القاتل المجهول في مياه الخليج لا يزال مجهولا. والاسماك لا تزال تطفو على سطح المياه وهي في حالة توتر عصبي ثم لا تلبث ان تنفجر خياشيمها وتنفق. التحاليل المخبرية انتهت جميعها من دون نتيجة حاسمة. والكويتيون ومعظم الخليجييين لا يزالون محرومين من السمك الذي صدرت تعليمات بحظر المستورد منه، بعد اكتشاف نوع من البكتيريا على سمك ايراني استقدم لتعويض الكويتيين ثروتهم البحرية الضائعة. ثلاثة الاف طن من الاسماك النافقة جمعت على شواطىء الكويت، ويقال ان هناك مثلها في قاع المياه، لكن المخيف ان العدوى انتقلت الى انواع اخرى مثل الربيان المعروف بقدرته على تحمل العوامل المناخية، مما يعني ان الخطر يحيق بكل سواحل الخليج بشقيها العربي والايراني، ويهدد انواعا شتى من الحيوانات البحرية. هل هي "لعنة النفط" تقضي بشكل متدرج على واحدة من اهم البيئات الطبيعية الملائمة لتكاثر الاسماك في العالم، أم هو مجرد قيظ زائد رفع درجة حرارة المياه الى خمسين مئوية فأباد أحياءها؟ وبالطبع لم يخل الامر من تدخل السياسة. فالكويت تحولت الى ساحة اتهام يلقي كل طرف فيها على الاخر مسؤولية ما حصل او على الاقل يتهرب من هذه المسؤولية. وقد سارعت السفارة الاميركية بعد تردد اشاعات عن القاء الجيش الاميركي نفايات سامة وكيماوية في مياه الخليج الى تأكيد ان مخلفات القوات الاميركية في الكويت تشحن الى خارج البلاد وتتلف وفق المواصفات الدولية. الاستاذة المساعدة في مادة الكيمياء الحيوية في جامعة الكويت الدكتورة لمياء جوهر حيّات قالت ان بيئة الخليج تعرضت طوال عقود لاضرار كبيرة نجمت عن عشرات موانىء شحن النفط والمصافي ومعامل تكرير المياه وتحليتها ومجاري الصرف الصحي ومحطات انتاج الكهرباء ومخلفات المبيدات الحشرية والاسمدة وغيرها من المواد التي جعلت الكائنات الحية موضع تهديد، ثم جاء الغزو العراقي وحرب التحرير واحراق آبار النفط وسكب الاف الاطنان منه في المياه التي سقطت فيها الاف القذائف والصواريخ التي تتطلب وقتا طويلا للتأكسد والذوبان. النتيجة المباشرة كانت خسائر بعشرات ملايين الدولارات وتلوث بيئي قد يحول دون تمكن الكويتيين حتى من ممارسة السباحة، اما النتيجة غير المباشرة فتصعيد سياسي بين مجلس الامة الذي يستعد للانتخابات بعد انقضاء نصف عمر ولايته وبين الحكومة في تشكيلتها التي تعاندها الظروف.