفتح لاستقبال الزوار. من المركز النفسي تحولت الانظار نحو مكتبة السجن التي تقع في المبنى المقابل له. وعلى بابها وقفت مشرفة المكتبة انطونينا 26 سنة التي تقضي حكماً بالسجن سبع سنوات. انطونينا لم تذكر شيئاً عن جريمتها، لكنها تحدثت كثيراً عن الخطط التي اعدتها للمستقبل ولم تمل من ترديد عبارة "القطار لم يفت بعد" طوال فترة الزيارة التي شرحت خلالها نظام عمل المكتبة التي تضم زهاء 1000 عنوان، وقالت ان السجينات يقبلن بالدرجة الأولى على قراءة الروايات البوليسية وكلاسيكيات الأدب الروسي. على طاولات القراءة صفت اعداد قديمة من الصحف الروسية وقد فتح أغلبها قد تكون مجرد صدفة على صفحات الجرائم ووقائع المحاكمات. تحدثت انطونينا طويلاً عن المكتبة التي تمضي فيها اغلب وقتها، وبعدما عرفت ان بين الزوار مراسلاً تركياً وآخر عربياً فاجأت الحضور بالتساؤل عن آفاق حل مشكلة الشرق الأوسط، ثم استفسرت باهتمام بالغ عن تفاصيل الأزمة المالية في تركيا. وكان يمكن للحديث عن الصراع في الشرق الأوسط وعن تداعيات الأزمة التركية ان يستمر طويلاً لولا ان لفت الانظار بناء خشبي صغير بدا مظهره غريباً في هذا المكان، كانت هذه كنيسة السجن. وعلى رغم ان المشرفة لاحظت بمرارة ان أغلب السجينات لا يعرن اهتماماً كافياً للقيم والمعايير الدينية الا انها اشارت الى تزايد عدد السجينات اللواتي يحضرن الصلاة الاسبوعية في الكنيسة. وذكرت كذلك ان ادارة السجن عرضت على المسلمات من السجينات تخصيص قاعة لتكون مسجداً، وأوضحت ان كثيراً من المسلمات من طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وغيرها من الجمهوريات الاسلامية يقضين فترات عقوبتهن داخل السجن. في أحد أركان الكنيسة الصغيرة لفتت ايرينا، وهي في الاربعينات من عمرها، الأنظار بسبب لباسها الذي اقتصر على اللون الابيض وميزها عن بقية السجينات. وسرعان ما تبين انها نذرت نفسها طوال فترة سجنها ل"خدمة بيت الله" في محاولة للتكفير عن جريمتها، اذ ان ايرينا وهي صيدلانية سابقة، تقضي فترة العقوبة بالسجن لعشرين عاماً بعدما قتلت جميع أفراد عائلتها بدس السم لهم في الطعام. كانت هذه مفاجأة، فلم يكن مظهرها الهادئ المسالم يوحي بقدرتها على القتل ببرودة أعصاب، لكن كانت ثمة مفاجأة أخرى. "بيت الطفل" هو الاسم الذي يطلق على مبنى يعيش فيه 75 طفلاً تراوح اعمارهم بين يوم واحد وأربع سنوات. ويعاني ثلث الاطفال من أمراض مختلفة بينها مرض الايدز الذي انتقل اليهم من امهاتهم المصابات. الطبيبة المسؤولة عن قسم الاطفال لودميلا ياروخا قالت ان الامهات المرضعات يسمح لهن بإطعام الاطفال ست مرات يومياً والتجول معهم في ساحة السجن خلال النهار لمدة ساعتين. لكنها اشارت الى ان ذلك يقتصر على الراغبات بذلك من الامهات، في اشارة الى ان العديد منهن لا يعرن اهتماماً لأطفالهن. بل ان بعضهن مصدر خطر حقيقي على الاطفال، وفي هذه الاحوال تعزل الأم وتمنع من زيارة وليدها. وتسمح أنظمة السجون في روسيا بإبقاء الطفل في السجن الذي تقضي فيه أمه فترة عقوبتها حتى الثالثة من العمر، ويمكن تمديد الفترة لعام واحد يحوّل بعدها الطفل الى ملجأ خاص للاطفال اذا لم تسمح ظروف الأم بنقله للعيش في ظروف عائلية طبيعية. وحسب القوانين ايضاً فإن اي سجينة حامل تحول الى سجن النساء بغض النظر عما اذا كانت قاصراً، ما يفسر عجز الكثير من الامهات الصغيرات عن رعاية ابنائهن لافتقارهن الى الخبرة. في "بيت الطفل"، كانت داليا، وهي من تركمانستان، وتقضي فترة العقوبة بتهمة الاتجار بالمخدرات. داليا كانت ترضع وليدها علي 8 أشهر واجابت بكلمات مبهمة على سؤال حول والده وقالت انها ستنذر حياتها لوليدها، لكنها اشتكت من عدم السماح للامهات بالسكن مع ابنائهن في بناء واحد، وهو ما بررته لودميلا ياروفا بنقص الموارد المالية التي تسمح ببناء قسم خاص تسكنه الامهات المرضعات. تتولى الطبيبة المسؤولة عن بيت الطفل الاشراف على الحوامل من السجينات، وذكرت أن إحدى الحالات التي تتابعها حالياً فتاة لا تزيد عمرها على 18 سنة وتقضي فترة العقوبة عن جريمة سرقة، وهي حامل في شهرها السادس. والطريف أن أمها تقضي فترة عقوبة لجريمة الاتجار بالمخدرات في القسم نفسه، ما يعني أنه خلال بضعة أشهر ستضم جدران سجن واحد الجدة والأم والحفيد المنتظر. المحطة الأخيرة في سجن النساء كانت مطبخ السجن، وهناك بات من الواضح أن سجن موجايسك يعدو واحداً من أفضل السجون في روسيا من ناحية الخدمات، خصوصاً في ما يتعلق بالطعام الذي يقدم للسجينات، وتفسير ذلك يعود إلى كون السجن يدير مشروعاً منتجاً عبر ورشات الخياطة، لكن هذا لا يعني أن "نقدم للسجينات قائمة طعام تناسب أذواقهن"، هكذا علقت مديرة السجن قبل أن تؤكد أن الإدارة تحاول تقديم وجبات كاملة صحياً، وتكلف السجينة الواحدة يومياً زهاء 43 روبلاً، أي ما يقارب 5.1 دولار. وتعد هذه القيمة على رغم محدوديتها، مرتفعة مقارنة مع السجون الأخرى، حيث يكلف السجين يومياً ما لا يزيد على 10-15 روبلاً. مع الجولة بين الطناجر الضخمة كانت الرحلة قاربت على الانتهاء، وفي طريق العودة نحو بوابة السجن كانت أرتال السجينات المتوجهات من ورشات الخياطة إلى غرف النوم تمر بهدوء، وخلف النظرات الصامتة في عيون السجينات بحر من الأسرار الدفينة مما لا يمكن سبره في يوم واحد مليون سجين يبلغ عدد السجون ومراكز الاحتجاز في روسيا 824 سجناً ومركزاً، منها 748 مركز اصلاح وتأهيل و64 مركز احتجاز للقاصرين، إضافة إلى 12 سجناً يقضي فترة العقوبة فيها السجناء الأشد خطورة. العدد الاجمالي للسجناء في روسيا يزيد على مليون سجين، من بينهم زهاء 44 ألف امرأة وتسعة آلاف طفل، يضاف إليهم ما يزيد على 500 من حديثي الولادة الذين يعيشون في سجون النساء.