في كتابه الجديد "امضاءات"، الصادر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، يطرح شوقي عبدالأمير أمام القارئ رحلته الكاملة مع الشعر والكتابة الأدبية، مع الوطن والمنفى والحل والترحال بين أماكن ومناطق متباعدة الأنحاء، من دون ان تشكل المسافة عنده اي شيء آخر سوى الحنين. والكتاب بكامل صفحاته ومفرداته كتاب الحنين والمكاشفة، أوليس الشعر، في بعض وجوهه، قائماً على الحنين؟ وفي الوقت نفسه، فإن الكتاب يطرح ايضاً سؤال الحياة وجدواها ونهايتها المحتمة، مع تعديل طفيف هو ترك الأثر او الامضاء كما يريده شوقي عبدالأمير. فالحياة رحلة نحو الموت والفناء. رحلة نهاية مؤكدة، تبدأ من النطفة بحسب العلم ومن الثغثغة والنطق بحسب الفلسفة. وما يقبع بين البداية والنهاية هو الشعر بكل تجلياته. والشعر عند شوقي عبدالأمير، وان كان يحتمل مفردة كالموت "المادي"، فإنه الرديف الألصق بالحياة، من حيث انه المادة الوحيدة القادرة على انعاش الذات. ويرمي عبدالأمير من خلال عنوان كتابه الى تعريف شخصي بدلالات رمزية مكثفة جداً. إنّه يريد من قارئه التفاعل معه منذ اللحظة الأولى. فالعنوان استعارة لغوية لتواقيع جمع توقيع، إذ يظهر توقيع الشاعر في أعلى الغلاف تحت اسمه. وإذا تم التدقيق في المعنى الذي يقصده الشاعر، نتلمّس سعياً إلى إغراق المفردة في شاعرية اللغة. واللغة هنا كالجسم الذي لا يتكون من دون روحه. لغة يسكنها الشعر، كما تسكن الروح الجسد تماماً. وهي كذلك المضي من معنى وذهب، مرّ ومضى. وهذه صيغة العبور من مكان وزمان لعينين، الى مستقبل مضارع لا يحول دون تمامه حائل. هكذا يبقى الأثر المادي الذي لا تنزاح عنه روح المكان وأشياؤه وطقوسه ورموزه، وتبقى لنا امكانية الامتزاج بحيثيات الأمكنة المختلفة واللغات الغريبة. يكتب شوقي عبدالأمير ويكثف رمزية اللغة، كأنه والقارئ على موعد مع روح الأمكنة او مع خلاصتها. وهو يكتب الشعر بحرفة بالغة لا يجيدها غير من يقف أمام اللغة. يكتبه بقوة، إذ يقيم مع اللغة علاقات ملتبسة تنم عن صراع دائم. وبقدر ما يستحوذ عبدالأمير على ملكة الشعر، فإنّه سيبدو للكثيرين، في هذا الكتاب أيضاً، صانع لغة، ومشتغلاً على مخزون الكلمات وموروثها الثقيل.