مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلاسيكيات الأدب العربي الاكثر انتشاراً . الكتاب العربي في فرنسا : الترجمة إلى لغة موليير تفوق الأصول
نشر في الحياة يوم 09 - 07 - 2001

يطبع سنوياً في فرنسا 38 ألف كتاب، أي بمعدل كتاب كل ربع ساعة! وقبل سنوات قليلة قام أحدهم بوضع توقيعه على نسخة من رواية للكاتبة الفرنسية المعروفة مارغريت دوراس وأرسلها الى داري نشر كانت الكاتبة تتعامل معهما، فرفضتا، معاً، النشر بحجة "تواضع مستوى الرواية"! وعاد هذا الشخص بعد أشهر بمقلب آخر، لكنه اختار نسخاً من روايتين صدرتا لمذيعة أخبار شهيرة في التلفزيون الفرنسي، ليرسلها الى جميع دور النشر الفرنسية التي رفضت كلها، ومن دون أي استثناء، نشر هاتين الروايتين! والرواية الأولى كانت تلك التي أصدرتها مازارين بانجو الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران ولاقت نقداً لاذعاً من بعض الأقلام التي أشارت الى انها لم تكن لتنشر لو لم تكن كاتبتها ابنة ميتران. وقد طرح كل ذلك تساؤلات في فرنسا حول المجال المتاح أمام كاتب مبتدئ أو غير معروف لنشر نتاجه، أو فقط لتلقى نسخته الحد الأدنى من الاهتمام من قبل دور النشر، وعلى الأخص ان كل دار تتلقى سنوياً ما يقارب خمسة آلاف مخطوطة تنشر منها مئتين فقط.
ومن بين هذه الكتب الصادرة، ثمة آلاف مترجمة عن الآداب العالمية ومنها العربية، اذ تعتبر فرنسا البلد الأوروبي الأول في مجال نشر الكتب المترجمة من العربية، لا سيما بعد دخول دور النشر الكبرى هذا الميدان الذي كان محصوراً قبل عقود قليلة بدور الاستشراق. فما هو حظ الكتاب العربي المترجم بالنشر والانتشار؟ هذا الكتاب الذي لا يتحلى صاحبه في معظم الاحيان، ب "البريق الاعلامي" المطلوب في فرنسا؟ وما الصعوبات التي تواجه ترجمة الكتاب العربي؟ وما هي دور النشر الفرنسية التي تعنى بترجمة الكتب العربية على اختلاف أنواعها والى من تتوجه؟ خصوصاً في هذه الفترة التي تصل فيها الثقافة العربية الى الفرنسيين، ليس عبر الكتاب فقط وانما عن طريق سبل اخرى كالسينما والموسيقى والتلفزيون.
قبل أسابيع أقام "معهد العالم العربي" في باريس معرضاً عربيّاً - أوروبياً للكتاب، وأعاد السؤال على بساط البحث. وكان المعهد نظّم في السابق ندوة مرجعيّة لتقويم وضع الثقافة العربية في فرنسا من خلال مكانة الكتاب العربي فيها وفي مكتباتها ومنشوراتها. وقد نشرت مكتبة المعهد في حينها وثائق تلك الندوة في كتاب مستقلّ. ونقرأ في هذه الوثيقة رأي فرنسوا جيز المسؤول في دار "لاديكوفرت" التي تملك خبرة في نشر الكتب المترجمة عن العربية، في حقول العلوم الاجتماعية والسياسية والفلسفة. يشير جيز إلى الصعوبات التي تفسر جزئياً الحضور الضعيف للثقافة العربية في بلاد موليير، ومنها ان الناشرين الفرنسيين في أغلبهم، لا يتكلمون العربية، لذلك يعتمدون على المترجمين لتعريفهم ببعض الكتَّاب وهو دور يقوم به أحياناً فرنسيون عاملون في سفارات بلدهم في المنطقة العربية. هكذا جرى، على سبيل المثال، التعريف بفوائد زكريا والعشماوي ومحمد عابد الجابري! ويشير جيز الى ان حاجز اللغة هذا، هو سبب الهوة التي تفصل بين فرنسا والعالم العربي: "إنها مشكلة موجودة بين كل الحضارات التي يفصلها حاجز اللغة، لكنها أقل حدة بين دول العالم الغربي لأن الذين يتحدثون اللغات هنا هم أكثر عدداً، اضافة الى ترسخ عادات التبادل الثقافي بين تلك الدول".
وتلي عملية التعريف بالمؤلف واجتياز الحاجز اللغوي، الصعوبات التي ترافق الترجمة. إذ يجب ان يكون المترجم على دراية كاملة بالمفاهيم الفلسفية والسياسية والدينية التي يترجمها لتحقيق العمل وتقديمه ووضع الملاحظات عليه للوصول الى ترجمة ذات معنى لدى القارئ الفرنسي. ولا يخفى على أحد هنا دور الاعلام الحيوي في التعريف بالكتاب، خصوصاً المترجم منه، لأن اسم المؤلف غير معروف في أوساط المثقفين والقراء عامة. ومهما كان نوع الكتب، فلن يكون ثمة تلق لها ان لم تحظ بالرعاية الاعلامية واهتمام المثقفين، ويؤدي الجهل باسم المؤلف في كثير من الاحيان الى غياب أي صدى لكتابه. أما عن نوعية الكتب التي تثير اهتمام القارئ الغربي عامة، والفرنسي خاصة، وعن سياسات دور النشر، فقد التقت "الوسط" ببعض مسؤولي الدور التي تهتم بنشر الكتاب العربي ومنها "فيبوس" Phebus التي تأسست في منتصف السبعينات. وتوجه اهتمامها، اضافة الى الأدب الفرنسي والآداب العالمية، نحو الأدب العربي القديم الذي له، على ما يبدو، قراؤه المنتظمون.
يلاحظ مسؤول في الدار أن فترة حرب الخليج كانت من الفترات التي بيع فيها الكتاب العربي بكثرة : "دفعت الحرب الكثيرين للاهتمام بالمنطقة العربية، وازداد الطلب على الكتب العربية، خصوصاً "مختارات من الشعر العربي" لرينيه خوّام، اذ بيعت منه أكثر من سبعة آلاف نسخة على مراحل. وهو رقم يعتبر ضخماً مقارنة بما يباع من كتب الشعر الأخرى حتى الفرنسية منها، هذا اذا استثنينا الطبعات الشعبية".
ومن الكتب التي تباع باستمرار كلاسيكيات الأدب العربي القديم التي ترجمها خوّام كألف ليلة وليلة وغيرها. ورينيه خوّام هو مسؤول قسم الأدب العربي لدى تلك الدار ولدى دار "لسبري دي بينانسول" L'esprit des Peninsules التي تقوم بإصدار الآداب الاجنبية والأدب العربي القديم. ومنذ العام 1996 نشرت الدار المذكورة تسعة عناوين من الأدب العربي القديم، لكنها لا تقصر اهتمامها عليه، بل تقوم أيضاً بنشر الأدب العربي الحديث، لا سيما ترجمات للكاتب الليبي ابراهيم الكوني ولبعض الكتاب الشباب من أمثال طارق الطيب ونجم والي.
ويحدد خوّام "هوية" القارئ الفرنسي المهتم بالأدب العربي، بأنه قارئ له إلمام دقيق وشامل بالحضارة العربية وبالإسلام. ويثير هذا المثقف الموسوعي السوري الأصل إلى قضية مهمّة : "يقوم بعض الكتاب العرب بتعديل كتابهم الأصلي بناء على طلب من دار النشر التي تطالبهم أحياناً بحذف مقاطع قد لا تثير اهتمام القارئ الاجنبي، وهم يقومون بذلك ليحظوا برضا الناشر". ويعلق مضيفاً: "تلك هي أفضل وسيلة للحصول على نتاج... رديء!". واكد ضرورة التمسك بأصول الكتاب، وهو ما يقوم به في ترجماته التي تجاوزت الستين في مجال المخطوطات العربية القديمة، وأبرزها ترجمة "ألف ليلة وليلة".
والتقينا فرنسوا زبال الذي يرأس، اضافة الى عمله كمنسق للنشر في "اسبري دي بينانسول"، وكمدير لتحرير مجلة "قنطرة" الصادرة عن "معهد العالم العربي"، مجموعة "مكتبة الأفكار" التي تصدر عن المعهد بالتعاون مع دار "ألبان ميشال". وقد حدثنا عن هذه المجموعة التي تنشر كتباً تعتمد على محاضرات مهمة حول العالم العربي ألقيت في المعهد : "هدفنا من وراء ذلك دفع بعض الأساتذة الجامعيين والمختصين بالعالم العربي، ممن لا يتوجهون عادة الا إلى جمهور متخصص، للكتابة بأسلوب سهل في متناول الجميع للحصول على كتب لا تخيف القارئ العادي بهوامشها وصعوبتها. ولكنها تحافظ، في الحين نفسه، على مستواها الرفيع". ومن المشاريع التي يعتزّ بها العمل على نشر كتاب عن الفارابي. إذ نجحت الدار في اقناع استاذ الفلسفة العراقي محسن مهدي، من جامعة هارفارد، بإعداد محاضراته التي ألقاها عن هذا الفيلسوف، للنشر ضمن سلسلتها، وذلك قبل ان تنشر في منشورات الجامعة كما هو العرف.
وعن الكتب التي يصدرها معهد العالم العربي، يشير الأكاديمي اللبناني فرنسوا زبال الى ان القسم الأكبر منها مخصص للكتب الفنية التي ترافق معارض المعهد، وتقوم بإصدارها عادة دار نشر كبرى. كما ان لمكتبة المعهد بعض الاصدارات كدليل الكتاب العربي في فرنسا، ودليل آخر عن الكتّاب الفلسطينيين. وقد كشف زبال ل"الوسط" عن حقيقة غير معروفة بما فيه الكفاية، هي أن الكتب العربية لا تنوجد في المكتبات بالقدر الذي يُعلن عنه في كتيبات دور النشر. وهذا يقود الى "شكوك في أن أرقام النشر تفوق ما هو موجود فعلاً. فسياسة دار النشر هي اظهار ضخامة اصداراتها، لتعلو بورصتها ولتحصل على المساعدات من المنظمات والوزارات. وهي من أجل هذا، تسعى احياناً الى تسجيل عقود احتكار مع الكتّاب للحصول على تلك المعونات". واختتم قائلاً: "سياسة الاحتكار تسيء الى الثقافة وبالتالي الى الكتاب، لأن القرار يصبح في يد واحدة".
أما دار "أكت سود" التي تحتل في فرنسا الموقع الأول في مجال ترجمة الكتب العربية، فقد تأسست العام 1978، وكان اهتمامها منصباً حينها على ترجمة الآداب العالمية. وضمن سلسلتها "عوالم عربية" التي أسسها المستعرب إيف غونزاليس كيخانو العام 1991، صدرت ترجمات لصنع الله ابراهيم وحنان الشيخ ومحمود درويش "حققت رواجاً وأرقاماً معقولة في أدب كان يعتبر آنذاك جديداً بالنسبة الى القارئ الفرنسي"، حسب تعبير فاروق مردم بك مدير مجموعة "سندباد" في الدار المذكورة. وتأسست سندباد العام 1972 من قبل الناشر الراحل بيار برنار، في فترة صعود الاهتمام بالعالم العربي في فرنسا، وفي اطار ما دعي بالسياسة العربية لفرنسا. وقد ضمّنها سلاسل عدة: المكتبة العربية، والفارسية، ومكتبة الإسلام. وخلال عشرين عاماً أصدر 129 كتاباً. ونتيجة لصعوبات مالية وصحية، بيعت الدار واشترتها أكت سود العام 1995".
التركيز على الأدب الكلاسيكي والحديث والاسلاميات كان المنحى الجديد ل"سندباد"، وأيضاً توسيع نطاق توزيع إصداراتها، هي التي كانت قبل ان تنضم الى "أكت سود" تباع بشكل رئيسي في بلدان المغرب العربي. كيف يتم اختيار الكتب وما هي المعايير؟ نجاح الكتاب شعبياً في العالم العربي أم قيمته الأدبية بغض النظر عن انتشاره جماهيرياً؟ أو اسم المؤلف؟ أو ربّما كل هذا وذاك، ولكن مع الأخذ في الاعتبار رغبات القارئ الغربي؟
يجيب مردم بك: "كثيراً ما أُسأل هذا السؤال! ثمة رغبة عارمة عند الكتاب العرب لترجمة كتبهم، وكأن الترجمة هي التي تعطي للعمل الأدبي أهميته! خياراتنا تنصب على الكتب التي تشكل علامة بارزة في الأدب العربي الحديث، وعلى تلك التي حازت على اعجاب القارئ العربي. وقد حاولت، منذ تسلمي مسؤوليات المجموعة، ألا نقتصر على عدد محدد من الكتَّاب العرب لتبيان ان هناك حركة أدبية حديثة في العالم العربي، وقدّمنا أسماء كثيرة على قدر من الاهمية، لكنها لم تجذب الانتباه من قبل.
وحول أعمال الأدباء المغاربيين التي تتوافر في المكتبات الفرنسية، يوضح مردم بك "انهم كتاب المغرب العربي الذين يكتبون بالفرنسية. أما الذين يكتبون بالعربية فهم مظلومون! وللآن لم تنشر أعمال الكتاب الجزائريين بالعربيّة، على رغم وجود حركة أدبية باللغة العربية في الجزائر منذ عشرين سنة. لكننا سنتلافى هذا النقص في المستقبل القريب".
ومن أهداف الدار التي أفصح عنها مردم بك توسيع حلقة الجمهور والتوجه إلى القارئ الفرنسي العادي وليس فقط إلى القارئ ذي الأصول العربية أو حلقة المختصين بالعالم العربي. فما هو هذا الكتاب الذي يجذب القارئ العادي؟ يجيب مردم بك: "ان يتحلى بشيء خاص، ونكهة مميزة تختلف عن النكهة الفرنسية، إذا جاز التعبير. ولكنه في الوقت نفسه يعبر عن الهم الانساني في طروحاته. نتطلع في اختيارنا الى الكتب التي يمكن لها ان تغير النظرة حول العالم العربي وأدبه، التي تُظهر انه جزء من هذا العالم وليس شيئاً غريباً، وبأن همومه هي هموم انسانية عامة ولكنها تكتب هنا بمنطلق مختلف وبلغة اخرى".
في بداية السبعينات كانت الكتب المترجمة عن العربية نادرة في المكتبات ولم تكن تلفت الانتباه بعددها الضئيل، وقد اختلف الوضع حالياً وبخاصة مع دار "أكت سود" التي تصدر 90 في المئة من المعروض في المكتبات من الأدب العربي، وتسعى الى ان يصبح الكتاب العربي جزءاً من المشهد الثقافي العام في فرنسا، وهذا يحتاج الى تراكم زمني. ويعلق مردم بك "المهم جعل القارئ الفرنسي يعتاد على حضور الكتاب العربي في المكتبات، وهذا يحتاج الى جهود على مدى طويل ومن قبل أكثر من ناشر". وتمنى "محاصرة" القارئ عبر دخول الدور الكبرى "المهمة"، وطبع الكتب العربية بانتظام، لكن ما الذي يمنع ذلك؟ يجيب: "هناك حد أدنى في أرقام التوزيع لتبني أي كتاب. والمترجَم مكلف، فإلى نفقات الدار والطباعة والمصاريف الأخرى تضاف كلفة الترجمة. وقد ترتئي الدار أن تغطية النفقات لا تأتي الا بعد بيع خمسة آلاف نسخة. وهي دور غير مدعومة وقد تقبل بالخسارة على كتاب، لا أكثر!".
من المعلوم ان الدولة الفرنسية تقدم دعماً لبعض الكتب المترجمة، وحركة الترجمة والنشر أقوى في فرنسا منها في أوروبا، فهل تعتبر "أكت سود" من الدور "المدعومة"؟ يجيب مردم بك: "تدعم الدول عادة ترجمة أدبها الى اللغات الأخرى. لكن الفرنسيين مهتمون بحركة الترجمة في الاتجاهين بناء على فلسفة يؤمنون بها وهي ضرورة وجود الاعمال الفكرية الأساسية في العالم عبر العصور باللغة الفرنسية، وهذا من مزايا هذا البلد. ان ذلك يشجع الناشر على الاقدام على مغامرة النشر. وقد أسلك هذا الطريق عندما يتعلق الأمر بروايات اشعر أنها ستلاقي بعض الصعوبة في الانتشار، أو ببعض كتب الأدب العربي القديم، ككتاب قمنا بإصداره تحت عنوان "مشوار المحاضرة" للقاضي التنوخي، وهو يروي قصصاً قصيرة عن الحياة اليومية في بغداد في القرن العاشر. لقد بيع منه 600 نسخة عند اصداره، لكنني أعتقد بأن كل النسخ ستباع تدريجاً".
ولو تحدثنا عن الكتب التي تصدر بشكل "طبيعي"، أي التي تخضع "للسوق" وقوانينها وليس لدعم الدولة، أو لدعم المؤلف الذي ينفق أحياناً من جيبه الخاص لنشر مؤلفه. فما عدد النسخ التي تطبع من الكتاب المترجم ليغطي تكاليفه؟
يرد مردم بك: "يتراوح عدد نسخ الطبعة الأولى ما بين ألفين وخمسة آلاف نسخة، يباع القسم الرئيسي منها عند صدور الكتاب. أما ما يتبقى فينفد بعد شهور وربما سنوات، ما عدا كتب الاسماء المشهورة كنجيب محفوظ التي يطبع منها عدد أكبر. وكذلك كتب معينة تلقى إقبالاً خاصاً ككتاب "مسك الغزال" لحنان الشيخ. وعندما نقارن هذه الأرقام بتلك التي نجدها في البلاد العربية فسترجح كفة فرنسا! اذ لا يطبع هناك من الكتاب في بعض الأحيان إلا ألف نسخة، وحتى هذه قد تبقى سنتين أو اكثر من دون نفاد! لا يكمن السبب في قلة القراء فحسب، وانما في سوء التوزيع بين البلدان العربية".
وأثرنا قضية مطالبة دور النشر بتعديل النصوص الأصلية واحتكار أعمال المؤلفين. "قد تتضمن عقود النشر صيغة الاختصاص، أي تعهد الكاتب اعطاء كتابه الثاني للناشر إلا اذا رفض هذا الأخير. هذا أمر عادي، فالناشر يبذل جهوداً للتعريف بالكتاب في المرة الأولى. أما الرقابة على النصوص فلا أحبذها، ولكن لا بأس ببعض الاقتراحات كتقليص فصل فيه سرد مطول، أي القيام بمواءمة الكتاب المترجم مع عادات القارئ هنا، وهو أمر يتم في فرنسا ومع أشهر الكتَّاب، خلافاً لما يجري في العالم العربي، حيث يطبع الكتاب كما هو واحياناً بأخطائه اللغوية"!
وننتقل أخيراً الى دور الصحافة والاعلام في التعريف بالكتاب، اذ من المعروف ان الناقد لا يستطيع قراءة كل ما يصله خصوصاً في فترة الجوائز الادبية التي تقع بين أواخر آب اغسطس وتشرين الأول اكتوبر، حيث يصدر فيها ما لا يقل عن 550 رواية، فكيف اذا صدر كتاب عربي بين هذا الكم الهائل؟
"قد يضيع!" يجيب مردم بك. "ولكن حدثت استثناءات وذلك مع رواية "شرف" لصنع الله ابراهيم التي أفردت لها الصحف صفحات كاملة، وكون الكاتب أصبح معروفاً لدى الأوساط الاعلامية لصدور روايات عدة له، ساهم في هذا الاستقبال الكبير عدا عن كون الرواية جريئة ولها قارئها في فرنسا ضد العالم الرأسمالي والعولمة، ما يثبت ان هذا النوع من الكتب يلقى الاهتمام وليس كما يتردد أحياناً بأن على الكاتب ان يضع هويته في جيبه لتسير أحواله هنا!".
هل هناك تحسن في الجو الاعلامي؟ يجيب مردم بك: "عندما كنا نسأل الصحافة في السابق عن السبب الذي يدعوها لعدم الكتابة عن الأدب العربي، كان الناقد يتعلل بمرور الكتاب من دون ان ينتبه له. ومع أني أبقى حذراً، فإنني استطيع القول ان هناك تزايداً في أعداد الكتب المترجمة وتحسناً حقيقياً في الجو الاعلامي، وعلينا تثبيته حتى لا يكون كسحابة صيف"!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.