يعيش الممثل اللبناني سمير شمص، كمعظم الممثلين المخضرمين في لبنان، مأساة تراجع مستوى الانتاج الفني في البلاد، الا انه على رغم كل الصعوبات، بقي مصمماً على العطاء حتى النهاية، واضعاً نصب عينيه الشعار الذي يقول: "أن أضيء شمعة خير من ان أعيش في الظلام...". ومسيرة شمص الفنية حافلة بالعطاء، بدأها في المسرح بتأليفه "فرقة نجوم المسرح اللبناني" ثم انتقل الى التلفزيون فالسينما وجسّد أدوار البطولة بسرعة. وأملاً بالنجومية ذهب الى مصر لتحقيق حلمه، لكن اقامته لم تطل كثيراً، فمصر كما يقول: "لا تقبل أي جسم غريب"، لذلك كان قرار العودة الى الوطن. سنة 1974 برز نجم سمير شمص من خلال مسلسل "النهر" الذي أطلقه جماهيرياً، وبعده انهالت العروض وكثرت الأعمال الى ان جاءت الحرب وعرقلت المسيرة بعض الشيء. واليوم نراه من جديد على الشاشة الصغيرة في أكثر من مسلسل. في هذا الحوار مع "الحياة" يتحدث سمير شمص عن هموم المهنة وعالمها: كيف يرى سمير شمص واقع الانتاج التلفزيوني اللبناني؟ - ما زال الانتاج اللبناني يفتقد عنصر المنافسة إن لجهة التمويل أم التنفيذ أم المعدات المستعملة أم فريق العمل. كما لا نزال تحت وصاية محطات تلفزيونية تجارية تنتج، لا لشيء الا لتعبئة الهواء. فلا يوجد في لبنان شركة واحدة خاصة غير تابعة لمحطة تلفزيونية، والسبب هو سيطرة المافيات التلفزيونية على الوضع الانتاجي في شكل عام. ويبدو ان هناك شبكة من الناشطين والمنتفعين في توزيع الانتاج في العالم العربي تمنع اي شركة جديدة من النجاح والاستمرار بالانتاج الا من خلال هذه المافيات، وهذا يختصر ما هو موجود على الأرض حيث الانتاج محصور بمجموعة من التجار الذين يختبئون وراء مكاتبهم في محطات التلفزة. هذا هو حجم الانتاج في بلدنا. من هنا لا استطيع ان اكون منتجاً وسط شبكة أو مافيا في الانتاج. فأنا اليوم أداة في يد المنتجين الذين يمسكون الفن في شكل سيئ. أن أكون موجوداً وسط هذه الاجواء نراك على الشاشات في اكثر من عمل في الوقت الذي يحتجب الكثير من الممثلين الذين ينتمون الى الجيل نفسه الذي تنتمي اليه. كيف تفسّر ذلك؟ - الجواب سهل جداً، فأن أكون موجوداً أفضل من ألا اكون. وأحاول قدر المستطاع مد الأعمال التي أقوم بها بخبرتي لإنجاح العمل، أقلّه لإنقاذ اسمي. فغالبية البرامج التي أشارك بها أبذل فيها جهوداً شخصية فأسعى الى التغيير في الحوار والمشهدية ليكونا مناسبين لطبيعة الدور، كما أعمل على أدوار غيري، فأنا اهتم بالعمل وأعتبره جزءاً من مسؤولية كبيرة أنا موجود فيها. أحياناً لا يعجب هذا الأمر بعض المخرجين والكتّاب الذين أتعامل معهم فتنشب الخلافات الى ان نتوصل الى حلول مشتركة مع انها لا ترضيني تماماً. نفهم من كلامك انك تقبل ببعض التنازلات رغبة منك في العمل؟ - لا يمكن تسميتها تنازلات، فهي تنازلات قسرية، فهذا ما هو موجود على الأرض، إما أن أجلس في منزلي من دون عمل وإما أن أقوم بالقدر الممكن الموجود وأضع فيه الثقل المناسب. وهل قمت ببعض التنازلات في الآونة الأخيرة إن كان في "دخان ومطر" أم في غيره من الأعمال؟ - في "دخان ومطر" كثر الأخذ والردّ، بيني وبين الكاتب وإدارة الانتاج على بعض النواحي واستطعنا ان نتوصل الى حلول مشتركة. فهو مسلسل ذو فكرة جميلة عن جيل ما بعد الحرب وكانت لي مآخذ على عدم توافر الامكانات البوليسية في شكل أقوى، وقد استطعنا ان ننفذ منها قصة الدائرة الموسعة فقط حيث الحركة والنشاط من دون امكان القيام بالمطاردات وتأمين العناصر البشرية الكثيرة والأسلحة والسيارات، وهنا أضع اللوم على ادارة الانتاج لجهة عدم تأمين هذه الأمور كلها. فالدخول في عمل كهذا يوجب توفير الامكانات اللازمة. الخيط الرفيع جسّدت الكثير من الأدوار خلال مسيرتك الفنية، ما هو الدور الذي شكّل المحطة الأبرز؟ - هناك عمل اسمه "دائرة الضوء" لم يعرض في لبنان، أتمنى عرضه ليراه الناس ويلاحظوا حجم الدور الذي لعبته والذي اعتبره مدرسة في التمثيل. فالشخصية مركبة وبحاجة الى امكانات تمثيلية عالية. وأشكر الربّ أنني كنت هذا الممثل، اذ اعتبر هذا الدور أهم ما أديته في حياتي الفنية، فقد كنت في ريعان شبابي مكتمل العناصر الشكلية والتمثيلية. وللمرة الأولى أعجب بنفسي كممثل. وحبذا لو يجري عرض خاص للصحافيين ليطلعوا على الدور وأدائه المميز. وكل ذلك عائد الى التجاوب بين الممثل والمخرج. هذا التجاوب بين الممثل والمخرج هل وجدته في أعمالك الجديدة؟ - وجدته في "صور ضائعة" مع المخرج غسان جبري. في البداية لم يكن متجاوباً معي فحصل بيننا احتكاك لفظي عنيف، ثم في مرحلة لاحقة استطعنا ان نتوصل الى حل فتفاهمنا لمصلحة الدور وتمكن من استيعابي بعدما أدرك طريقتي في العمل. ماذا عن دورك في المسلسل؟ - "صور ضائعة" مسلسل يعرض في شهر رمضان ويروي قصة جيل ما بعد الحرب بطريقة مبتكرة للكاتب ابراهيم صادق الذي كان متعاوناً جداً لجهة دراسة الشخصية وتنفيذها وتغيير بعض الأمور بحسب ما رأيتها، وأتمنى ان تكون النتيجة جيدة فنقطف ثمن التعب الذي تعبناه طوال خمسة أشهر. وألعب دور رائد في الأمن يعيش حال شك في سلوك ابنته وأخيه لتتضح في النهاية اشياء ما كانت في الحسبان. كما ترافقه قصة حب قديمة كشبح في حياته الزوجية على رغم اصراره على الهروب منها كونه زوجاً صادقاً، اضافة الى تشابك أحداث كثيرة. تحدثت عن ابتكارك مدرسة خاصة في التمثيل في مسلسل "دائرة الضوء"، فما هي مقوماتها؟ - لم أعنِ بكلامي انني أوجدت مدرسة ذات منهج مجدد يتم الانتساب اليها. انما قصدت انني كممثل لبناني، للمرة الأولى أُخدم في دور انتاجياً وإخراجياً وتمثيلياً. فقد صورنا المسلسل في اليونان ووضعت له امكانات بشرية هائلة، حتى ان البوليس اليوناني صوّر معنا. وللمرة الأولى أؤدي شخصية طبيعية تستطيعين تصديقها، فالصدق هو العامل الأهم بالنسبة الى الممثل، وأخطر شيء هما العينان اللتان قد تفضحان الكثير من الأمور فإما تظهران الكذب وإما تظهران الصدق. يتخرج سنوياً في معاهد التمثيل في لبنان دفعات كبيرة من الشباب. في ظل هذا الواقع هل يشجع سمير شمص هؤلاء على احتراف التمثيل؟ - بنظرة فلسفية خاصة أقول ان الفن والشعر والعطاء والإبداع ولدت من رحم الآلام، وهذه نظرة فلسفية، لكن ليس من رحم الجوع والفقر و"التعتير". وأنا أفضل ان يكون الفنان غير مرتبط بأي شيء آخر إلا فنه وهذا هو الاحتراف لكي يعطي ذاته كلها لفنه وهذا ما قمت به أنا، علماً انني لا أجيد اي عمل آخر غير التمثيل. وقد جرّبت أشياء كثيرة وفشلت، حتى ان الناس لا يتقبلونني في عمل آخر، فهم يرونني ممثلاً فحسب، وبهذا لا استطيع ان اكون مدير فندق مثلاً، وبالفعل جرّبت خوض هذه المهنة في الخليج فلم يقبل أصحاب الفندق. من هنا أنا أنصح بأن يلتزم الممثل فنه فقط، انما حياتياً ومعيشياً الوضع صعب للغاية. في الحقيقة الاجابة عن هذا السؤال تربكني وبصدق لا أدري. من يلفتك من الممثلين الشباب اليوم؟ - هناك عدد كبير من الممثلين الشباب الجيدين، وهم يشكلون طبقاً يحتوي كل الاصناف. لذلك لست خائفاً من العنصر البشري في الدراما اللبنانية، فما ينقصنا هو عنصر المنافسة العربية، وبرأيي يكمن الحل في الانفتاح بين الانتاجين اللبناني والسوري في شكل مدروس وغير ارتجالي. أما على صعيد التعاون مع مصر فلا يحلم احد بذلك لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد والسبب هو ان مصر بلد يعدّ 70 مليون نسمة وليسوا بحاجة الى أي امكانات بشرية تأتيهم من الخارج، وبالتالي لن يفتحوا لنا المجال لأدوار كبيرة. ونلاحظ انه عندما يشارك ممثل لبناني في عمل مصري أو سوري يظهر حضوره القوي، بعكس ما يظهر عليه في أعمال محلية، من هنا، العلّة ليست في الممثل انما في التجار الذين يستغلونه في أعمال تافهة ليملأوا جيوبهم. الدولة في كل هذا وأين تقع مسؤولية الدولة في ذلك؟ - لقد نسيت وجود الدولة، فكيف أضع المسؤولية على شيء غير موجود حالياً. آخر اعمالك السينمائية كان "افريقانو"، كيف تصف التجربة؟ - تجربة مهمة، لكن من سمير شخص الذي كان مؤهلاً ليكون بطل السينما العربية الى أدوار ثانية من الطبيعي ألاّ أكون ممنوناً؟ بين المسرح والتلفزيون والسينما أين تجد نفسك؟ - في الثلاثة، فأينما حللت كنت أشعر بأنه عليّ ان اعطي كل ما عندي فأترك بصمة في اعمالي. بالدوبلاج استطعت ان أقوم بأهم مسلسلات دوبلاج، إذاعياً أنا مخرج اذاعي، كتبت للتلفزيون وللإذاعة وللمسرح، كما نفذت مسرحية من انتاجي وكتابتي، سينمائياً قمت ببطولات أولى وثانية وهي مسيرة مستمرة بالنسبة إليّ. في حديثك عن الدوبلاج نكهة مختلفة عمّا نسمعه خصوصاً لجهة الضجة التي أثيرت حول الموضوع. كيف تفسّر ذلك؟ - لا أستطيع ان أقول ان الدوبلاج آخر احلامي، لكنه من جهة أخرى فن قائم بذاته وقد أثاروا حوله ضجة كبيرة في لبنان ليس لها أي معنى. وهل ترضى اليوم بدبلجة بعض الأعمال، خصوصاً بعد تحريك عجلة الانتاج المحلي؟ - لا أزال أدرس بعض العروض وذلك لسبب بسيط ألا وهو تفكيري في أخذ اجازة من الدراما، إذ لا أريد تكثيف ظهوري على الشاشة. فما كان يجب ان اظهر في مسلسلين مختلفين في الأسبوع نفسه، وذلك لكي يصدق الناس الشخصية التي يرونها بمحافظتها على نمط واحد. وفي النهاية آمل ان نصل الى وقت يؤمن الممثل قوته من مسلسل واحد في السنة لأننا اليوم لا نزال بحاجة الى خمسة مسلسلات لنعيش بكرامتنا. فيكي حبيب