يعد الدكتور غازي القصيبي من أبرز المثقفين العرب الذين اكتسبوا شهرتهم وقوة حضورهم في الثقافة العربية من خلال طروحاتهم، فالى جانب عمله الديبلوماسي المتمثل في قيادة السفارة السعودية في لندن لا يقل الدكتور غازي القصيبي حضوراً في ساحة الأدب والثقافة عن ساحة السياسة من خلال انتاجه الغزير وكثرة تواجده في المحافل الادبية. "الوسط" التقت القصيبي فتحدث عما اثارته القصيدة التي نشرها في الشقيقة "الحياة" وامتدح فيها الفلسطينيين وما يقومون به من عمليات استشهادية. وتطرق الى الوضع العربي والأسباب التي جعلت العرب يتنازلون عن حقوقهم مكتفين بالحد الأدنى. نبدأ من النهاية وقصيدة "الشهداء" وما أثير حولها عندما أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية ان الوزارة ستعرب عن خلافها معك بعدما امتدحت آيات الأخرس وهي التي يوصف ما قامت به في بريطانيا بانه إرهاب. هل تبلغت اعتراضاً كما قالت بعض الصحف، وما هو الهدف من اثارة هذه الضجة في رأيك؟ - الهدف من الضجة واضح للعيان، وهو إسكات أي صوت لا يعجب اليمين المتطرف الأهوج، سواء في اسرائيل أو في الولاياتالمتحدة، أو لا يعجب انصار مجرم الحرب شارون0 ولمعلومات من يرغب في الاستزادة أحب أن اضيف ان لدي ديواناً يحمل اسم "ورود على ضفائر سناء" صدر في الثمانينات الميلادية أحيي فيه سناء محيدلي أول "انتحارية" في لبنان، ولدي ديوان آخر اسمه "عقد من الحجارة" يتكلم عن الانتفاضة صدر في مطلع التسعينات، ولدي ديوان ثالث اسمه "يا فدى ناظريك!" والمقصود الطفل الشهيد محمد الدرة. وسبق عندما صدر ديوان "معركة بلا راية" سنة 1970 أن خصصت ريعه للعمل الفدائي. الفلسطينيون يخوضون حرب تحرير ضد أقذر مجرم عنصري وضد أقذر آلة ارهابية في تاريخ السياسة الحديثة وكنت وسأظل اعتبر من يموت في حرب التحرير هذه شهيداً وعلى الصهاينة الذين لا تعجبهم كلمة الشهداء ان يشربوا حتى يشبعوا من ماء البحر الميت. أما بخصوص ما نشر عن استدعاء وزارة الخارجية البريطانية لي أو ما تردد عن "توبيخ"، فكله أوهام في أذهان الكتاب العنصريين الذين أوجدوا الكذبة وصدقوها. العلاقة بيني وبين المسؤولين في الخارجية البريطانية علاقة زمالة وصداقة وبيننا إحترام متبادل، فلا هم يوبخونني ولا أنا أوبخهم. كان أول ما يطالب به العرب فلسطين كاملة ثم انحسر حلمهم إلى القدس وغزة والضفة الغربية والآن نابلس وجنين ورام الله وأراضي قبل 29 آذار مارس الماضي، ما الذي ترى ان الأجيال المقبلة ستطالب به؟ ولماذا وصلنا الى هذه المرحلة من الهوان والتنازل عن الحقوق؟ - أودع الله جلت قدرته هذا الكون سنناً وقوانين لا تتغير ولا تتبدل وتنطبق على المؤمنين كما تنطبق على الملحدين، ومن هذه السنن ان النصر يكتب للطرف الاقوى، ومنذ بداية الصراع كان الطرف الصهيوني هو الأقوى عدداً وعدة وعلى رغم دعاوى اسرائيل العريضة اتضح من الوثائق الإسرائيلية نفسها انه في حرب سنة 1948 كانت القوات الصهيونية ضعف القوات العربية مجتمعة، فضلا عن تقدمها في الأسلحة والقيادة والخبرة. والانتصار في المواقع العسكرية هو الذي يحدد مصير الأرض، وما احتلته إسرائيل من اراض لم يكن نتيجة كرم منا أو سخاء حاتمي وانما انتزعته بقوة السلاح. على أيه حال نتيجة القوة العسكرية والضغوط الدولية والوهن النفسي وصلنا إلى مرحلة نطالب فيها بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقطاع والقدسالشرقية0 هذا المطلب هو حد أدنى وافق عليه الفلسطينيون ممثلين في قيادتهم الشرعية، ولا اعتقد ان من حق أحد المزايدة على هذه القيادة. وهذا المطلب متواضع جدا إذا أخذنا الأرقام. قرار التقسيم الصادر سنة 1947 أعطى إسرائيل 55 في المئة من الاراضي الفلسطينية، لكنها انهت الحرب سنة 1948 وفي يدها 80 في المئة من هذه الأراضي. المطلب الفلسطيني الآن ينحصر في البقية وهي 20 في المئة من الأراضي الفلسطينية. مجرم الحرب شارون يريد ان يعطي الفلسطينين 5 في المئة من الأراضي الفلسطينية - ومن دون دولة اعتقد ان الدولة الفلسطينية المستقلة على الضفة والقطاع والقدسالشرقية آتية بلا شك. وأنا لا أريد ان اتحول إلى قارئ كف أو بلورة سحرية، ولكني اتصور - وهذا رأي شخصي - ان هذا الهدف سيتطلب لتحقيقه بين خمس سنوات وعشر سنوات وستكون فترة من المخاض الاليم الدامي. لا اعتقد بأن هذا الجيل، على رغم كل مظاهر العجز والهوان، سيرضى بأقل من هذا المطلب، أما الأجيال المقبلة فعلمها "عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى". الغرب اصبح للعرب والمسلمين اليوم الشر الذي يجب وقفه ودفعه، فكيف هو الطريق الانسب للتعامل معه؟ وهل ترى ان المناهج الدراسية هي سبب تأزيم الموقف ونشوء مثل هذه الفكر الداعي لرفض الاخر كما يقول الغربيون؟ - أجد من الصعب التعامل مع التعميمات، سويسرا من الغرب وفنلندا من الغرب والدنمارك من الغرب، وحسب علمي المحدود لا توجد لدينا، نحن العرب والمسلمين، مشاكل مع هذه الدول. المشكلة مع الولاياتالمتحدة بالذات، وبعد تفجيرات 11 ايلول سبتمبر تحديداً، أصيبت الولاياتالمتحدة بهستيريا جماعية شملت الشعب والقيادة، وبدأت اميركا ترى "بعبع" الارهاب في كل مكان. من طبيعة الامور، ان هذه الهستيريا لا يمكن ان تدوم، وهناك ما يدل على انها بدأت تهدأ وتقل حدتها عن بدايتها، المعركة في افغانستان لم تكن نصراً سهلاً كما قيل في البداية، والاضطرابات هناك لا تزال مستمرة ولا يبدو انها ستزول في المدى القريب، والهجوم على العراق قوبل بمعارضة شديدة من كل مكان الامر الذي دفع الولاياتالمتحدة الى تأجيله، وربما صرف النظر عنه نهائىا، وفي غمرة الهستيريا الجماعية بدأ المحللون والكتاب الاميركيون، وهم ضحايا بدورهم للإنهيار العصبي الشامل الذي اصاب امتهم، يبحثون عن اجوبة سهلة تحاول تبرير ما حدث، وهكذا قيل ان السبب هو "المناهج الدراسية" وقيل ان السبب هو انعدام الديموقراطية، الى آخر ما تردد من اقوال. الحقيقة كعادتها، لا تنقاد لمثل هذه التبريرات السطحية، اميركا مليئة بالارهابيين ولم يتهم احد المناهج الدراسية او انعدام الديموقراطية، الارهاب ظاهرة معقدة وتحتاج الى دراسة معمقة، هناك على سبيل المثال الارهاب الاجرامي، ارهاب عصابات المافيا والمخدرات التي تقتل رجال الشرطة والقضاة الذين لا يتعاونون معها، ولا شك ان هذا إرهاب له طبيعة خاصة. وهناك، على سبيل المثال، الارهاب الناشئ عن حركات انفصالية، مثل إرهاب الجيش الجمهوري الايرلندي في بريطانيا ونمور التاميل في سري لانكا، وهذا بدوره له طبيعته الخاصة التي تختلف عن النوع الاول. وهناك الارهاب العدمي الذي لا يستهدف سوى قتل الابرياء مثل ارهاب "القاعدة" وهناك حركات التحرير الوطني التي قد تلجأ الى عمليات عنف ذات طبيعة ارهابية، وهناك الارهاب الغيبي - الديني، كذلك الذي دفع القس جونز الى تسميم المئات من اتباعه، والارهاب الذي تمارسه بعض الجمعيات في اليابان. الموضوع إذن يحتاج الى تحليل واع، ومعالجة تتجاوز إلقاء القنابل والصواريخ على المذنبين والابرياء. نعود الى المناهج، لدي مشكلة مزمنة مع مناهج التعليم في العالم العربي والاسلامي، هذه المناهج تجاوزها الزمن ومعظم خريجيها لا يصلحون لشيء إلا للبطالة والضمان الاجتماعي، المطلوب تطوير المناهج لا إرضاء لاميركا ولا لتخفيف الجرعة الدينية فيها وإنما كي نتمكن من تدريب خريجين يستطيع الاقتصاد استيعابهم، ويستطيعون ان يدفعوا التنمية الى آفاق القرن الحادي والعشرين الميلادي. بقى شيء من النقد الذاتي، نحن المسلمين في حواراتنا مع الآخرين نشير إلى المبادئ الإسلامية النظرية - وهي رائعة ومتقدمة - ونهمل واقع الدول الإسلامية المتردي، يجب ان نواجه انفسنا ونسألها بلا هوادة: لماذا فشلنا في تحويل المبادئ العظيمة إلى واقع عظيم؟ وهناك سؤال يخص السعوديين، بالذات، كيف تجمع هذا العدد الكبير من السعوديين في عملية إرهابية عدمية أضرت بالمسلمين كلهم؟ لا يكفي القول ان كل مجتمع لا يخلو من عناصر فاسدة، ولا القول ان هؤلاء مغرر بهم، اعتقد بأننا في حاجة الى مواجهة حازمة مع الذات لم نقم بها بعد ويجب ان نقوم بها. في حروبنا ومواجهاتنا مع عدونا الأول إسرائيل ما زلنا نردد "وين الملايين" "ويلك ياللي تعادينا ويلك ويل". هل حقاً العرب ظاهرة صوتية. أم هم ماتوا كما قال نزار وأكدتها تلك العجوز الفلسطينية التي خذلها العرب ولم تجد ما تدفع به يأسها سوى ترديد "العرب ماتوا"؟ - هناك عناصر معروفة تشكل في مجموعها القوة الوطنية لدولة ما، وهي على سبيل المثال لا الحصر، الموارد البشرية والموقع الجغرافي والإقتصاد والصناعة وعدد القوات المسلحة بقوة اعدادها وحسن تدريبها، بالإضافة الى هذه العوامل التي يمكن ان نلاحظها ونحللها وندرسها يوجد عامل مهم جداً، إلا انه عامل غير منظور يستحيل وضع اليد عليه أو فحصه تحت المجهر. بعض طلاب العلوم السياسية - وكنت منهم ذات يوم - يسمون هذا العامل "العنصر اكس"، ومن دون هذا العنصر لا يمكن لعوامل القوى مجتمعة ان تحقق شيئاً يذكر. تستطيع ان تسمي هذا العامل "الروح المعنوية" أو "الارادة الحرة" أو "الحافز" وأسميه أنا "الرغبة في الحياة". لأسباب يطول شرحها، وقد شرحها مفكرون مثل محمد عابد الجابري، ومحمد جابر الأنصاري في كتب قيمة مفيدة يبدو ان "العنصر اكس" - أو الرغبة في الحياة - لا يتوافر الآن، بصفة كافية، لا عند العرب، ولا عند المسلمين. الذين يتحدثون عن موت العرب وأنا منهم، لا يكذبون، ولكنهم يبالغون، هدفهم ليس جلد الذات أو الرثاء وإنما "التحريض على الحياة" ولكن "لا حياة لمن تنادي". يرى بعضهم ان روايات غازي القصيبي لا تحمل الرواية الحقيقة ذاتها؟ ما هو ردك على هذا الإتهام؟ ولماذا انت والدكتور تركي الحمد عرضة للنقد والهجوم دائماً؟ - لا تجعل كلام بعضهم يزعجك، يرى منهم ان المتنبي ليس شاعراً، ويرى بعضهم ان شوقي ليس شاعراً، ويرى غيرهم ان محمد عبدالوهاب مجرد سارق ألحان غربية، ويرى بعضهم الآخر ان طه حسين كان عدواً للإسلام والعروبة. وأستطيع ان املأ بقية صفحات الجريدة بما يراه بعضهم حول هذا أو ذاك من الأشخاص أو هذه أو تلك من الظواهر. بالنسبة الى تركي ولي، اعتقد بأن سبب هجوم بعضهم - هو السبب نفسه في إعجاب بعضهم الآخر - أننا نكتب بقدر من الحرية لا يتوافر عند بعض نقاد المقاعد الوثيرة والمحاضرين في جامعات محو الأمية. في عالمنا العربي لا يعيش كاتب شريف من قلمه ولا تتحول كلماته سيفاً يحارب الفساد، كيف يكون المثقف مؤثراً في مجتمعه؟ - في عالمنا العربي هل يعيش أحد من عمله اليومي إلا من رحم ربي؟ هل يكتفي المسؤول الكبير أو الضابط أو عسكري المرور أو مهندس البلدية أو مأمور الجوازات أو... أو... أو براتبه الشهري؟ في عالمنا العربي هناك تخلف يضرب أطنابه على مختلف مظاهر الحياة من سياسية الى اقتصادية الى فكرية. وهذا الوضع يتطلب ثورات إصلاحية - تختلف جذرياً عن الانقلابات الدموية، في كل ركن من أركان الحياة. هناك حاجة الى ثورة اصلاحية تحارب الإستبداد في التركيبة السياسية والى ثورة اصلاحية تقضي على الفساد في الجهاز البيروقراطي. وإلى ثورة اصلاحية تحرر الاقتصاد من براثن الأنظمة والتعليمات وإلى ثورة إصلاحية فكرية تفتح الباب امام التسامح وقبول الرأي الآخر. وحتى يتم ذلك - ولا اعتقد بأنه سيتم خلال حياتي وأرجو ان يتم خلال حياة ابنائي - فلا تطلب من المثقف ما هو فوق طاقته لأنه سيجيبك صادقا: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له "اياك! اياك! ان تبتل بالماء" ديبلوماسي وشاعر وكاتب وروائي ومفكر، كيف استطاع غازي القصيبي التوفيق بين كل ذلك؟ ومن أين لك الوقت للكتابة والتوفيق بين هذه المجالات المتنوعة والمتباينة في علمها؟ - الديبلوماسية مهنة والشعر قدر والكتابة رغبة والرواية موهبة والتفكير ضرورة، ولا أرى صعوبة ولا غرابة في الجمع بين هذا كله. نأتي الى موضوع الوقت، أقول لكل من يسأل هذا السؤال: أشطب ولائم الغداء والعشاء وصكات البلوت والوقت الضائع أمام التلفزيون وستفاجئ أنك امام ساعات تستطيع قضاءها في ما هو نافع. ما هو سر إعجابك بالمتنبي؟ على رغم ما يحكى عن مساوئ في شخصه؟ - ياعزيزي، كان المتنبي شحاذاً، كان طماعاً، وكان بخيلاً وكان متعالياً، كان بذيئاً ولم يكن أكثر الناس صلاحاً أو تقوى، ثم ماذا؟! كل هذا صحيح وكل هذا لا علاقة له بالموضوع. نحن لا نعجب بالمتنبي لأنه قديس صالح، لكننا نحبه لأنه شاعر عظيم. عندما يكون الحديث عن الفن يجب ان يكون الحديث عن الفن، يجب ان يكون المعيار الفني هو المقياس الوحيد عندما أجد رساماً ماهراً هل يهمني ان يكون هذا الرسام قذراً أو نظيفاً، انيقاً أو "مبهدلاً"؟ وعندما احكم على موسيقار هل احكم على مستوى سيمفونياته، أم أقيمه على أساس معاملته لزوجته وأولاده وجيرانه؟ والممثل المسرحي المبدع، هل يهمني ان يكون أكرم الناس أو أبخلهم؟ إذا ادخلنا في ميدان الفن مقاييس غير فنية، اختلت كل الأحكام. الباحثون عن المستويات الأخلاقية الرفيعة يجب ان يبحثوا عنها لدى الأولياء وإلا اختلط الحابل بالنابل "وضاعت الطاسة". بعد تقاعدك من عملك الحالي هل ستعود الى الوطن، أم تتخذ من عاصمة الضباب مقراً لك؟ - هذا سؤال لا يخلو من غرابة. وصدق او لا تصدق انني في عاصمة الضباب لا أكاد أرى سوى مكتبي وسكني ومواقع العمل. لست هنا لكي أتمتع بزيارة متحف الشمع أو قلعة لندن أو تغيير الحرس أمام قصر باكنغهام، أنا هنا في مهمه صعبة جداً يتطلبها الواجب، والواجب وحده. أعتقد انك تستطيع الآن استنتاج الجواب. بعدما اقتربت من الثالثة والستين، هل ما زال للأمل والحلم موقع في نفسك؟ هل تكشف لنا بعضاً من هذه الأحلام والآمال؟ - كنا نحلم بولايات عربية متحدة وبجيش عربي واحد وبعلم عربي. كنا نحلم بمجتمع يحفظ للإنسان العربي كرامته، وبمجتمع لا يجرجرونك فيه إلى القسم بلا سبب ولا يحتجزونك من دون تهمة، ولا يعتقلونك من دون أمر قضائي. كنا نحلم بأن نركب السيارة من المحيط وننطلق فلا نقف إلا في الخليج. لا يسألنا أحد عن التأشيرة. وعندما نتعب نقف في موتيل وننام من دون ان نبرز الهوية. نحلم بأن نمشي فلا يستوقفنا أحد ويسألنا عن المرأة التي معنا وهل هي جدتنا أو خالتنا. كنا نريد ان نتجول في شوارع المدن العربية من دون ان نحمل شجرة العائلة على صدورنا وعقد الزواج في جيوبنا، وبطاقة احد المتنفذين على جباهنا. كانت هذه أحلام "البروفسور" ورفاقه عندما كانوا في العشرين كما وصفها في "العصفورية" وهذه هي أحلامي الآن. الفارق ان "البروفسور" كان يعتقد بأن أحلامه ستتحقق في القريب أما أنا فأعلم انها، للأسف الشديد، أضغاث أحلام، ومع ذلك ما زلت أحلم وسأظل احلم. قلت في أحد أحاديثك الصحافية انك لا تؤمن بأن القومية العربية ماتت أو يمكن ان تموت مستقبلا، لكن هناك أصوات ترى ان القومية العربية انتهت بعدما قادت الأمة إلى هزيمة جرى تلطيفها لتكون نكسة وقبلها أضعفتها وكانت سبب تخلفها عن ركب الامم بعدما وجدت الفرصة كاملة ولم تقدم شيئاً، هل ما زلت عند قولك بعد الذي مر بالعرب من فرقة وإختلاف وشتات؟ - سبق وتكلمت عن قوانين الإنتصار والهزيمة، وهي تسري على كل الجنسيات. هويتي ليست حذاء أغيره عندما يعتق ولا قميصاً أطرحه حيث يبلى ولا سيارة اشتري غيرها حين تختفي "موضتها"، وهويتي العربية تسكن كل خلية من خلاياي. إذا اردنا استخدام التعبير العصري تسكن كل "جينوم" من جيناتي. أحمل في دمي عذابات امرئ القيس وفتوحات سيف الدولة ودموع بغداد يوم دخول المغول وبريق السيوف في حطين وكبرياء المقاتلة الفلسطينية وسأبقى أحملها حتى أموت