يحاول الكاتب العراقي سلام عبود في كتابه "ثقافة العنف في العراق" منشورات "الجمل"، كولونيا ان يلقي الضوء على ممارسة ثقافية غالباً ما جرى الحديث عنها شفاهاً. لقد قيل كلام كثير عن حالة الثقافة العراقية التي باتت تقسم الى ثقافة الداخل وثقافة الخارج. ان مجرد رواج هذا التقسيم يؤكد طبيعة النزيف الهائل الذي تعرضت له الحركة الثقافية داخل العراق، الى درجة ان أسماء وتجارب الخارج غالباً ما يتم تداولها بوصفها الممثل الحقيقي الابداعي والفكري الأكثر حيوية وحضوراً... ليس فقط لأن هؤلاء هم الأشهر عربياً او الأكثر حضوراً في الصحافة والاعلام، او الأكثر انتشاراً ووصولاً إلى القرّاء، بل لأن الحصار، الذي يقاسيه العراق سياسياً من الخارج، وعلى مختلف الأصعدة من السلطة في الداخل، ساهم ايضاً وبحصة كبيرة في انتاج هذه الصورة وتشكيلها. من الواضح انه ليس في نيّة سلام عبود ان يؤرخ لكل هذا. فالكتاب منشورات الجمل - ألمانيا يكاد يكون كتابة شخصية لكاتب عاش وما يزال تحت وطأة المنفى والوطن اللذين يتقاسمان، كمكان ومخيلة، مشهد الأدب العراقي الراهن. كتابة يحسب لها جرأتها على المكاشفة والوضوح والاتهام في دخول "أمر يتحرج الجميع من الدخول فيه". ويتركز معظم الجهد المبذول في الكتاب على النصوص التي كتبت عن الحرب العراقية - الإيرانية وفي ظلالها. الحرب كمثال متكامل للعنف، ويتفرع منها الى مظاهر العنف الأخرى: السلطة، الرقابة، التأويلات الأدبية، حرية الكتابة، أدباء السلطة وأدباء المنفى، إلخ. ويتوصل المؤلف، عبر منافذ متعددة، الى ابراز مساحات الكذب، والتهرب من الحقيقة، والاستقواء بالسلطة على الثقافة. ويدلل على ذلك بأمثلة واستشهادات كثيرة، أهمها النقد اللاذع الذي يوجهه الى أساليب الكتابة ومخيلتها. ويركز المؤلف على الكتابة بوصفها ابداعاً قبل اي اعتبار للموضوع. حيث نرى الفشل الذي وقعت فيه نصوص كانت وظيفتها الأهم هي ممالأة السلطة، والتأريخ للواقع كما تراه هذه الأخيرة. فالمؤلف لا يريد من كتاب الداخل ان يكونوا انتحاريين، بل ان يكونوا كتاباً أمام سلطة انكشفت امام العالم أجمع، بعنف سلوكها غير المبرر، حيال كل ما له صلة بالحياة السياسية والثقافية في العراق.