على رغم السجن لا شيء سيعيقها عن اكمال طريقها الفني الذي بدأته منذ أكثر من 12 سنة. غنت ميشلين خليفة فأعادت الى الغناء أصالته. وبقيت في هذه الطريق تحصد الشهرة من دون ان تلحظ اية غيوم في أفقها. الى ان "دفعت فواتيرها" دفعة واحدة وعن كل تلك السنوات، ما أوصلها الى السجن والانهيار. في منزلها وسط بيروت العتيقة في منطقة الجميزة حيث قضت سنين العمر الى جانب زوجها، وابنيها اللذين أصبحا في عمر الشباب حيث ان أحدهما يدرس الطب في الجامعة الأميركية، التقت "الوسط" الفنانة ميشلين خليفة التي اكدت اعلان "كل أسرارها" على الملأ،في شأن حقيقة القضايا التي "حيكت" حولها، واعدة جمهورها بأن ذلك لن يزيدها "الا اصراراً". حول مسيرة الفن والحياة والقضاء والضرائب الباهظة والألم الذي حل بها تحدثنا ميشلين خليفة في هذا الحوار. الحمد لله على سلامتك... - الله يسلمك، وهذه فرصة حتى أشكر كل وسائل الاعلام التي تعاطفت مع قضيتي، وكل الناس الذين وقفوا الى جانبي فعرفت مدى حبهم لي، وثقتهم بي. هل فعلاً يمكن ان يخطئ الفنان الى الدرجة التي تجعله يستحق توقيفه من قبل القضاء؟ - الله كبير. فأنا صرفت حياتي في الفن، أعطيته ولم آخذ منه، لأنه بالنسبة لي هدف معنوي وهدف مجد وليس طريقاً لجمع المال، حاولت ان أحمل رسالة كبيرة، أدافع عنها، وأعطيها من ذاتي الا اني التقيت في طريقي بالكثير من الطماعين والمرابين. ما الحقيقة التي أدت الى تأزم الأمور، ووصولك الى الاعتقال؟ - في سنة 1994 تعرضت لسرقة شيكات او بالأحرى تسريب شيكات من قبل بعض الناس الذين يسيئون الأمانة، وكانت هذه الشيكات موقعة مني على بياض، والهدف منها دفع أجور الفرقة الموسيقية، وتغطية مصاريف الحفل الذي أقمته في مسرح جورج الخامس في حينها، فوصلت هذه الشيكات الى أيدي مرابين لا أعرفهم، وبدأ يبتزونني. لقد دفعت الكثير من المال لأناس لا أعرفهم حفاظاً على سمعتي، الا اني وجدت البئر عميقة، والمصيبة كبيرة، حين أتاني شخص لا أعرفه لكني عرفت انه جشع الى درجة كبيرة، وكان في حوزته اكثر من ثلاثة شيكات وحاول ان يبتزني فقررت ان لا أدفع له، لأن أولادي أحق بهذا المال، وكنت قد استنزفت، خصوصاً اننا نمر بفترة ضيق مادي، ووضع اقتصادي رديء. ووجدت في هذا تعديا وتحاملاً لا يمكن تحمله والانصياع لظلمه، فالتجأت الى القضاء، علماً بأن كل الشيكات التي سددتها سابقاً كان دفعها يتم من خلال محامين. فأنا لا أعرف هوية الناس الذين يقفون وراء هذا الأمر. الا ان القضاء لم يكن بجانبي لأن الشيكات عليها توقيعي الخاص، فأصدرت القاضية جوسلين ثابت مذكرة توقيف وجاهية بحقي. وأنا أكن لها كل محبة وتقدير لأنها تعاطفت معي وكنت موجودة في مكتبها لحظة توقيفي في حرم القضاء، رجلاي ثابتة على الأرض كلي إيمان بأنني سأنصف من قبل القضاء اللبناني. وبصراحة أشعر اني انتصرت لأن محبة الناس، ووقوف وسائل الاعلام في صفي أعطياني الدعم الكافي حتى أكمل هذه القضية. لماذا ألغيت المؤتمر الصحافي، الذي كان من المفترض ان تتوضح من خلاله كل الأمور؟ - ألغيت المؤتمر لأني كنت منهارة، وأثّر هذا الانهيار على رجلي فلم أعد أستطيع الوقوف، وأصبت بفقر دم وضعف جسدي كبير. لكنني مع هذا وجدت مندوبي وسائل الاعلام حولي في المنزل فأخذوا الأخبار، واطلعوا على حيثيات ما حدث معي، فما عدت أجد ضرورة لهذا المؤتمر. وإن شاء الله المؤتمر الصحافي القادم سيكون فقط لإعلان تطور جميل في حياة ميشلين خليفة الفنية. هل أصبت من جراء ذلك كله بخيبة أمل من الفن تركت في نفسك عقدة ما؟ - لا.. أبداً على العكس، الفن أعطاني محبة الناس، وفتح لي آفاقاً جديدة، وأنا اليوم بصدد اطلاق عمل فني يضم ثماني أغنيات. يقال ان مستمع اليوم لا يحب الا الأغاني السريعة، فما رأيك كونك تغنين الطرب؟ - المستمعون ألوان، فمنهم أصحاب الاذان الصحيحة يسمعون ولا يشبعون، ومنهم ذوو الاذان "المصمخة"، او الاذان المقفلة التي لا تحب الا الصخب والأنغام السريعة وأغاني الرقص. وربما يكون مع هؤلاء الحق، لأن الناس تريد ان تسمع أشياء تنسيها ما هي فيه وتفرحها، ولكن هذا لا يلغي أبداً فئة المستمعين الخطيرين الذواقة. أنتِ تنتمين الى عائلة فنية معروفة، فهل الفن أتاكِ بالوراثة؟ - للوراثة تأثير كبير وأساسي في حياتي وفني، فأنا أخذت هذا الصوت الكبير عن جدتي والدة أمي، وعن أمي ذات الصوت الرائع، فنحن من عائلة تحب الفن، وأختي مها الريم ذات صوت جميل تخرجت من برنامج "استديو الفن" وعرفت من خلال أغان ناجحة الا انها في الفترة الأخيرة تكاسلت قليلاً. وهي اليوم في صدد اعادة نشاطها وستنطلق بقوة مرة أخرى، وأختي مي بيلوني عندها صوت جميل لكنها لم تُعرف سوى في لبنان. هذه الوراثة هي حصانة من غدر الزمان. أين كانت ميشلين خليفة في عشريناتها ولماذا لم تعرف في مجال الغناء الا في عمر متقدم نوعاً ما؟ - أنا بدأت الغناء في عمر ال28، وحتى اليوم أكون قد أمضيت حوالي ال13 سنة في هذا المجال. لم أكن قبل ذلك السن أفكر في الفن لأني كنت رافضة الغناء نتيجة بعض الأفكار المغلوطة التي كانت تدور في رأسي ومنها ان الفن الغنائي يضع الانسان في مستوى غير لائق، كنت أنظر اليه نظرتي الى "الكباريه" و"الملاهي الليلية"، لكني مع النضوج عرفت بأن الفن حضارة، وبأن المجتمع يعير اهتماماً للفنان الكبير ويقدره. هل أنت نادمة اليوم لأنك لم تحترفي الفن في سن مبكرة؟ - ربما أنا نادمة قليلاً لأني لم أسلك هذا الطريق مبكراً مع العلم انني أكثر من مؤهلة لذلك، لأني أملك الحلم والمؤهلات، ولكن على رغم هذا دخلت بقوة وأثبت ذاتي وكسرت كل القواعد، واختصرت كل المسافات. وأعتبر انني أعدت الطرب الى أساسه وركيزته بصمودي في وجه التيار الذي كان سائداً. وكان تياراً بغيته التجارة ليس الا، واستطعت ان أعيد الناس الى المسارح الكبيرة ليستمتعوا بالطرب وهم يقولون "اشتقنا". هل ترين ان ما قدّمتيه كبير الى درجة يذكرنا بالكبار؟ - ما قدمته يعتبر جيداً، وهو صغير، الا اني اخترت النمط الصعب،عندما انطلقت وجد الناس فجأة لوحات اعلانية تحمل صورتي، فاندفعوا بحشريتهم ليتعرفوا على هذه المرأة، ولما راحوا يستمعون الي في مسارح جورج الخامس والبيكاديللي ولا سيتيه، دخلت قلوبهم لأني شكلت عندهم الصوت المغاير الذي يذكرهم بأم كلثوم والفنانات الكبيرات، وخرج النقاد يومها مذهولين من ضخامة الصوت، واستطعت في فترة قصيرة ان أثبت نفسي وأجد شخصية خاصة بي. وخلال مسيرتي الفنية قلت مراراً انني محظوظة لأنه لا يوجد غيوم في سمائي ولم أدفع ضريبة واحدة، الا انني دفعت الثمن اخيرا عن كل تلك الأعوام، وكان ضريبة مرهقة لأنه دوماً هناك ضريبة للشهرة لا بد ان يدفعها الفنان. نتيجة أخطاء غيره، وفي كل ذلك لا عزاء له سوى محبة الناس وايمانهم به. لماذا لا تغنين في المطاعم؟ - أنا رسمت لنفسي طريقاً، ولا أحب ان أغير هذا الطريق لكن هذا لا يعني ان الذين يغنون في المطاعم والملاهي ليسوا أولاد ناس محترمين، لهم غاياتهم ولي غاياتي. مع العلم بأن الوقوف على خشبة المسرح ليس سهلاً ولا يستطيع اي كان ان يقوم بذلك. بينما في المطاعم من السهل الغناء لأنه حيث يدق الطبل يرقص الناس . من هنا أردت ان يكون لصوتي وقع كبير، وقلت "أكون أو لا أكون". خلال تجربتك الفنية، هل يمكن القول ان هذا العصر هو عصر الطرب وعصر ميشلين خليفة؟ - ما معنى ان نقدم الأشياء السهلة البسيطة؟ الفضل للذين يقدمون الأشياء الصعبة ويكسبون الرهان في نهاية المطاف. وأنا دخلت وكسبت. وفي أحلك الظروف حققت الفوز الكبير، وحتى في المواقف التي حبكت ضدي مؤخراً لم أهزم، وعرفت مدى جماهيريتي وتعاطف الناس معي وهذا أعطاني التصميم والعزيمة حتى أمضي أكثر في النمط الذي اخترته منذ البداية. هل صحيح ان هناك أزمة أغنية اليوم على صعيد اللحن والكلمات؟ - لا بل على العكس هناك ملحنون كثر وشعراء أكثر. لكن الذي لا يجيد أداء الألحان القوية والجميلة ولا يستطيع ان يتقن غناء لحن كبير يقول بأن هناك أزمة. وهذا أمر غير مقبول بتاتاً، وليس كل من غنى اسمه مطرب. ان عندنا في عالمنا العربي 99 مغنياً في مقابل مطرب واحد. الى من تستمعين من أبناء جيلك ويعجبك صوته؟ - أسمع وأفرح لكل صوت جميل، فمن الأصوات النسائية يعجبني صوت ذكرى محمد التونسية، وصوت أصالة من سورية، وصوت أنغام من مصر، وصوت ميشلين خليفة من لبنان. ومن الأصوات التي سبقتني بقليل أحب صوت عزيزة جلال المغربية. اليوم هم أقلية الذين يغنون طرباً وهناك أصوات لم تأخذ حقها مثل صوت غسان صليباً، أما من أصوات الرجال فأحب ملحم بركات، ولطفي بوشناق ولا أنسى ان أقول بأن السيدة ماجدة الرومي عرفت كيف تختار لنفسها خطاً غنائياً لافتاً ومتقناً وبرعت في تقديم أغنية جميلة رومانسية لا يستطيع اياً يكن ان يكون مثلها. أي جمهور هو جمهورك الخاص الذي تشعرين معه بكهرباء التواصل؟ - كل من يحب الطرب أتواصل معه. وفي الوطن العربي مستمعون مهمون، لكن هناك خصوصية تربطني بالشعب التونسي الذي لا تمر عليه هفوة لسان او غلطة أداء الا ويعرفها، ولا يمكن ان يمرر الفنان خطأ الا ويدركه. قرطاج حين أغني فيها أشعر بأن ترابها وحجارتها أذان تصغي. وكيف يمكن ان أنسى ليلة قرطاج عام 2000 حين كنت أغني وتوفي والدي، فحُفر هذا التاريخ في ذهني