كان لا ينقص مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوبلبنان الذي يغرق معظم أهله في بحر من العوز وعدم توافر أبسط مقومات الخدمات الصحية والاجتماعية الا وضع الرئيس جورج بوش "عصبة الأنصار" الاسلامية، التي تأخذ من المخيم مقراً لها على لائحة الأهداف الأميركية ولتكون من بين 11 منظمة اسلامية متطرفة وارهابية، حسب تصنيف القاموس الأمني الأميركي. لم يكن أحد يتوقع ان هذه العصبة التي شغلت الأجهزة الأمنية اللبنانية وما زالت ستربك أيضاًَ أجهزة الاستخبارات الأميركية وتضعها في عداد مجموعة المنظمات الارهابية المرتبطة بأسامة بن لادن. وغداة إعلان الرئيس بوش ان "عصبة الأنصار" من ضمن المنظمات الارهابية المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الذي يقوده ابن لادن ضج مخيم عين الحلوة بالخبر وعادت الألسن تتحدث من جديد عن هذه العصبة التي لا يتجاوز عدد المنضوين رسمياً فيها أكثر من مئة رجل، على حد قول أبناء المخيم الذي تخوف سكانه من ضربة أميركية، بعدما "هطلت" فوق منازله المتواضعة والفقيرة آلاف الأطنان من القنابل الاسرائيلية منذ العام 1982. وذكرت فاعليات في المخيم ل"الوسط" "أن "الأميركيين ضخموا العصبة وهي ليست في المستوى الذي تحدثوا عنها". ويعرف عن مسؤولي "العصبة" انهم لا يتحدثون الى الصحافة إلا نادراً، على عكس ما تفعله الحركات الاسلامية الفلسطينية الأخرى لأن قادتها مطلوبون للقضاء اللبناني، وثمة أحكام صدرت في حق بعضهم وصلت الى حد الاعدام والسجن المؤبد، الأمر الذي يمنعهم من الاحتكاك بسهولة مع الصحافيين. لكن أحد مسؤوليها ويدعى الشيخ أبو شريف عقل عقد مؤتمراً صحافياً في منزل مرشد "العصبة" أحمد عبدالكريم السعدي المعروف باسم "أبو محجن" وكان الى جانبه شقيق الأخير "أبو طارق". ونفى عقل أي علاقة تنظيمية للعصبة بإبن لادن وتنظيمه "القاعدة"، لكنه وصفه ب"المجاهد" ودعا الله الى حفظه. وقال عقل "ان عصبة الأنصار الاسلامية، تؤكد انه لا علاقة تنظيمية تربطها بالشيخ أسامة بن لادن وان قرارها مستقل، إلا أن روابطها أقوى من الروابط التنظيمية مع جميع المسلمين الا وهي رابطة الدين والعقيدة، من هنا نعلن ان الواجب على الأمة الاسلامية ان تتحد في مواجهة الحملة الصليبية المدعومة يهودياً". واعتبر ان الحملة التي تحشدها الولاياتالمتحدة هي "حملة صليبية ضد الاسلام والأمة الاسلامية". وأكد انه "لا توجد لهم أي أرصدة مالية في المصارف الأميركية او غيرها". والتقت "الوسط" أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب ومسؤول "فتح" في عين الحلوة العقيد خالد عارف وسألته عن رأيه في "عصبة الأنصار الاسلامية" والضجة التي أثيرت حولها، فأجاب "ان موضوع العصبة أخذ أكثر من حجمه، فهي تتألف من مجموعات عدة وقائدها "أبو محجن" توارى عن الأنظار منذ اغتيال الشيخ نزار الحلبي. ونقول ان علاقتنا مع العصبة غير سوية ونحن الجهة المسؤولة فتح اجتماعياً وميدانياً في المخيم". أضاف: "لا يتجاوز نشاط أنصار العصبة حدود مخيم عين الحلوة ولهم بعض الامتدادات الفردية التي لا تتجاوز الأراضي اللبنانية". واستبعد عارف ان تقدم الولاياتالمتحدة على ضرب العصبة في مخيم عين الحلوة "لأنها دولة عظمى ولن تقدم على ضرب مجموعات صغيرة لا تتجاوز العشرات". وهل لأنصار العصبة ارتباطات بتنظيم "القاعدة" وابن لادن؟ أجاب: "ليست لدينا أي معلومات في هذا الخصوص". وسئل في حال طلبت منكم السلطات اللبنانية محاصرة العصبة واعتقال مسؤوليها فهل تقدمون على مثل هذا العمل؟ فأجاب "هذا الموضوع يحتاج الى تدخل السلطة المركزية الفلسطينية الممثلة بالرئيس ياسر عرفات". من هي؟ أسس "عصبة الأنصار" الشيخ هشام شريدي "أبو عبدالله" عام 1985 واغتيل في 15 كانون الأول ديسمبر عام 1991 وهو من أبناء مخيم عين الحلوة. بدأ حياته السياسية والعسكرية في حركة "فتح" لكنه انقلب عليها في ما بعد وأخذ الاسلام منهجاً وعقيدة. وتولى شريدي قبل تأسيسه العصبة الاشراف على مجموعات عسكرية فلسطينية اشتركت في حرب شرق صيدا ضد "القوات اللبنانية" المنحلة وكانت له مشاركات أخرى في حرب المخيمات الى جانب فصائل فلسطينية عدة ضد حركة "أمل" وقاتل أيضاً ضد الجيش الاسرائيلي اثناء اجتياحه للبنان عام 1982. ويروي الذين عايشوا شريدي انه كان يتمتع بشخصية قوية وحضور لافت الأمر الذي مكّنه من جذب العشرات من الشبان الى خطه والتأثير فيهم بعد أخذه الاسلام مسلكاً في كل أمور حياته. ويقول أبناء المخيم ان شريدي تزوج من ثلاث نساء والأخيرة كانت من مخيم المية والمية في جنوبلبنان وله منهن مجموعة من الأولاد. ويروى عن شريدي عندما كان في "فتح" انه كان يعيش حياة عادية مثل الكثير من أقرانه ويستمع الى الأغاني والموسيقى ويفضل أغاني أم كلثوم. "أبو محجن" ويتهم "العصبيون" أنصار حركة "فتح" بتصفية قائدهم على يد المسؤول في الحركة العميد أمين كايد بأنه كان وراء مقتل مرشدهم. وتم أيضاً اغتيال كايد قبل أعوام على بعد أمتار من حاجز للجيش اللبناني على مقربة من مخيم عين الحلوة. والمفارقة ان الاثنين تربطهما علاقة قرابة وهما أولاد خالات. وتتهم "فتح" العصبة أيضاً باغتيال كايد لكن من دون وجود أدلة تثبت هذا الاتهام. بعد اغتيال شريدي تولى قيادة العصبة تلميذه أحمد عبدالكريم السعدي الملقب ب"أبو محجن" المتواري عن الأنظار لأنه المتهم الأول في عملية اغتيال الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الأحباش في 31 آب أغسطس 1994. وتشير المعلومات إلا أنه ما زال يعيش في مخيم عين الحلوة علماً ان مسؤولي العصبة يشيرون الى انه "خارج لبنان وفي بلاد الله الواسعة" على حد قولهم، ومنذ حادثة اغتيال الحلبي لم يشاهد "أبو محجن" الذي تحول لغزاً لأجهزة الأمن اللبنانية. وترددت معلومات ان زوجته انجبت طفلاً في مخيم عين الحلوة عام 1999. وانطلق السعدي من عائلة فلسطينية متواضعة وله مجموعة من الأشقاء يعملون في مهنة التمديدات الكهربائية في المنازل ويملكون محلاً في عين الحلوة. وتوفى والدهم قبل مدة وهم يمارسون حياتهم في شكل طبيعي الى جانب أبناء المخيم. شقيقه "أبو طارق"، وهو في العقد الثالث، يتولى ادارة العصبة بمعاونة مجموعة من المشايخ الذين يطلقون على أنفسهم لقب "الأمراء"، وأبرزهم شاب في نهاية العقد الثالث يدعى "أبو عبيدة" ويحتل الاخير مكانة رفيعة في صفوف التنظيم وفي العصبة مجموعة من أعضاء مجالس الشورى والمستشارين. ومن المعلوم ان العصبة والأحباش يكفران بعضهما بعضاً. ويصف العصبيوي خصومهم "الأحباش" بأنهم "طائفة خرجت عن نطاق أهل السنّة ويوالون الأنظمة ويعادون الحركات الإسلامية العاملة على أساس القرآن واقامة الدولة الإسلامية ويهدفون في نشاطاتهم الى مراضاة السلطة ومعاداة الشعب". ونفذ القضاء اللبناني حكم الاعدام في حق ثلاثة أعضاء من العصبة اتهموا بقتل الحلبي في آذار مارس عام 1997 وهم خالد محمد حامد وأحمد منذر الكسم ومنير صلاح عبود. أحداث الضنية والعصبة متهمة أيضاً بمشاركتها في احداث منطقة جرود الضنية في شمال لبنان التي وقعت في الأسبوع الأخير من عام 1999 وذهب ضحيتها آنذاك 45 قتيلاً بينهم 11 عسكرياً من الجيش اللبناني وأحدهم ضابط برتبة مقدم خطفه المسلحون وبتروا رأسه. ولائحة الاتهامات الموجهة الى العصبة كثيرة وثمة من يقول إنها نفذت أيضاً جريمة اغتيال القضاة الأربعة عندما كانوا يمارسون عملهم على قوس العدالة في محكمة مدينة صيدا المتاخمة لمخيم عين الحلوة الذي يعيش فيه ما لا يقل عن 75 ألف شخص على مساحة صغيرة جداً يطوقها الجيش اللبناني من الجهات الأربع، ومن المعروف ان الكلمة الفصل في المخيم هي لأنصار رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وثمة من يردد في صيدا ولبنان ان أنصار العصبة هم وراء تنفيذ مسلسل تفجير دكاكين بيع المشروبات الروحية ومحال "الفليبرز" والتسلية التي تقع في ضواحي مخيم عين الحلوة وصيدا. من جهة أخرى عمل اعضاء العصبة على شراء الأسلحة في الأعوام الأخيرة من داخل المخيم. وتقول المعلومات انهم لا يملكون اكثر من البنادق الاوتوماتيكية فضلاً عن المسدسات التي لا تفارق "خصورهم"، ويذكر ان منازل قادتهم محصنة بحواجز وبوابات حديدية ضخمة وينتشرون في مختلف أحياء المخيم وأزقته. ومن المعروف عنهم انهم لا يظهرون اسلحتهم في وضح "النهار" لأن عناصر الكفاح المسلح شرطة تابعة لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية تتولى أمن المخيم. لكن رجال العصبة يحرسون منازلهم ومقارهم في الليل خوفاً من مهاجمتهم أو اعتقال أحد منهم. ولا تربطهم علاقات ود أو تعاون مع الفصائل الفلسطينية الأخرى حتى انهم لا يرتاحون الى حركات اسلامية فاعلة في مخيم عين الحلوة والمخيمات الفلسطينية الأخرى في لبنان مثل حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وهم لا ينسجون أيضاً علاقات مع الأحزاب والحركات اللبنانية مثل "حزب الله". ولا تشارك العصبة في الاجتماعات التي تعقدها الفصائل واللجان في المخيم التي تتولى تسيير الأمور الحياتية والانمائية في المخيم. ويؤدي العصبيون الصلوات في مختلف مساجد المخيم ما عدا مسجد صلاح الدين التابع ل"الأحباش" وهم لا يشاركون أيضاً في المسيرات التي تحصل في المخيم إلا نادراً والتي زادت بعد تصاعد احداث الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية. ويتردد ان انصار العصبة لا يعترفون بعلم فلسطين بل يرفعون راية خضراء مكتوب عليها عبارة "لا اله إلا الله". وعلى رغم نفيهم وجود أي علاقة لهم بإبن لادن فإنهم يرفعون صوره في منازلهم. ولا يعترف العصبيون بالأنظمة العربية والإسلامية القائمة وحتى النظام الإسلامي في ايران، وفي المقابل لا يخفون اعجابهم بحركة "طالبان" الأفغانية. ويقولون: "إن جميع الحكومات في هذا العصر كافرة كونها لا تحكم بشريعة الله وتستبدلها بقوانين وضعية ومفاهيم مدنية مثل الديموقراطية البرلمانية والاشتراكية وهي قائمة على استحلال الحرام وتحريم الحلال وكلها تستهزئ بالشريعة وتناقضها". ويضيفون "ان افكارهم مستمدة من كتاب الله وسنّة نبيه محمد ونحن على خلاف مع كل من خرج عن نطاق أهل السنّة والجماعة". ويعمل "أمراء" العصبة ومشايخها على تعبئة أنصارهم بالتعاليم الإسلامية والدعوة الى الجهاد ونشر الدعوة وضرورة طاعة المرأة لزوجها ويعقدون الكثير من الحلقات والمحاضرات الدينية، ويقوم الجهاز النسائي في العصبة على مشاركة النساء في الاحتفالات الدينية وتقديم التعازي ويعلمن على دعوة النساء السافرات الى ارتداء الحجاب والزي الإسلامي. وثمة نساء من العصبة لا يشاهدن الرجال في منازلهن حتى في حضور أزواجهن. ويروي أبناء مخيم عين الحلوة ان شباناً من العصبة قاموا بجلد الذين يشربون البيرة والمشروبات الروحية الأخرى. وثمة مجموعة منهم كانت تحمل العصي في أوقات دخول التلميذات وخروجهن من المدارس وضرب الفتيان الذين يعاكسون الفتيات، لكن هذا الأمر توقف لأن الكفاح المسلح يسير دوريات متواصلة في المخيم. من جهة أخرى فإن العصبة تضم في صفوفها شباناً لبنانيين من طرابلس وبيروت وصيدا انضووا في صفوفها بعدما لجأوا الى عين الحلوة هرباً من الأجهزة اللبنانية، وثمة مجموعة منهم مطلوبة للقضاء وثمة أحكام صادرة في حقهم وتزوج بعض هؤلاء من فتيات فلسطينيات واحتموا بالعصبة في المخيم. وتردد ان شاباً مسيحياً مطلوب للقضاء انضم الى العصبة بعدما اشهر اسلامه وتزوج من فتاة مسلمة. ويعتاش العصبيون في المخيم من أعمال في التجارة أو بيع الخضر والفاكهة والقهوة والحلويات وتصلهم تبرعات أو مساعدات من أقرباء لهم يعيشون خارج عين الحلوة ولبنان. أخيراً تفاخرت "عصبة الأنصار الإسلامية" ان الرئيس بوش وضعها على لائحة المنظمات الارهابية المناوئة للأميركيين وحلفائهم الأمر الذي سيرفع من معنوياتها ويقوي من عقيدتها لدى انصارها. هذه "الهدية الأميركية" انتظرتها العصبة وسقطت عليها في مخيم عين الحلوة من السماء.