مي صايغ اسم لمع في عالم التمثيل اللبناني، لا سيما على الشاشة الصغيرة، منذ بدأت العمل في هذا المجال العام 1986 في مسلسل "الصقيع" لأنطوان غندور. منذ ذلك الحين صارت مي اسماً يشارك الى جانب كبار الممثلين العرب. لكنها تقول اليوم انها مثل الممثلين اللبنانيين كافة تشعر بالقرف، وعلى استعداد لحزم حقيبتها والسفر ان لم تصحح الدولة اللبنانية هذا الوضع الذي يحكمه الغبن والاهمال. وتشير بأصابع الاتهام الى القنوات التجارية التي تساهم في هبوط مستوى الدراما في لبنان، عن تجربتها في عالم التمثيل تتحدث صايغ في هذا الحوار: هل تشعرين انك وصلت الى مستوى الاحتراف الحقيقي في التمثيل؟ - أشعر أنني ما زلت في بداية الطريق، وهناك أعمال كثيرة يجب تحقيقها، لكننا نحتاج الى كتّاب والى انتاج أسوة بالبلدان الأخرى التي سبقتنا، ففي لبنان لدينا أعداد كبيرة من الممثلين شبه العاطلين عن العمل لا ينقصهم شيء سوى الأعمال الدرامية الحقيقية. هل ترين ان محطات التلفزة لا تقوم بمهمتها الأساسية وهي تقديم الدراما المحلية؟ - الذي أعرفه ان هذه القنوات لكي تبقى على قيد الحياة يتطلب ذلك شروطاً أولها ان تقدم أعمالاً درامية محلية وتشجع هذه الأعمال لكننا لم نلحظ حتى الآن هذا التوجه. فأكثر البرامج عبارة عن حوارات وثرثرة. اذن الممثل اللبناني عاطل عن العمل حتى اشعار آخر. - هذا صحيح. نحن نقبل ببعض الأعمال الرخيصة فقط لأننا نريد ان نأكل، لكن هذه الأعمال التي نقبلها لا ترضي طموحنا. يشن الفنان المحترف حرباً على مسلسلات "الدوبلاج" ويشارك في "دبلجة" هذه الاعمال. هل تشاركين بهذه الحرب؟ - الدوبلاج فن قائم في ذاته له شروطه ومقوماته، مثل هذه الأعمال المدبلجة لها مكانتها في أوروبا وغيرها حيث تتم دبلجة معظم الأفلام الأميركية والأعمال التلفزيونية ايضاً. هذه الأعمال لا بد منها للفنان حين يقل الانتاج المحلي الذي له الأفضلية الأولى بنظري. الى أي مدى ينجح الممثل بنقل المشاعر الانسانية من خلال الأعمال "المدبلجة"؟ - من الصعوبة بمكان نقل المشاعر والأداء من خلال الدوبلاج ولا سيما حين تكون الشخصية الحقيقية متقدمة في السن، وعلى الممثل الشاب نقل الاحساس وصوت هذه الشخصية، الدوبلاج اختبار صعب ليس سهلاً على الاطلاق. اذا كان على الممثل الا يعمل في مجاله فما هي الآفاق المتاحة له؟ - هذا ما أفكر به اليوم، لكن أظن بأن هذا العصر فتح مجالات جديدة لا سيما في الكومبيوتر، اضافة الى ان بلاد الله واسعة، فآخر موضة في لبنان الهجرة، نهاجر عندما تنقطع أمامنا السبل" المهم ان يشعر المرء بإنسانيته. لأنني حتى الآن لم أشعر بقيمة الانسان في وطني. والممثل لديه احساس فائض في كل شيء حتى بمسائل الغبن والتهميش لذلك هو أول من ينكسر في مجتمعه الظالم وغير العادل. فأنا لا أريد ان أصل الى مرحلة انتظار دوري حتى أجد عملاً أقوم به. هناك أسماء غائبة كبيرة او مغيّبة مثل عليا نمري، إيلي صنيفر، ليلى كرم وآخرون. هؤلاء لو كانوا في بلد آخر يكتب لهم عمل خاص بهم ويكون الآخرون مجرد ضيوف في أعمالهم. نحن نعيش حالة ظلم كبرى. أين دور وزارة الثقافة ونقابة الفنانين؟ - أية نقابة هذه؟ انها مشرذمة الى نقابتين، لا نعرف من هي الحقيقية او المزورة. وطن من دون فن كيف يبدو؟ - وطن من دون فن يصبح مثل حجر، من دون احساس. مادة لا طعم لها ولا رائحة. نجد ان فن الغناء يأخذ موقعه على الشاشة، وفي المهرجانات وعدد المغنين يزداد بإطراد، على عكس التمثيل، لماذا؟ - لا تعليق لدي، لأنه شيء يحرجني في الصميم. الأغنية اللبنانية قوامها عمل فردي يستفيد من جهد فريق يشكل مكتباً خاصاً بالمغني، أما التمثيل فعمل جماعي لا يقوم الا من خلال مجموعة كبيرة وتضافر جهود كثيرة ويحتاج اي تمويل أكبر. ما هو الدور الذي تحبين تمثيله اليوم؟ - أتطلع الى دراما تصف هذا الوضع الذي يعيشه الممثل في لبنان، هذا قابع في بيته، وآخر حالته حالة، وبعضهم يهاجر. انها دراما المأساة الحقيقية، أجمل الأمور ان يمثل الفنان نفسه، لكن من يتجرأ ويعرض مثل هذا العمل. نحن نعيش في دوامة من المهاترات والنفعيات وفي نهاية المطاف الممثل هو المظلوم الحقيقي. أديت دوراً كوميدياًَ الى جانب ابراهيم مرعشلي، ماذا أعطتك هذه التجربة؟ - الممثل عليه ان يقدم كل الأدوار، فتجربة "سكرتيرة بابا" أعتبرها نقلة نوعية فتحت لي باباً للمعجبين الصغار، فكما كنا ننتظر ماما سلمى عندما كنا أطفالاً، اليوم هناك أطفال ينتظرونني. هذا الشعور أفرحني، لأن الأطفال هم أصدق الناس لا يعرفون المجاملة او الكذب. هل أديت أدواراً ندمت عليها؟ - لا ندم في الفن، لأن التجربة في حالة استطلاع لكل جديد. كل يوم نضيف شيئاً، سواء أكان العمل ناجحاً ام فاشلاً، وفي التمثيل لا توجد كل يوم أدوار كبيرة، فهناك أدوار تنجح وأخرى تفشل. ما هي طموحاتك؟ - أنا موجودة، اذن طموحي موجود. لكني لم أكمل مسيرتي الفنية الا اذا حُلَّت الأوضاع الفنية، واكتملت شروط الاستمرار، من ضمان صحي، وشيخوخة، واحترام لدور الممثل، فلا يلهث وراء لباسه او مكياجه، او وقود سيارته. هذه الأشياء البديهية اليومية لا بد لها من حلول والا فلن أرضى بهذه المهزلة. ما أطلبه ان يكون لنا اعتبار وأن أشترك بمسلسل يبقى ذكرى ويعاد باستمرار، على مرّ الأجيال. هل تؤمنين بأدوار البطولة؟ - لا أؤمن بأن هناك بطلاً واحداً للعمل، فريق العمل مجتمعاً هو البطل، فإن نجح العمل يكون الممثلون كلهم قد اشتركوا في نجاحه، وإن فشل فالجميع مسؤولون عن الفشل، وصولاً الى المنتج والتقنيين والمخرج وهم ايضاً ابطال في العمل، لكنهم غير مرئيين. ماذا يعني البطل في عمل فاشل؟ مارلون براندو نال مئات الآلاف من الدولارات حتى يظهر في أحد الأفلام ويقول جملة واحدة لأنه بطل ونجم سينمائي، نحن لم نصل بعد الى هذه التقنية وهذه القدرة على تكريم الأسماء. نحن ما زلنا نبحث عن وضع أسس لعمل تلفزيوني ناجح. لم نصل بعد الى أسماء تجارية لها أثمان باهظة. ما زلنا في طور المؤسسات التجارية التي تخضع المشاهد او المستمع الى نوع فني معين نتقبله لأنه مفروض علينا، لم نتطور لنصل الى اختراع نقدي مهمته طرح الفن الجيد. هناك اباحية في مجمل ما نقوم به من فن. فلا رقيب او حسيب على جودة الأعمال. هل الفنان يختبر انفعالاته في التمثيل أكثر مما يختبرها في الحياة؟ - قمت ببعض الأدوار التي لم أختبرها في حياتي العادية كدور المرأة اللئيمة والمتسلطة. وأنا عادة لا أؤمن بهذا النوع من النساء، لأن المرأة عندي هي رمز الدقة والأنوثة والذكاء ويمكن ان تصل الى مبتغاها من خلال هذه المواصفات المتميزة الا اني نجحت في دور التسلط واللؤم ولا أعرف كيف أمكنني ان أؤدي مثل هذا الدور! هل تجربة العيش في الأجواء اللبنانية تحفز الممثل الى خلق أدوار أكثر عمقاً وتنوعاً من أي ممثل آخر؟ - الممثل هو قدرة احساس كبيرة يمكن ان توظف في أدوار لم يختبرها أبداً في حياته، فاللبناني الذي عاش الحرب او الفقر او الاضطهاد لا يزيد هذا او ينقص من موهبته شيئاً اذا كان موهوباً أصلاً.