أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    تحديات "الصناعة والتعدين" على طاولة الخريف بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة اليوم    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. القصيبي: عدادات لآبار المزارع قريبا.. وبرنامجي المائي توفير المياه بأرخص تكلفة
نشر في اليوم يوم 27 - 12 - 2002

هذه المادة قدمها برنامج (على مائدة السحور) بالإذاعة السعودية. ولم نغير إلا ما يقتضيه تحويل الحوار المسموع الى مقروء.والمادة حوار شيق متنوع أداره الاستاذ عبدالرحمن السدحان نائب أمين عام مجلس الوزراء مع معالي د. غازي القصيبي, استهله بمقدمة جميلة جاء فيها ( هذا اللقاء نادر في شكله, استثنائي في موضوعه, متميز في حضوره. لماذا؟ لأنه يستضيف علما شاهقا من أعلام الكلمة المبدعة شعرا ونثرا.. فارسا متعدد المواهب, متجدد العطاء, شهدت بإبداعه مضامير الإدارة والسياسة والدبلوماسية.وهو بعد كل هذا شاهد أمين على أدق مراحل التنمية السعودية في أوج شموخها وشمولها. انه الكاتب والشاعر والدبلوماسي والوزير معالي د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي. نرحب بمعاليه مع التهنئة بفوزه بالثقة السامية ليكون وزيرا يعيش هواجس الماء وأشجانه, ما ظهر منها وما بطن).
قصتي مع الشعر
@ السدحان: تقول في سيرتك الذاتية انك ابتليت بالشعر او ابتلي بك الشعر منذ سن التاسعة, ثم نما معك ونموت معه حتى بعد تجاوزك العقد الخامس من عمرك المديد. فماذا أعطاك الشعر وماذا أخذ منك؟
القصيبي: لا أقبل ان يناقش موضوع الشعر وكأنه صفقة تجارية, أو كما تسأل صاحب مكتب عقاري: ماذا أعطاك العقار وماذا أخذ منك؟ فالشعر ليس نشاطا تجاريا بل قدر مكتوب على الإنسان لا يستطيع منه فرارا وليس له يد في اختياره ولا حيلة له معه. فكما ان الطيور لا تملك إلا أن تغرد, والمياه لا تملك إلا ان تنساب, والدموع لا تملك إلا ان تنحدر على المآقي, فالشعر لا يملك إلا ان يتدفق عفويا, وهو الذي يختار عبر مَنء يتدفق؟
ونحن لا نستطيع ان نرسم للشعر دورا وإطارا في حياتنا فنقول انتفعنا منه او ضرنا. الشعر قدر مكتوب, والمؤمن يتقبل القدر خيره وشره دون ان يسأل عن الثمن الذي سيدفعه اذا انساق مع هذا القدر.
وقصتي مع الشعر مثل قصتي مع جيناتي التي ولدت بها وورثتها, فقد وجدت نفسي شاعرا دون تخطيط مني وتقبلت هذه الحقيقة. ولا يمكن القول إنني سعدت أو شقيت بها او هربت. فقط تقبلتها كما اتقبل كل الحقائق الأخرى التي لا يمكن تغييرها. ولا تزال قصتي مع الشعر قصة إنسان يعانق قدره.. اما هل اعطاني الشعر شيئا؟ هل أدى الى شهرتي؟ هل أخذ مني؟.. فأسئلة أرى ان أتركها للآخرين.
مع المتنبي
@ السدحان: في مواقف كثيرة أدبية وغير أدبية تستشهد بشعر أبي الطيب المتنبي, ما السر في ذلك؟
القصيبي: الاستشهاد بشعر المتنبي ليس شأني أنا بل شأن العرب جميعا. وأذكر وأنا ابن عشر سنوات ان توفي احد أعمامي وكان 90% من رسائل العزاء تبدأ باحدى مقدمات المتنبي الشهيرة:
طوى الجزيرة حتى جاءني نبأ
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى اذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وقد روى لي الأديب الطيب صالح أنه وجد ذات مرة في سوق صغيرة من أسواق عُمان رجلا يحفظ جل شعر المتنبي وروى له بعض أبياته على الوجه الصحيح. فقصة الاستشهاد بشعر المتنبي ظاهرة عربية.
اما السؤال فهو: لماذا استأثر المتنبي بهذا النصيب في الروح العربية؟ لا يوجد شاعر يستشهد بشعره الأديب والسياسي والخطيب والطبيب والأمي وشبه الأمي والمرأة والشيخ والطفل كالمتنبي على الإطلاق.
بحثت عن السبب فوجدت ان المتنبي كان يعبر عن الروح الإنسانية المجردة وعن العواطف الإنسانية. فكل بيت من شعر المتنبي يجعلك تعيش تجربة إنسانية مرت بك فتحس بألفة بينك وبين الشاعر. وهذه هي السمة الغالبة لكل كبار الشعراء في كل الأمم وعبر كل العصور.
وهناك مبحث آخر هو ان المتنبي كان قريب الصلة بالنفس العربية, دعنا نتأمل واقع العرب الآن: تمزق.. هوان.. طمأ الى المجد.. توق الى العزة, ماذا نلاحظ؟ نجد ان المتنبي صور كل هذه المعاني قبل مئات السنين ولا تزال طازجة قابلة للاستشهاد بها كأنها كتبت اليوم وكأن المتنبي يعيش بيننا يحس بكل ما نحس الآن. فأنا اؤمن بوجود ألفة من نوع خاص بين المتنبي والروح العربية, ولهذا السبب يكثر الاستشهاد بشعره في شتى المواقف.
بين الشعر والنثر
@ السدحان: كتابك (حياة في الإدارة) سجل أعلى المبيعات داخل المملكة وربما خارجها, مع أن شهرتك كشاعر تفوق شهرتك ككاتب او روائي, ما الرسالة التي أردت إيصالها عبر هذا الكتاب؟
القصيبي: بدأت كتابة الشعر والنثر في وقت واحد ولكنني لسبب او لآخر اشتهرت شاعرا ولم أعرف في البداية ناثرا. وقد تستغرب إن قلت لك انني كتبت أول رواية لي وأنا دون العشرين. وكانت صفحاتها تزيد على المائة, وقد فقدت هذه الرواية ومازلت أبحث عنها. كما كتبت عبر السنوات مجموعة من القصص القصيرة بأسماء مستعارة لا يعرفها إلا القلة.
عندما كنت أحضر الدكتوراه كتبت مسرحية بالعامية الخليجية, اشتركت بها في مسابقة اقامتها وزارة الإعلام البحرينية وحصلت بها على الجائزة الأولى. وكانت مشاركتي باسم مستعار اخترته لنفسي وهو (شاهين خليفة شاهين) وذلك لاعتقادي آنذاك ان شاعرا معروفا لا ينبغي له ان (يتطفل) على مسابقات غير شعرية. كنت طالبا وكانت الجائزة مائتي دينار اضافة الى التكريم المعنوي الذي لم أنله لأن اسمي الصريح لم يعلن وان كان اتضح مؤخرا ان غازي القصيبي هو شاهين, علما بان القصة الفائزة طبعت بعد ذك في كتاب.
وهكذا تجدون اني مارست كتابة النثر منذ زمن بعيد ولكن عندما ينال الإنسان شهرة في مجال إبداعي معين يتردد لأنه يخشى تأثير شهرته على إنتاجه, ومع هذا بدأت في روايتي الأولى (شقة الحرية) التي استغرقت ما يقارب أربع سنوات, واستغرق التفكير فيها قرابة عشرين سنة. هذا عن الإبداع شعرا ونثرا.
كتاب (حياة في الإدارة)
أما كتابي (حياة في الإدارة) فموضوعه (عويص) لان كتابة السيرة الذاتية محفوفة بمزالق عديدة أهمها مشكلة الإفراط, والتفريط وتكمن المشكلة في امتزاج الأنا مما يجعل البعض ينساق ويضفي على نفسه مجدا زائدا, وفي الطرف الآخر حتى اذا قال عن نفسه: لم أفعل شيئا ذا بال سيتهمونه بالحديث عن نفسه. لهذا أحجمت عن فكرة الكتاب في البداية ولكن بعد الدراسة والتفكير وجدت ان بالامكان التغلب على هذا الأمر بالتركيز على القضايا الإدارية أكثر من التركيز على النواحي الشخصية.
مشكلة أخرى لم تمثل عندي هاجسا ولكنها كذلك عند كثيرين غيري وهي المبالغة في الخوف من نشر معلومات بحجة انها من أسرار الدولة رغم ان نفس المعلومات تنشر في صحف نفس الدولة بعد أيام. أسرار الدولة في نظري هي تلك التي يؤدي نشرها الى إلحاق الضرر بمصالح البلاد, وما عدا ذلك لا يعد سرا.
وهكذا ظلت فكرة الكتاب تشتعل جذوتها في داخلي حينا ثم تخبو ثم تعود للاشتعال. وتحضرني هنا واقعة طريفة إذ قلت لابني سهيل ذات مرة إني اشتريت قطعة أرض في الرياض بخمسة آلاف ريال. وهنا انتفض ليسألني: وهل كان في الرياض يوما ما أرض بهذا المبلغ؟
كان عمره آنذاك (23) سنة!! فاذا كان شبابنا في هذا العمر لا يتصورون كيف كنا قبل عشرين سنة فقط فيجب علي ان أسجل وثيقة تاريخية فكان الكتاب.
الشق الثاني من السؤال الرسالة التي أردت ايصالها عبر كتابي, لا توجد رسالة محددة ولكن توجد وثيقة أردت بها ان تشعر الاجيال التي لم تعاصر تلك الفترة ان تشعر نكهتها وتتذوق مذاقها وتمر بما مر به الجيل الذي كان وقتها مسؤولا عن عملية التنمية. واذا وجد احد في كتابي رسالة فهذا لا يزعجني واذا لم يجد فلا يزعجني أيضا لاني لم اقصد من الكتاب وعظا ولا ارشادا ولا تعليما ولا نصحا, وحاولت جهدي ان أجعله صادقا ودقيقا في نقل صورة للمملكة في مرحلة كانت حاسمة في نموها الاقتصادي.
خدماتنا دون الطموح
@ السدحان: ألا تعتقدون ضرورة أن تفعل الإدارة بشكل أفضل لتواكب المتغيرات التي يشهدها العالم؟
القصيبي: الإدارة بالغة الأهمية لان حياة الفرد العادي من أولها الى آخرها مرتبطة بالإدارة التي هي القناة التي توصل الخدمات العامة لأفراد المجتمع, وكلما استطعنا تطويرها وتفعيل أدائها نجحنا في تقديم خدمة للمواطن. وكل الموجات السائدة الآن من خصخصة وقطاع خاص وحكومة أليكترونية مجرد وسائل هدفها الأساسي تحسين الخدمات المقدمة لأفراد المجتمع.
@ السدحان: وهل وصلت إدراتنا الى درجة المواكبة؟
القصيبي: أعتقد ان الإدارة العامة لدينا لا يزال أمامها شوط طويل لتصل الى تطلعات المواطنين, ويمكنك التأكد من صدق اعتقادي باستفتاء ما حولك وحتما ستجد أن الخدمات دون طموح القيادة ودون تطلعات المواطن أيضا.
توفير المياه بأرخص تكلفة
@ السدحان: ننتقل الى عالم المياه.. ونود من معاليكم تذكير المواطنين بما لم تذكره عن برنامجك المائي في الإذاعة او الصحف؟
القصيبي: عندما نتحدث عن المياه فاننا نتحدث عن قضية تجاوزت مرحلة المشكلة وأصبحت أزمة تفاقمت حتى وصلت الى درجة الخطورة. لا في المملكة او العالم العربي فحسب بل العالم الثالث ككل. وأرجو ان يقدر كل مواطن ان المشكلة أعمق بكثير من تمديد أنابيب أو بناء محطة تحلية.
ان 90% من وطننا العربي صحراء قاحلة ومن المتوقع نشوب 12 حربا خلال القرن القادم جميعها مرتبطة بالمياه. ومن هذا المنطلق يجب التفكير في المياه بنظرة جديدة, فلو تشابهت ظروف بلد غربي بظروفنا الصحراوية لتم إعلان حالة طوارىء عامة.
برنامجي المائي هو توفير المياه بأرخص تكلفة ممكنة, وما أود ان أذكر به المواطنين هو ان مشكلة المياه مشكلة فريدة لا تشبه أية مشكلة في أي مرفق خدمي آخر. وسيكون الترشيد من أولى أولويات الوزارة. وسوف نهيئ للمواطن في الأسواق أجهزة تعينه على توفير 50% من استهلاك المياه دون ان يشعر.
@ السدحان: أترون اننا بحاجة الى اعادة النظر في تعاملنا مع المياه بحيث يتغير تفكير المواطنين في نظرتهم للمياه وتفكيرهم في تفاعلهم مع هذه القضية؟
القصيبي: يقال دائما ان اجدى آلية هي التعرفة ولكني أدعو بل أكرر ما قلته وهو ان التعرفة ليست من أولويات الوزارة. والمواطن من مصلحته ان الكمية التي تعطى له من المياه تكفيه أطول فترة ممكنة حتى لو كان الماء مجانا. يقول الكثيرون الآن: لماذا الترشيد في ماء لا يكلفنا إلا عشرين ريالا او أقل؟ هذه النظرة القاصرة ينبغي ان تختفي ويحل محلها الترشيد قبل ان يضطر لاستجداء (الوايتات) مع مشاكل أخرى قد تأتي.
عدادات لآبار المزارع
@ السدحان:.. والزراعة أيضا تستنزف الموارد المائية؟
القصيبي: المشكلة ليست خاصة بنا ففي كثير من دول العالم الثالث تستأثر الزراعة ب70% من الموارد المائية وتصل هذه النسبة الى 90% في بعض الدول مثل مصر, بل ان النسبة في الهند تصل الى 97% لهذا اذا قلنا ان الزراعة تستنزف 90% من مواردنا المائية فيجب ألا تخيف هذه النسبة المواطنين عامة والمزارعين خاصة فهذه احصاءات عالمية موجودة في كل دول العالم الثالث بدرجات متفاوتة.
الوزارة بدأت الترشيد بتقليص برنامج القمح والشعير والأعلاف وركزت على الري بالتنقيط ومنعت توزيع المياه للأراضي البور. وهكذا بدأت في معالجة موضوع الزراعة. ويجب ألا ننسى ان المزارعين من كرام المواطنين واستثمروا في الزراعة استثمارا ضخما ولا نستطيع بل لا نريد حرمانهم من عائدات استثماراتهم, لكن نرجو في المستقبل ان تكون النظرة الى المشروعات الزراعية نظرة واقعية. فالنخيل والخضراوات تزرع في المملكة منذ فجر التاريخ وهي لا تحتاج لمياه غزيرة. اما القمح والبرسيم والأعلاف فكلها مبددة للمياه. ووزارة الزراعة ساعية في طريق التقليل من أي إهدار للماء. ومن برامجنا وضع عدادات لآبار المزارع, لا لإيقاف الزراعة بل لايقاف الهدر.
مع سماحة المفتي
@ السدحان: إذن مشكة مياه المملكة ليست الندرة بل سوء الاستهلاك؟
القصيبي: جلست مع سماحة مفتي عام المملكة وخرجت منه بآراء سديدة فيما يتعلق بمياه بلادنا وضرورة المحافظة عيها كنعمة من رب العباد الذي خلق لعباده ما يكفيهم من مقومات الحياة. فالمياه الحلوة تكفي حاجة كل البشر والمواد الغذائية تكفي أهل الأرض جميعا ولكن المشكلة في التوزيع.
الكل يعلم ان ثلاثة أرباع كنوز العالم وذخائره موجودة في العالم الصناعي وفي الولايات المتحدة على وجه التحديد لدرجة ان الولايات المتحدة كانت تحرق بعض المحاصيل لتحافظ على أسعارها كما تريد. كما كانت تضطر لذبح بعض أنواع الحيوانات حتى لا يختل توازن الأسعار! بل ان الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي تدفع لكل مزارعيها مبالغ طائلة مقابل ألا يزرعوا.
فالله سبحانه وتعالى أوجد الموارد الكافية لحياة البشر جميعا إلا ان البشر لم يحسنوا التوزيع فحدث الاحتكار وحدث العوز.. حدثت التخمة وحدثت المجاعة.. وضمير العالم المحتكر لا يفيق إلا بعد ان يهلك الملايين.
في المملكة مشكلتان احداهما ندرة المياه لان أغلب الأراضي لدينا صحارى باستثناء بعض الوديان.. والمشكلة الثانية سوء التوزيع فمثلا التحلية تكون على السواحل ونقلها آلاف الكيلومترات الى مواقع الحاجة يكلف الكثير.
وقد تحمس سماحة المفتي لموضوع الترشيد وبإذن الله طلبة العلم الأفاضل سوف يساعدوننا في حملة التوعية لأن المحافظة على الماء (أساس الحياة) واجب ديني ومطلب وطني. ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يوجهنا بعدم الإسراف ولو كنا على نهر جار.
أحترم تفكير المواطن
@ السدحان: هل وضعتم خطة حقيقية لحملة التوعية بكافة أبعادها؟
القصيبي: منذ تكليفي بمهام الوزارة حتى لحظة إجراء هذا الحوار لا تتجاوز ستة أسابيع قضيت منها أسبوعين خارج المملكة. ولو قلت لك إنني أعددت لكل أمر عدته لصرت مسيلمة الثاني.. بالطبع يسعدني ان يحسن الناس الظن بي ويجعلوني ذخرا للمهام الصعبة. ولأني احترم تفكير المواطنين وعقولهم أقول لهم اني بدأت التفكير في وضع الخطوط والخطط الأولى ولكني مازلت لاجئا إداريا وبحاجة لوقت للتأقلم مع مهام الوزارة وتفعيل الخطط وتنفيذها وفق خطة وطنية للمياه بحاجة لثلاث سنوات على الأقل في ظل أحسن الظروف والكفاءات اذ لابد من بحوث ودراسات جيولوجية وميدانية. فاذا نجحنا في وضع هذه الخطة المحكمة بكافة أبعادها خلال ثلاث سنوات نكون قد انجزنا انجازا طيبا.
موقف دبلوماسي طريف
@ السدحان: دعنا نتحول قليلا من المياه الى الدبلوماسية محطتك الأخيرة قبل المياه لنسألك: بم تنصح خليفتك المتجه الى لندن؟
القصيبي: لا شك ان لدى خليفتي الكفاءة والتأهيل وحياة حافلة بالتجارب التي تغنيه عن نصيحتي. ووظيفة السفير من الوظائف القليلة التي لا تستطيع ان تكتب لها توصيفا وظيفيا دقيقا لذا فان الأسلوب الشخصي يلعب دورا كبيرا في عمل السفير, اذ بامكانه ان يؤدي عملا يستغرق ليله ونهاره, وبامكانه ان يكتفي بعمل رمزي لا يتطلب سوى الساعات الرسمية. وبإيجاز أقول إن كل سفير يصوغ الوظيفة بأسلوبه الشخصي ومن الصعب وضع توصيف كما اسلفت.
@ السدحان: الحياة لا تخلو من مواقف طريفة ولا شك في ان الذاكرة اللندنية سجلت منها الكثير..
القصيبي: عندما توجهت أول مرة لتقديم أوراق اعتمادي في قصر باكنجهام أجرى لنا رئيس المراسم (بروفة) لما سيكون. ومن ضمن المراسم العربة التي تجرها الخيول حيث تأتي عربة جميلة تجرها الخيول تأخذ السفير من منزله ثم تعيده. ومن العرف ان يقدم السفير للخيول تفاحة تزرع الألفة.. المهم بعد انتهاء البروفة قال لي رئيس المراسم: آسف ليس هناك غير حصانين! سألت ما الداعي للأسف؟ فأجابني بأن سفراء الكومنولث تأتيهم عربات تجرها أربعة خيول. وطلب مني ألا أشعر بالحرج لوجود حصانين فقط. قلت في نفسي: بصراحة لا يهمني عدد الخيول بقدر ما تهمني قدرتها على سحب العربة, وذكرت له ذلك مشيرا الى علاقة القدرة على السحب بالوزن.. ثم نفذ لي رسام صورة من وحي هذا اللقاء أهديتها لرئيس المراسم وضعها في مكتبه.
عندما جاء يودعني الوداع الأخير قبل شهرين مازحني بقوله: ليتنا اكتفينا للجميع بحصانين! سألته عن السبب فروى لي حكاية طريفة, قال: الأسبوع الماضي كنت مع سفير دولة من الكومنولث ويبدو ان واحدا من الخيول الأربعة لم يخضع للتدريب بما يكفي. وأثناء سير الموكب انطلق الحصان غير المدرب وجر معه الخيول الأخرى حتى انقلبت العربة واصيب المندوب السامي برضوض!! ولك ان تتصور الموقف.
حسن استثمار الوقت
@ السدحان: كيف استطعت الجمع بين متطلبات الكتابة مادة وإثراء, ومهام العمل الشاق في كل موقع كنت فيه؟
القصيبي: نحن نهدر كثيرا من الوقت في اجتماعيات لا حصر لها, وقضايا انصرافية لا طائل من ورائها, ومن الممكن اختصار بعضها وإلغاء البعض الآخر تماما. وأعتقد ان الإنسان لو تخلص من هذه الامور سيجد من الوقت ما يكفي لعمل كثير مما يفيد ويمتع. لذا أرى ان حسن استثمار الوقت نوع من الإبداع, وهو مطلوب من كل فرد.
عبدالرحمن السدحان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.