تدخل كلمات في عملية التعامل الألسني التواصلية للمجتمعات فتصبح جزءاً من عملية فهم الحديث وتسمى كلمات جديدة في قاموس اللغة. ويمكن تصنيف الكلمات المشتقة ضمن مجموعة الكلمات الجديدة. كذلك تصنف الكلمات التي ولدت ضمن سياق خاص لتفيد معنى معيناً وتسمى كلمة - شعار أو كلمة منعزلة. لكن الكلمة المعزولة في علم التواصل لا تفيد أي معنى خارج سياق الحديث، على عكس العبارات والأمثلة والطرائف التي تحمل بعد فترة استعمال، في سياق معين، معنى بيانياً يفهمه كل متعامل بها فتصبح "جملة - شعار". لقد ساهمت العولمة في جعل فهم بعض العبارات الشهيرة، يتجاوز حدود اللغة الأم لهذه العبارات. ومن أبرز الحقول التي عم فيها العمل ب"جملة - شعار" الرياضة والسياسة والتقنيات المختلفة وفي بعض الأحيان العلوم النفسية أو الاجتماعية. وكان لعولمة وسائل الاتصال دور في دفع استعمالات عدة إلى واجهة علوم الكلام التواصلي والألسنية، خصوصاً في حقلي الرياضة والسياسة. ومن أبرز الكلمات العالمية الرياضية كلمة "فاول" أي خطأ أو "أوت" أي خارج إطار اللعب، وهي كلمات من أصل إنكليزي بالطبع. وأحياناً يلجأ بعض السياسيين الجيدين في عملية التواصل والتخاطب الإعلامي إلى بعض العبارات الشعارية الرياضية للتعبير عن حالات سياسية معينة فيكون لها وقع كبير وتأثير عميق على المستمع لسهولة تطابق الصورة المشار إليها مع المعنى المفهوم جيداً والمتأصل لديه. ومن أشهر العبارات تلك التي استعملتها مادلين أولبريت عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون، وهي عبارة "تايم أوت" وتفيد معنى فترة سماح أو تعليق اللعب. وتستعمل عادة كلمة "تايم أوت" في لعبة كرة السلة عندما يطلب "الكاوتش" أي المدرب من الحكم تعليق اللعب لفترة قصيرة كي يتشاور مع لاعبيه ويوجه لعبهم. وهو عندما يطلب ذلك يرفع يديه بشكل "تي" باللاتينية T، وهي حركة يعرفها ليس فقط جميع لاعبي كرة السلة وعشاقها في العالم بل كثيرون من الناس في العالم. ومن الطبيعي أن تكون معظم العبارات الشعارية صادرة عن الولاياتالمتحدة فهي دولة علم التواصل بالدرجة الأولى تتفوق على غيرها بالاستعمال المكثف والناجح لعملية التواصل والإعلام في كل المجالات وعلى مختلف المستويات، وليس فقط المستوى السياسي. ومن الجمل الشهيرة التي باتت شعاراً معروفاً في الولاياتالمتحدة "ما هو جيد لشركة فورد جيد للولايات المتحدة!". وبات استعمالها على الشكل الآتي: "ما هو جيد ل..." وتترك معلقة للإشارة إلى الهدف الذي يمكن أن يكون أي شخص أو شركة أو فريق. وقد استعملت شركة "أي بي إم" كثيراً هذه العبارة قبل أن يخطفها منها بيل غيتس ويستعملها للدفاع عن شركته أمام المحاكم. لكن من الواضح أن الاستعمال الأوسع للكلمات والعبارات كشعار يكون في الحقل السياسي. وكما هو الأمر بالنسبة إلى الرياضة، فإن العولمة الإعلامية جعلت من العبارة الشعار سلاحاً يستطيع أن يكون مؤثراً وفتاكاً. وقوة الجملة الشعار تكمن في عوامل عدة منها سهولة استيعابها من المتلقي من دون أي جهد أو تفكير. فهي تختصر تفسيرات طويلة قد تدفع المتلقي إلى الملل والشعور بافتقاده القدرة على استيعاب ما يراد توصيله له من معلومات عبر حديث طويل تتداخل فيه الحجج والموجبات المنطقية. والملل لدى المتلقي هو أسوأ ما يمكن أن ينتظر أي عملية تواصل، إذ تكون نتيجتها دائماً الفشل. كما أن العبارة - الشعار التي تحمل معاني من حقول مختلفة عن الحقل السياسي مثل "تايم أوت" تخفف من الخطورة التي يمكن أن يتحسسها المتلقي والتي يمكن أن تنبهه إلى ضرورة التمعن قبل الانجرار في تأييد المطروح عليه. ومجرد استعمال كلمة أو عبارة رياضية يكون بمثابة إلباس ثوب مخفف للمعاني المراد ايصالها من دون أن يرفع هذا الثوب من الخطورة التي قد تكمن في المعنى الذي يصل كاملاً إلى المتلقي من ناحية الهدف التواصلي على رغم ثوب البراءة الرياضية أو ما شابه. ويتذكر كثيرون أن خروج أولبريت بجملتها الشهيرة كانت في فترة مفاوضات وايت بلانتيشين وطابا بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي يومها بنيامين نتانياهو. ومنذ تلك الفترة التي لم تنفذ خلالها أي حكومة إسرائيلية من الحكومات التي تعاقبت على الحكم أي التزام وقعت عليه، وحتى اليوم، كان الفلسطينيون هدفاً ممتازاً لاختبارات مجموعة من العبارات - الشعار من قبل الإدارة الأميركية أو الحكومة الإسرائيلية أو من الاثنتين معاً في وتيرة متسارعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات الدولية والإعلام والتواصل. وكان نتانياهو، الذي درس الإعلام والتواصل والعلاقات العامة، أول من استعمل الجملة الشهيرة "الأمن مئة في المئة"، والعبارة لطيفة من الناحية التواصلية، إذ من يستطيع رفض الأمن المطلق. ولكن لم يدخل أحد في تفاصيل الظروف السياسية العامة لتحقيق شروط هذا الشعار التسويقي لعملية حشر السلطة الفلسطينية في الزاوية. حتى السلطة الفلسطينية نفسها كانت عاجزة عن الرد على الشعار القوي تواصلياً. واستمر الاستعمال اليومي المكثف للجملة الشهيرة إلى أن تبين لمسوقيها أنها بلغت أوج ما يمكن أن تعطيه من مردود تواصلي، فقد بدأ الرأي العام العالمي، خصوصاً الرأي العام الإسرائيلي، يطرح تساؤلات عن المقصود بالأمن مئة في المئة. وخشيت السلطة الفلسطينية أن ينقلب السحر على الساحر فجاءها الانقاذ من أولبريت التي أطلقت شعاراً لا يقل شهرة ولا قوة تواصلية عن الأول وجاء بمثابة جواب على تساؤلات منطقية بحق الشعارالسابق: "تحقيق الأمن مئة في المئة قد يكون مستحيلاً، ولكن يمكن وضع مئة في المئة من الجهد في سبيل تحقيقه". وتناقلت الصحافة العالمية الجملة - الشعار الجديدة، وبدا في حينها أن المفاوضات بين المسؤولين الفلسطينين والإسرائيليين والوسطاء تناست القضية الفلسطينية لتركز، في ما يشبه الجدل البيزنطي، على نسب الجهد لتحقيق نسب معينة من الأمن… لإسرائيل! ويمكن القول إن الذين وقفوا وراء إطلاق هذا الشعار حققوا الهدف التواصلي، إذ تراجع الحديث عن القضايا المهمة للغوص في محاورات سميائية وجدلية ألسنية عقيمة فيما تواصلت عمليات بناء المستوطنات وشق الطرق في الضفة الغربية. وقد استغل القيمون على وضع الشعارات التواصلية القسم الأساسي مئة في المئة الموجود في الشعارين إلى أقصى حدود الاستغلال الممكن. فحين استحقت المرحلة الثانية من اتفاقات وايت بلانتيشين التي أقرت بوجوب الانسحاب من "نسب مئوية" معينة ومختلفة من مناطق السلطة الثلاث منطقة "أ" ومنطقة "ب" ومنطقة"ج"، وتحضيراً لردات فعل الرأي العام أمام تمنع الحكومة الإسرائيلية عن تنفيذ التزاماتها، صرح المسؤولون الإسرائيليون بأن "إسرائيل تنفذ مئة في المئة من المتفق عليه..." وأن الاتفاقات الموقعة السرية؟ تترك لإسرائيل مئة في مئة حق اختيار الأراض التي تنسحب منها... بما يتلاءم مع تحقيق "مئة في المئة من الأمن لها...". ويفهم من القراءة الأولى سوء النية السياسية الكامنة وراء عدم تنفيذ الالتزامات الموقعة وتطبيق روحيتها المتفق عليها. لكن من ناحية تواصلية فإن سلسلة التصريحات هذه تشير إلى الاستعمال القوي لشعارت يعرف مستعملوها قوتها التواصلية. و"المحرك التواصلي" للشعارات في هذه الحالة هو الاستعمال المكثف ل"مئة في المئة" التي تشكل غطاء إعلامياً للاتفاقات التي لم تعط السلطة في المرحلة التي غطتها أكثر من 14 في المئة. خصوصاً أنها تضمن نسب متواضعة مثل 5،3 في المئة بالنسبة إلى منطقة كبيرة المساحة، و14 في المئة بالنسبة لمنطقة متواضعة المساحة و4 في المئة للمنطقة الأخيرة. كما أن الاتفاقات لم تلحظ، بالتحديد، المنطقة التي تشملها الاتفاقات هل هي الضفة الغربية بأكملها حسب خرائط الانتداب؟ أم هي الضفة الغربية من دون الأخذ في الحساب القدسالمحتلة وضاحيتها والمناطق التي ضمت إليها والتي تشكل على أقل تقدير 36 في المئة من مساحة الضفة الغربية؟ وبالطبع فإن المتتبع للأخبار وفي الدرجة الأولى المواطن الفلسطيني القابع تحت نير الاحتلال، لا بد له أن ينتبه إلى الفراغ المنطقي الذي تتضمنه عملية التواصل للإعلام عن نجاح الفريقين في التوصل إلى توقيع اتفاق تاريخي. لكن إغراق الإعلام برقم 100 في المئة يغطي بشكل مداور على إحساس النقص الحقيقي بشكل إعلامي غير مباشر. أي أن "الضجيج الإعلامي المتمثل بالرقم 100 في المئة" يترك أثراً إيجابياً يمحو الأثر السلبي الناتج عن غياب تفاصيل النسب المئوية المطلوبة. لقد تم تطوير عبارة "مئة في المئة" لاحقاً في عهد باراك، فأطلقت الحكومة الإسرائيلية شعار "محاربة الإرهاب مئة في المئة". وبالطبع فإن القيمين على الحملات التواصلية للحكومة الإسرائيلية يدركون أن الافراط في استعمال شعار ما يمكن أن يصبح سلبياً، لذا فهم يتصرفون دائما ضمن إطار "المحرك التواصلي الأساسي" أي رقم المئة في المئة في صورة مباشرة أو غير مباشرة. وبعد بدء الانتفاضة الثانية وما واكبها من قمع إسرائيلي حاولت القيادة الفلسطينية استعمال سلاح الشعارات التواصلية فأطلقت عبارة - شعار لم تكن موفقة لا إعلامياً ولا سياسياً، وهي "الاستعمال المفرط للقوة". ولم يتوقف المسؤولون الفلسطينيون عن ترديدها أمام الوسائل الإعلامية من دون أن يتنبه أحد إلى مخاطر استعمالها نظراً إلى ما تتضمنه من حجج إعلامية تفيد إسرائيل. وبالفعل فإن تناول شعار "الاستعمال المفرط للقوة" يحمل معنى بيانياً ومنطقياً يفيد أن السلطة الفلسطينية تقبل استعمال القوة تجاهها وتجاه شعبها، شرط ألا يكون بشكل مفرط! وقد ردت الحكومة الاسرائيلية على هذا الشعار مستعملة المحرك التواصلي الأول وأطلقت شعاراً يفيد: "أن اسرائيل لا تستعمل مئة في المئة من قوتها كما أن السلطة الفلسطينية لا تضع مئة في المئة من جهودها في محاربة… الارهاب". إن الخطر في عدم التنبه إلى الشعارت التي تطلقها الحكومة الإسرائيلية وعدم مواجهتها بشكل حاسم وعدم التحضير الإعلامي لردها والرد عليه، هو في إمكانية استعمال الحكومات الأخرى لهذه الشعارات وإعطائها زخماً مضاعفاً. كذلك الأمر في حال إطلاق شعارات تواصلية خاطئة، كما حصل مع شعار الاستعمال المفرط للقوة، فقد تبنت دول أخرى بينها دول أوروبا، وكذلك الأممالمتحدة الشعار الفلسطيني، فباتت وكأنها توافق على حق اسرئيل باستعمال القوة. فلا يمكن للدول الأخرى أن تكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين! اليوم تعيش السلطة الفلسطينية حالة جديدة من استعمال شعار قد يترك أثراً كبيراً على مستقبلها ومستقبل المنطقة. وقد أطلقت الإدارة الأميركية هذا الشعار الأخير؟ هذا وهو "خريطة الطريق"، وهوا على بساطته قوى تواصلية كبيرة يمكن أن تفسر بطرق كثيرة، منها الإيجابي ومنها السلبي. ففي الشعار جوانب إيجابية. منها ما يحمل معنى بيانياً يشير إلى المساعدة لمن ضل طريقه. ومنها ما يتضمن معنى العلم والإرشاد والتعلم والتعليم والبحث والتثبت من صحة الطريق. وكل الصفات الكامنة ضمناً هي صفات إيجابية لها وقع لدى المتلقي أي الرأي العام. لكنه يشير أيضاً إلى أن لا أحد يعرف الطريق الواجب اتباعه للخروج من المأزق، ما يعني أن كل ما تم التوصل إليه سابقاً ملغى أو غير مفيد. كما يمكن أن يكون إشارة إلى توقف مسيرة المفاوضات إلى أن يستدل القيمون على الأمر إلى الطريق المناسب في الوقت المناسب. قد يرى بعضهم أن إعطاء كل مرحلة اسماً "حركياً" يميزها عن غيرها أمر طبيعي في عصرنا هذا، عصر التواصل والشعارات، لكن ما يحدث مع القضية الفلسطينية هو أن الشعار الذي يميز كل فترة من فترات الصراع مع الاحتلال يصف بدقة متناهية المرحلة التالية والتي يتبين أنها أقسى من المراحل السابقة. فالشعارت ليست موجهة فقط إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام، لكنها أيضاً بمثابة "أمر يومي" يرافق كل مرحلة للوصول إلى أهداف واضعي الشعار