تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف غداً مؤتمر الاستثمار العالمي لعام 2024م في الرياض    "السجل العقاري" يبدأ تسجيل 227,778 قطعة عقارية بمدينة الدمام والخبر والقطيف    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    "البرلمان العربي" يرحب بإصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء كيان الاحتلال ووزير دفاعه السابق    جلسة تكشف الوجه الإنساني لعمليات فصل "التوائم الملتصقة"    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    " هيئة الإحصاء " ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 22.8% في سبتمبر من 2024    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    القِبلة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    تأثير اللاعب الأجنبي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    المدى السعودي بلا مدى    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ألف ليلة وليلة" اقتضت ثلاثين سنة لتكتمل ترجمتها الجديدة . الكتاب العربي المترجم الى الفرنسية حقق حضوراً خاصاً بعد "نوبل" محفوظ
نشر في الحياة يوم 01 - 05 - 2004

يتزايد أكثر فأكثر السؤال عن حضور الأدب العربي المترجم في الغرب عموماً وفي فرنسا خصوصاً، وشهدت ساحة النشر الفرنسية، في العقدين الأخيرين، اهتماماً بالكتاب العربي لم تشهده من قبل. وما طبع في باريس في هذه المرحلة من كتب مترجمة عن الفرنسية، يفوق كثيراً عدد الكتب التي نقلت في الخمسين سنة الأخيرة.
العلاقة بالكتاب العربي أو الثقافة العربية كانت في الماضي تقتصر على الإطار الأكاديمي أو تشكل حيزاً من اهتمام المستشرقين والمستعربين. وما كان للكتاب العربي من حضور في حركة النشر الفرنسية إلا في صورة استثنائية. فمنذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي شهدت باريس صدور عدد محدود من الكتب التي أنجزها كتاب فرنكوفونيون من المغرب العربي ومصر ولبنان، ونُشرت كتب معدودة مترجمة عن اللغة العربية ومنها في العام 1960 رواية "أنا أحيا" للكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكي، وصدرت عن دار "سوي" التي كان سبق لها أن نشرت "انطولوجيا الأدب العربي المعاصر"، هذا إضافة إلى ترجمات لطه حسين ومحمود تيمور...
ومع تأسيس دار "سندباد" عام 1972 بدأ الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي يأخذ منحى آخر، لا سيما أن هذه الدار قدمت نفسها منذ البداية بصفتها داراً متخصصة تعنى بالثقافة العربية والإسلامية، وهي تجربة لا سابق لها في تاريخ النشر الفرنسي. وفي حين اعتبر الناشرون الفرنسيون آنذاك أن هذه الخطوة هي ضرب من المغامرة، كان مؤسس الدار بيار برنار يراهن على نجاح مغامرته ولفت انتباه القارئ الفرنسي إلى منشوراته.
أما على المستوى المادي فهو اعتمد، في المرحلة الأولى خصوصاً، على عقد ابرمه مع السلطات الجزائرية ويقضتي بيع نسبة تتفاوت بين الألف والألفي نسخة من كل إصدار. ولم يتورع بيار برنار عن نشر نصوص تراثية تغطي رقعة واسعة من العالم العربي والإسلامي، جغرافياً وزمنياً، عطفاً على الالتفات إلى عدد من أعمال أدبية لكتاب عرب معاصرين، من بينهم: أدونيس، وعبدالرحمن منيف، والسياب والبياتي... وكان برنار أول من التفت في فرنسا الى نجيب محفوظ ونشر ترجمة روايته "زقاق المدق" عام 1970 عن دار صغيرة تسمّى "جيروم مرتينو" وكان هو المشرف على سلسلة الترجمة فيها. بعدها بسنتين، أي عام 1972، أسس دار "سندباد". ولا بد من الإشارة هنا إلى أن كتاب "زقاق المدق" لمحفوظ نال لدى نشره استحساناً واسعاً في الأوساط الثقافية الفرنسية وانتشر انتشاراً مقبولاً فأعادت دار "سندباد" طبعه مرات عدة. وبلغت مبيعاته قرابة 30 ألف نسخة وصدر أيضاً في كتاب "الجيب".
دفع هذا النجاح الدار إلى التعرف إلى الكاتب المصري وإقامة علاقة وثيقة معه نتج منها نشر مجموعة من كتبه: "أولاد حارتنا" و"حكايات حارتنا" و"اللص والكلاب"... وعندما اشترت دار "أكت سود" دار "سندباد" طبعت مجموعتين من المجموعات القصصية لمحفوظ، فجاء الكتاب الأول بعنوان "الحب تحت هضبة الهرم" والثاني "دنيا الله"، واحتوى هذا الأخير على نحو أربع عشرة قصة قصيرة. ثم جاءت رواية "الشحاذ" و "ليالي ألف ليلة" و"خان الخليلي" وآخر كتاب حديث "الصباح والمساء" الذي طبع عام 2003.
مع نيل نجيب محفوظ جائزة "نوبل" للآداب عام 1988 راح الاهتمام بالنتاجات الأدبية العربية، في الغرب عموماً وفي فرنسا خصوصاً، يأخذ منحى آخر، وما عادت دار "سندباد" هي الوحيدة المعنية بالأدب العربي وبالموروث العربي والإسلامي، بل تهافتت دور نشر فرنسية عدة على إصدار هذا النوع من الكتب، لا سيما الأعمال الأدبية. من هذه الدور: "غاليمار" و"سوي" و"دونويل" و"لاتيس"، وكانت هذه الأخيرة أصدرت بالاتفاق مع "معهد العالم العربي" في باريس عدداً من الكتب الأدبية من بينها ثلاثية نجيب محفوظ.
بعض هذه الدور أدخل الكتاب العربي المترجم إلى الفرنسية في مشاريعه كدار "أكت سود" التي تبنت دار "سندباد" اثر وفاة صاحبها، وجعلتها أحد مشاريعها الأدبية الكبرى وتابعت سياسة النشر التي كان بيار برنار اعتمدها في نشر الكتب العربية القديمة والحديثة. هكذا أصبح الأدب العربي، في جزء منه، حاضراً في حركة النشر الفرنسية، بل ويزداد حضوره عاماً بعد عام. وتطالعنا في هذا السياق نتاجات لكتاب معروفين ومكرسين ونتاجات لبعض الكتاب الشباب. وبهذه الطريقة أصبح الكتاب العربي المترجم كأنه الجناح الآخر لنتاج الكتّاب العرب باللغة الفرنسية والذين رفدوا هذه اللغة بنكهة جديدة، ونذكر منهم: كاتب ياسين، جورج حنين، محمد خير الدين، جورج شحادة، أندريه شديد، محمد ديب، عبداللطيف اللعبي، رشيد بوجدرة، رشيد ميموني، أمين معلوف والطاهر بن جلون... وواكبت هذه الحركة الأدبية التي أخذت تتكثف بصورة مطردة لقاءات وندوات تساهم في التعريف بالنتاجات الإبداعية العربية، وتجرى في المؤسسات والأندية، من "مركز جورج بومبيدو" الثقافي إلى "معهد العالم العربي" إلى "بيت الشعر" ومراكز ثقافية عدة.
وإذا كان الأدب العربي المكتوب أصلاً باللغة الفرنسية مترسخاً داخل اللغة الفرنسية وداخل النسيج الثقافي الأدبي الفرنسي وقد اسس تياراً كتابياً جديداً، فإن الكتاب العربي المترجم أصبح هو الآخر يحتل حيزاً تزداد أهميته سنة بعد سنة مقارنة مع الآداب العالمية المترجمة إلى الفرنسية. وتقتضي الملاحظة أن عدد الكتب التي ترجمت من العربية إلى الفرنسية في العقدين الماضيين يفوق ما تم نشره خلال قرون من الزمن. وهذا ما ارسى علاقة جديدة مع الأدب العربي.
"سندباد" و"أكت سود"
الروائي نجيب محفوظ، وبحسب ما قال لنا المشرف في دار "أكت سود" على سلسلة "سندباد" الكاتب فاروق مردم بك، هو في مقدم الكتّاب العرب المترجمين في فرنسا بلا منازع، نشراً ومبيعاً. ويشير مردم بك إلى أن "الأديبة اللبنانية حنان الشيخ حققت من خلال روايتها "مسك الغزال" مبيعات عالية، وبلغت طبعتها العادية الأولى نحو ستة آلاف نسخة تلتها نسخة "الجيب" التي طبع منها ثمانية آلاف نسخة وهو رقم عال جداً مقارنة مع ما ينشر ليس فقط لدى "أكت سود" وإنما أيضاً في دور النشر الفرنسية عموماً. وهذا مقارنة مع بقية الآداب الأجنبية كالأدب الكوري أو الياباني أو الصيني، لكن مع استثناء الأدب الأميركي والألماني".
وعودة إلى مشروع دار "لاتيس" و "معهد العالم العربي" يقول مردم بك ان هذه الدار نشرت عام 1985 الترجمة الفرنسية للجزء الأول من ثلاثية محفوظ التي بيع منها في البداية تسعة آلاف نسخة، وبعد نيله جائزة "نوبل" للآداب وصل الرقم إلى ثمانية وعشرين ألف نسخة، بعدها واصلت الدار ترجمة الجزءين الثاني والثالث بالتعاون دائماً مع "معهد العالم العربي" وواصلت نشر الكتب التي تم الاتفاق عليها، لكن المشروع لم يحقق أهدافه. ويعود فشل هذا المشروع، على حد تعبير مردم بك إلى المنافسة الشديدة في هذا المجال، إضافة إلى أن ما يستحوذ على اهتمام القراء هو ما يترجم أساساً عن اللغات الأوروبية، يأتي بعدها الاهتمام ببعض الآداب ومنها أدب أميركا اللاتينية والأدب الياباني الذي فرض نفسه بقوة في مشهد النشر الفرنسي.
وعن سؤال عن وضع الأدب العربي الراهن ضمن المشهد العام، يقول مردم بك: "إن وضع الأدب العربي ليس في حال سيئة إذا قورن ببقية الآداب الأخرى، ولكن المطلوب هو أن نستطيع فرض عشرة أسماء على الأقل من الأسماء التي تمثل الأدب العربي المعاصر. وإذا قارنا عدد الترجمات إلى اللغات العالمية كالإنكليزية والإسبانية والإيطالية، تعتبر فرنسا الأولى في ترجمة الكتاب العربي إلى اللغة الفرنسية. أما من أسماء الأدباء الأكثر تداولاً اليوم، فيمكن أن نذكر: أدونيس ومحمود درويش في الشعر، وفي الرواية: نجيب محفوظ وحنان الشيخ وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني والياس خوري".
عن سياسة نشر الأدب العربي في دار "أكت سود"، يقول المشرف على سلسلة "سندباد": "عملياً تترجم ستة كتب سنوياً في دار "أكت سود". من الكتّاب الذين صدرت وستصدر لهم كتب جديدة في هذا الموسم كتاب "يالو" لالياس خوري، ومجموعة شعرية لمحمود درويش، وعملان روائيان من فلسطين لعدنية شبلي وحسين البرغوثي لم يترجما قبل الآن، ثم رشيد الضعيف وإبراهيم أصلان ومحمد زفزاف الذي توفي قبل سنة. وفي عام 2005 سنطبع لكتّاب عراقيين منهم الروائي فؤاد التكرلي".
إذا كان هذا هو الموقف من واقع النشر الفرنسي للأدب العربي المترجم من خلال أبرز المهتمين في هذا المجال، فما هو موقف الكاتب العربي المترجم من ترجمة الأدب العربي ككل، ونتاجه هو في شكل خاص؟ يجيبنا عن هذا السؤال الكاتب الجزائري واسيني الأعرج الذي أصدر حتى الآن عشر روايات باللغة العربية منها أربع مترجمة إلى الفرنسية ولغات أوروبية أخرى. ورواياته المترجمة هي على التوالي: "حارسة الظلال"، "مرآة العميان"، "زهور شجرة اللوز" و"شرفات بحر الشمال".
يقول واسيني: "تجاوزت حركة ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسية مرحلة الاهتمام البسيط والهاوي ودخلت إطار المتخصصين والباحثين، خصوصاً بعد حصول الأديب نجيب محفوظ على جائزة "نوبل". فمنذ الفوز بالجائزة بدأ التفاؤل بإمكان اكتشاف هذا الأدب، وأصبح ممكناً اعتبار الأدب العربي واحداً من الآداب العالمية التي تضيف إلى التجربة الإنسانية لمسة جديدة. فإذا كان الأدب العربي الكلاسيكي ارتبط في فرنسا بأسماء متخصصة من أمثال لويس ماسينيون وجاك بيرك وغيرهما، فإن هذا الاهتمام كان منحصراً بصورة عامة في الأدب العربي القديم، ولكن بعد فوز محفوظ بجائزة "نوبل" اكتشف الغرب أن الأدب العربي الحديث ليس مجرد نقل عن الأدب الأوروبي، وهكذا بدأ يتعمق الاهتمام بالأدب العربي المعاصر ونقله إلى اللغات الأوروبية بما فيها الفرنسية. اما الجانب السلبي لهذه التجربة فهو اقتصارها، وفي مرحلة محددة، على النتاجات المصرية كأعمال جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم وادوار الخراط وابراهيم عبدالمجيد. وبرزت في المشهد الأدبي الفرنسي أسماء لكتاب عرب أمثال جمال الغيطاني الذي كان يتعامل مع دار "سوي" والكاتب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي مع دار "غاليمار"، وهذا شيء ايجابي كونه يرسخ ترجمة الأدب العربي ويكشف عن التنوعات المختلفة الموجودة فيه".
ويضيف واسيني الأعرج: "بعد المرحلة الأولى بدأ التوجه قليلاً نحو ترجمات أخرى من لبنان وبقيت ترجمة أدباء المغرب العربي محدودة جداً، وتتمثل في نتاجات بعض الكتاب كمحمد برادة والحبيب السالمي. وبدأ الإدراك بأن هناك تنوعاً أدبياً عربياً ليس فقط داخل المشرق العربي وإنما داخل المغرب أيضاً، خصوصاً أن أدب المغرب العربي كان يعتبر، والى فترة ليست ببعيدة، منتجاً للأدب المكتوب باللغة الفرنسية فحسب. ومع ذلك، فإذا قارنا ما يترجم من العربية إلى الفرنسية بما يترجم في اللغات اليابانية والصينية مثلاً نرى أن الأدب العربي لم يحتل بعد الموقع الذي يستحقه نسبة إلى ما ينتجه الأدباء العرب الآن، ويزيد هذا الإنتاج عن مئة رواية سنوياً في حين لا يترجم منها سوى واحد في المئة".
وفي هذا المجال يخلص الأعرج إلى القول: "إذا كنا نعذر دور النشر الفرنسية عن قلة ما تنشره مترجماً، فإننا نتساءل عما إذا كان يوجد في الوطن العربي اليوم سياسة ترجمة تعمل على إيصال نتاجات الكتّاب والأدباء العرب والثقافة العربية إلى الآخر المتمثل هنا في القارئ الفرنسي".
وعن سؤال يتعلق بتجربته الشخصية مع ترجمة كتبه إلى الفرنسية وعن معنى أن يكون حاضراً في لغات أخرى، يقول واسيني الأعرج: "إنه شيء مهم لأن العمل يصل إلى جمهور آخر كأن ينقل إليه انشغالات أو هموم الكاتب المحلية والعربية. وأنا كجزائري أحمل العناصر التاريخية والحضارية في ذاتي وكتابتي، فالجزائر التي تلتفت إليها وسائل الإعلام للحديث عن الإرهاب فقط هي بلد ينتج معرفة وفناً وموسيقى وثقافة وحباً. وبقدر ما ننصت إلى الآخرين فنحن أيضاً في حاجة إلى إسماع صوتنا".
الكاتب والشاعر الجزائري باللغة الفرنسيّة جمال الدين بن شيخ يعتبر أنّ حركة ترجمة الآداب العربية في فرنسا لا بأس بها الآن، إذ يهتم عدد من دور النشر ومنها "أكت سود" و"غاليمار" و"سوي" بالنصوص العربية. لكننا إذا قارنّا بين الكتب التي تترجمها هذه الدور عن الآداب الإنكليزية والأميركية والألمانية، فإنّنا نجد أنّ ما تتمّ ترجمته عن العربيّة يبقى قليلاً جداً. أما أسباب ذلك فهي كثيرة ومتنوّعة ويعزوها بن شيخ، في المقام الأوّل، إلى عدم فهم الغرب للثقافة العربية العميقة. ففي رأيه، ما وصل من النصوص العربية إلى اللغة الفرنسية هو شيء محدود مقارنة مع ما وصل من آداب أميركا اللاتينية مثلاً. ويلاحظ بن شيخ أنّ هذا الواقع غريب للغاية بخاصّة إذا نظرنا إلى العلاقات التاريخية التي تربط بين فرنسا والبلدان العربيّة.
من المعروف أنّ جمال الدين بن شيخ نقل الكثير من النصوص التراثية وكذلك من النصوص الحديثة إلى اللغة الفرنسية، وهو يُعدّ أحد أبرز المترجمين العرب في فرنسا لأسباب عدّة، منها أنّه هو نفسه شاعر وباحث وأكاديمي حاضَر طوال سنوات في جامعة "السوربون" و"الكوليج دو فرانس"، وله دراسات عن الشعر العربي و"ألف ليلة وليلة". وهو أيضاً من الذين كانوا يمثّلون ما اصطلح على تسميته "مدرسة باريس لألف ليلة وليلة"، مع كلّ من الباحث كلود بريمان والمستعرب أندريه ميكيل. ووضع مع هذا الأخير ترجمة جديدة لِ"ألف ليلة وليلة" صدرت عن منشورات "غاليمار" الفرنسيّة ويعتبرها المتخصّصون الترجمة الأعمق والأجمل في القرن العشرين لتلك الحكايات التي شهدت ترجمتها الأولى الى الفرنسية على يد المستشرق أنطوان غالان في القرن الثامن عشر رواجاً. عن تجربته في الترجمة والتي أغنت المكتبة الفرنسية، يقول بن شيخ: "جاءت ترجمتي لبعض النصوص العربية كنصوص الحلاج وابن خلدون و"ألف ليلة وليلة" لتعبّر عن الثقافة العربية في كل عناصرها الحضارية العامّة. واختياري لهذه النصوص مبني على أن الثقافة العربية لا تكتفي بطرح المشكلات من خلال نظرة دينية ومن خلال التفسير الديني فقط، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذه الثقافة، القديمة منها والحديثة، حافلة بهواجس الحرية والحب والعدالة الاجتماعية. فمثلاً نجد في نصوص "ألف ليلة وليلة" قصصاً كثيرة تعبّر عن ضرورة الحب وحرية الحب وتحرير المرأة، كما نلمس احتجاج الفقراء على سلطة المال تماماً كما هي الحال في الشعر الحديث لدى أدونيس ومحمود درويش وعبدالمعطي حجازي ومحمد عفيفي مطر. فهذا الصوت الآتي من بعيد في الثقافة العربية نتحسّس فيه عمق الاحتجاج والتعبير عن الحرية".
وعن تجربته المميّزة في حكايات "ألف ليلة وليلة"، يقول بن شيخ: "عكفت مع أندريه ميكيل على ترجمة "ألف ليلة وليلة" مدة ثلاثين سنة كاملة. ولم نكتف بترجمة النصوص بل جمعنا كل المخطوطات وكل الترجمات وقارنّا بينها وحرصنا على ترجمة الشعر الموجود فيها، وهذا ما لم يفعله أنطوان غالان".
ويخلص جمال الدين بن شيخ إلى القول إنّ "المسألة ليست في معرفة اللغة بقدر ما هي في معرفة الثقافة العربية والعقلية العربية العميقة. ومن هنا يبدأ التفاعل والحوار". وهكذا، فإنّ الخلاصة التي توصّل إليها بن شيخ، بعد عقود من الزمن أمضاها في الكتابة والبحث والترجمة وهو اليوم يعيش تقاعده في إحدى القرى الفرنسية البعيدة، لكنّه لا يزال على صلة مع أبرز ما يدور في العاصمة الفرنسيّة، ولا يزال يشارك في اللقاءات والندوات، وله موقف كما عادته دائماً بالنسبة إلى ما يحصل من أحداث سياسية وثقافية واجتماعية في الضفّة الأخرى من المتوسّط، تلك الضفّة التي شهدت ولادته الأولى ولم ينقطع عنها يوماً، هذه الخلاصة يمكن أن تكون شعاراً بل نهجاً لمشروع الترجمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ليس فقط من العربيّة إلى الفرنسيّة، بل أيضاً من الفرنسيّة إلى العربيّة، في حركة متداخلة ومتكاملة تكون منطلقاً لحوار حضاري من نوع جديد، حوار يؤسّس علاقة أخرى مختلفة تساعد على التئام الجرح بين الضفتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.