تحت عنوان "القراءة واكتشاف العوالم الجديدة" افتتح في القصر الكبير في باريس المعرض الثاني عشر للكتاب. كتب فرنسية للعرب وعن العرب رأيناها في واجهات العرض: اعمال نجيب محفوظ تزين رفوف جناح دار سندباد والاقبال على شرائها فوق المتوقع. لكن اغلب الزوار يتجه الى "البوفيه" الذي يحمل الاطايب اكثر مما يتجه الى رفوف الكتب. مؤلفون حضروا وتحلقوا حول جناح ميزونوف لاروز، الدار التي تركز على الثقافة العربية والاسلامية والتراث العالمي: رينيه خوّام له حصة في منشورات الدار، ودانيال ريغ له سلسلة عربية يشرف عليها، وحتى الافريقي الشاب الفونس تييرو كان يجلس هادئاً قرب مجموعة مؤلفاته عن التقاليد الافريقية. وفي جناح دار فيبوس كان التراث الشرقي يظهر في الغلافات: "حكايات جحا" وكتاب "الساق على الساق في ما هو الفارياق" وكتاب الخيل عند العرب… وفي جناح دار غراسيه كتاب امين معلوف الجديد "القرن الاول قبل بياتريس" يتصدر مكاناً يجذب العيون بسرعة. وفي جناح روبرت لافون يظهر كتاب فينوس خوري غاتا "مولاة الوجيه"، وتردد ان جورج قرم وقّع على مؤلفاته في جناح "لا ديكوفرت"… وحتى الرئيس اللبناني السابق امين الجميل كان يوقّع كتابه في جناح "هاشيت" انخفاض المبيعات يضم المعرض 250 الف عنوان، وتخيم عليه مشكلتان اساسيتان: مشكلة انخفاض المبيعات بشكل ملحوظ، ومشكلة الترجمة والكتاب المترجم. في سنة 1991، كان النشر الفرنسي قد تلخص بپ275 الف عنوان بينها 40 الفاً جديداً في جميع المجالات، اي ما يعادل 325 مليون كتاب بيع في فرنسا وفي العالم. مع ذلك، فهناك ازمة ثقافية حسبما ذكرت النشرات الخاصة عن معرض الكتاب الثاني عشر الحالي في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة. فعن مشكلة النشر وانخفاض المبيعات سنة 1991، اعتقد الناشرون في البداية ان السبب يعود الى حرب الخليج والى تسمر عيون الفرنسيين على شاشات التلفزيون. لكن تبين فيما بعد ان الامر ليس صحيحا. لقد وصل انخفاض المبيعات في العام الماضي الى 3،2 في المئة. ويقال انه اذا لم يتعدل الوضع، فهناك خشية من زوال دور نشر كثيرة او امتصاصها من قبل الدور الكبرى. وعن مشكلة الترجمة عقدت ندوة ناقشت الموضوع من مختلف جوانبه، وبمبادرة من وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية نظمت لقاءات بين ناشرين فرنسيين وزملاء لهم من المغرب العربي. محاور النقاش دارت حول كيفية اختيار الكتب وترجمتها والثقافة الاوروبية وتاريخ الترجمة ومهنة الترجمة الادبية. فيما يتعلق بترجمة الفلسفة والعلوم الانسانية، فهذه لها وضع خاص اكثر اهمية بالنسبة للقارئ الفرنسي والغربي بشكل عام. فحسب احصاءات 1991، نشرت فرنسا 25 ألف كتاب بينها 4500 كتاب مترجم. يعني هذا ان الترجمة شكلت 18 في المئة من الانتاج العام للكتاب في فرنسا. وهي نسبة مرتفعة اذا ما قيست بنسبة الترجمة في انكلترا التي تبلغ 3،3 في المئة فقط. ويفسر هذا بأن انكلترا جزيرة معزولة لا تحتاج الى الترجمة كفرنسا ولأنها ترفد بالكتاب الاميركي. في ايطالياوفرنسا تبلغ نسبة الترجمة 25$، حسبما جاء في الندوة. وفي السويد تصل النسبة الى 60$. اي ان الكتاب المترجم في السويد هو اكثر من الكتاب المؤلف مباشرة باللغة السويدية. من المعلومات المتوافرة في الندوة ان اللغة الفرنسية تأتي في المرتبة الثالثة من حيث ترجمة كتبها الى اللغات الاخرى. وان اللغة الانكليزية تحتل المرتبة الاولى في هذا المجال تليها اللغة الاسبانية. واهم الدول التي تترجم عن الفرنسية هي، بحسب الترتيب التنازلي هنا: اسبانيا، ايطاليا، المانيا، اليابان، البرتغال، بريطانيا والولايات المتحدة. اللغات الاكثر ترجمة الى الفرنسية هي الانكليزية بالطبع وتليها الالمانية. ويحتل الادب المرتبة الاولى من حيث عدد الكتب المترجمة، ثم كتب الاطفال وبعدها كتب الفلسفة والعلوم الانسانية. ولوحظ في الندوة ان المترجمين يربحون اكثر من الكتّاب بكثير. ونظراً لطرح موضوع الترجمة لأول مرة في معرض الكتاب، قام "مركز بحوث تاريخ انظمة الفكر الحديث" وقسم الفلسفة في جامعة السوربون بتنظيم ندوة عالمية حول الموضوع التالي: "ترجمة الفلاسفة"، ناقشت اعمال المترجمين الفرنسيين للفلاسفة الكبار من امثال كانت، كيركغارد، هايدغر، نيتشه ومعظم فلاسفة الالمان والانغلو ساكسون. والناحية العربية في الموضوع هنا تكمن في حديث الاستاذ "تييه" عن كيفية ترجمة النصوص الفلسفية العربية الى اللاتينية والفرنسية. جناح "كتاب الجيب" في المعرض حاز على استقبال جمهور كثيف من الزوار. ففرنسا تنشر 120 مليون نسخة من هذا الكتاب الصغير الحجم سنوياً. الجميع يشتري كتاب الجيب لأنه سهل الحمل ورخيص السعر نسبياً. ويحظى جميع الكتاب المشهورين من كلاسيكيين ومعاصرين بطبعة كتاب الجيب. من جان جاك روسو وفولتير ونيتشه وحتى افلاطون وارسطو، ومن المعاصرين جان بول سارتر وألبير كامو واندريه جيد وسواهم. الكاتبة والمؤرخة الفرنسية الشهيرة "هيلين كارير دونكوس" التي دخلت الاكاديمية الفرنسية أخيراً، قالت على هامش تعليقاتها بمناسبة معرض الكتاب هذا: "القراءة ولعي الكبير وفرحي الاكبر في كل لحظة". وذلك في مقدمة الكتاب الفهرسي عن المعرض. لكن هل للولع بالقراءة والفرح بها اي مكان في قلب القارئ وروحه اذا ساء وضعه الاقتصادي؟ على عكس ما قالته "ريجين ديفورج" عن وجود ازمة ثقافية في حقل الكتاب والنشر، هناك ازمة اقتصادية. ولم يستطع حشد الافتتاح في معرض الكتاب تخفيف ضجتها.