%72 من الشركات السعودية تستعين بحلول الذكاء الاصطناعي    ترامب يعتزم فرض رسوم إضافية على السيارات المستوردة    رابطة العالم الإسلامي تُدين جريمة الدهس بميونخ    وزير الخارجية الأردني يؤكد على موقف بلاده الثابت في رفض تهجير الفلسطينيين    اليونيفيل تطالب بتحقيق "فوري" بعد إحراق مركبة تابعة لها في بيروت    أكبر عملية إفراج عن الأسرى الفلسطينيين في صفقة التبادل.. اليوم    فريق سومي لي يتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة للسيدات    «العودة» إلى رتبة لواء    متوسطة العلاء بن الحضرمي تحتفل بيوم التأسيس    سيدات القادسية إلى نهائي كأس الاتحاد السعودي    السعودية تجمع ترمب وبوتين    "الهلال" يُصدر بياناً إعلاميّاً يستغرب خلاله من الحالات التحكيمية في مباراته أمام الرياض    تحت رعاية الأمير مشعل بن محمد.. تكريم رواد التطوع في حفلٍ مجتمعي بالرياض    وزير الرياضة: نتطلع لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية" نيوم 2029″    بعد تألقه مع النصر.. دوران يحظى بإشادة كولومبية رهيبة    السعودية تدين وتستنكر حادث الدهس الذي وقع في مدينة ميونخ    زراعة عسير تطلق فعالية خيرات الشتاء    غونتر: بداية قوية.. وأوليفر: المنعطف الأخير «محبط»    الهلال يتعثر في الرياض    إطلاق مبادرة «لحومنا آمنة» في خميس مشيط    القبض على بنغلاديشي ومواطن في القصيم لترويجهما «الإمفيتامين»    الفتح يستفيق بالفوز على الاتفاق    هيئة فنون العمارة والتصميم تحتفي بمرور 5 أعوام على تأسيسها    الشركة السعودية للكهرباء تنجح في إصدار صكوك دولية ثنائية الشريحة بقيمة 2.75 مليار دولار تشمل شريحة خضراء    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    جمعية أسر التوحد توقع مذكرة تفاهم مع شركة رانج لتعزيز التعاون الإعلامي والتسويقي والمعارض    مدير الشؤون الإسلامية يجتمع بمنسوبي الفرع ويناقش تجهيزات المساجد لاستقبال شهر رمضان المبارك عبر البث المباشر    إعادة النبض لمعتمر باكستاني في الحرم المكي    «البيئة» ترصد هطول أمطار في 7 مناطق.. والرياض تسجّل أعلى كمية    منصة توقيع الكتب.. تجربة فريدة في معرض جازان للكتاب 2025    السعودية تشيد بالمكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الأميركي والروسي    السعودية ضمن أكبر 10 أسواق عالمية في تخزين الطاقة    إمام وخطيب المسجد الحرام: اتركوا أثراً جميلاً في وسائل التواصل.. لتبقى لكم بعد مماتكم    خطيب المسجد النبوي: الذنوب تمحى بالاستغفار ما لم تبلغ الكفر والشرك بالله    منفذ الوديعة: إحباط تهريب 17 ألف حبة «كبتاجون» و4 كيلو حشيش    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    (رسالة مريض ) ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز الدعم النفسي للمرضى.    ارتفاع أسعار النفط    هدية مجهول في عيد الحب تتسبب في مقتل فتاة    اعتزال الإصابة    «غير النفطية» سجلت 40 % من الإيرادات.. و115 ملياراً إجمالي العجز    فنون أبها تختتم ليالي الفوتوغرافيين الشتوية    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية    الرياض تحتفي بإبداعات عمر خيرت في ليلة تاريخية    جودة الحياة في ماء الثلج    لماذا التشكيك في رجاحة عقل المرأة..؟!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    عطني المحبة كل المحبة.. عطني الحياة..!    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    في يوم النمر العربي    العنوسة في ظل الاكتفاء    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    ثمن المواقف الأخوية الشجاعة للسعودية والأردن ومصر.. الرئيس الفلسطيني يشدد على اعتماد رؤية سلام عربية في القمة الطارئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أنفاس متلاحقة"
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2001

قال لي العاشق الولهان، وهو يثبت وردة حمراء في عروته:
تحب الربيع... هناك الخريف
الجبال... هناك الزلازل
الوديان... هناك السيول
البحر... هناك التماسيح
الصحراء... هناك ضربة الشمس
التسكع... هناك حوادث الطرق
التدخين... هناك السعال والتهاب القصبات
الكحول... هناك تشمّع الكبد
النظافة... هناك التلوّث
الصداقة... هناك الغدر
الوطن... هناك خدمة العلم
المقاومة... هناك الحصار والقنابل المسيّلة للدموع والدماء
الصحافة... هناك الرقابة
المرأة... هناك حركة طالبان.
فكل أنواع الحب كما ترى، عابرة، ومؤقتة، ولا مستقبل لها.
ما عدا حب "المخابرات" فهو خالد، ومقيم، ومضمون، ولا يزول لا عنك، ولا عن أولادك أو أحفادك، أو أحفاد أحفادك من بعدك.
وقد يقول قائل: وهل هناك عاقل أو مجنون أو ملتاث في هذه الدنيا، مهما كان وضعه النفسي والسياسي، والعاطفي، والاقتصادي، والعقلي، يحب المخابرات، رمز القهر والظلم والطغيان؟
وأنا أقول: هذا ظلم صارخ، بل خطأ فادح، يجب تصحيحه فوراً كما كان تاريخ الأحزاب في دول المنظومة الاشتراكية، يصحح بعد أي تبدل أو تبديل في القيادة أو القاعدة. وكما يصحح التاريخ كله عندنا بعد كل خطاب سياسي أو مباراة رياضية. لأنهم شعلة من العواطف والتهذيب، والأريحية، والغيرة على الوطن والمواطنين.
أنا مثلاً: كم عانيت في حياتي، وفي أكثر من بلد عربي، من القهر والجوع والبرد والتشرد، واليأس والاحباط، وكم مررت بظروف وحدوية، وانفصالية، وعاطفية وفقهية وسكنية لا تتحملها الصخور؟
تشردت في الشوارع، وأمام الحوانيت، وواجهات الصحف والمسارح ودور السينما، ونمت في وسائط النقل، والحدائق العامة أكثر مما نمت في بيتي، فهل تفضّل تاجر، أو بقّال، أو مستهلك، أو حلاّق، أو نجار، أو أي حرفي ممن كنت أتعامل معهم، أو حتى جار لا يفصله عني سوى الجدار، وسأل عني، وعن أحوالي، وما إذا كنت أشكو من شيء، أو بحاجة إلى شيء، أو دعاني على فنجان قهوة في بيته ولو أمام الباب؟
بينما "هم" في أي بلد زرت أو أقمت، يعرفون ماذا آكل، وماذا أشرب، وماذا ألبس، ومتى استيقظ، ومتى أعود، وماذا أسمع من الموسيقى، والاذاعات، والمطربين والمطربات، وما أشاهد من أفلام، وبمن اتصل، ومن يتصل، ومن أجالس في المقهى، ومن أخالط، وأي جامع أؤم، ومن كان على يميني وعلى يساري إذا صلّيت، ولمن دعوت وعلى من كلما ركعت.
إن الأم الرؤوم لا تعامل أبناءها وفلذات كبدها هذه المعاملة، ولذلك سأقترح على الجهات المعنية منحهم جائزة نوبل لا في الطب أو العلوم أو الآداب، بل، ب"الأمومة" لأنني اتوقع ان تنبت لهم في القريب العاجل اثداء خاصة في صدورهم، لإرضاع الوطن والمواطنين.
كما أنهم ذروة في الكرم والعطاء، وحسن الضيافة العربية الأصيلة، فعندما يدعون أحد المواطنين على فنجان قهوة في مكاتبهم وسؤال وجواب، فقد يبقى في ضيافتهم شهراً أو شهرين، أو سنة أو سنتين، دون ان ينتهي من احتساء ذلك الفنجان، ومن ذلك الجواب، ويقال ان مواطناً عربياً دعي ذات يوم على مثل ذلك الفنجان في أحد الأقبية، فمرت الأيام والشهور والسنوات، وفقد البن في اليمن والبرازيل، وفنجان صاحبنا ما زال كما هو، وكلما استأذن للانصراف، استمهلوه، وتمسكوا به، وشدّوه من ثيابه وشعره، كي يبقى في ضيافتهم، لأنهم لم يشبعوا منه بعد، فيضطر للبقاء شهوراً وسنوات، يأكل ويشرب في ضيافتهم من دون أي مقابل.
بصراحة: انهم ذروة في السخاء والعطاء، واللقمة التي في فمهم، والسوط الذي بيدهم، ليس لهم، بل لهذا الوطن، لهذا المواطن الحبيب.
وإذا كانوا يؤثرون التوقيف دائماً تحت الأرض، فلأن الإنسان "كنز"، والكنز لا يوضع في الشوارع، وعلى قارعة الطريق.
***
وكما ينشر بعض الكتاب والشعراء نتاجهم بأسماء مستعارة، فإنهم صاروا يعتقلون المواطنين، وخاصة الكتاب والشعراء والباحثين، بأسماء مستعارة أيضاً، حتى يظلوا جنوداً مجهولين كما يريدون.
كما ارتفعوا بمستوى التوقيف والاعتقال الى مستويات قياسية، وبلغوا من النضج والوعي والشمولية حداً لم تعرفه أرقى المخابرات الغربية والشرقية على السواء.
فلم يعد المواطن المشتبه به، يقضي شبابه غادياً رائحاً بسيارات الشرطة، أو صاعداً هابطاً على السلالم، أمام الجيران، والبقالين والمارة الفضوليين، منبوش الشعر أو بثياب النوم، وصابون الحلاقة يغطي وجهه، بل يعتقل لمرة واحدة تحت جنح الظلام، ويطلق مرة واحدة تحت جنح الظلام ايضاً، بحيث يخرج شيخاً، وقوراً، حكيماً وفيلسوفاً محترماً، يساعده من حوله في الجلوس والنهوض اذا ترنح، وتفسير ما يقول اذا تلعثم، ومد يد العون له اذا تعثر، وتقديم المناديل له اذا شهق وبكى.
وبهذه المناسبة، لا بد من الإشارة، الى انه على رغم تطور اساليب الارهاب وأدوات التعذيب، وتنوع استعمالاتها في كل أرجاء المعمورة، فإن المخابرات العربية ما زالت تعتمد الاداة التقليدية المعروفة ألا وهي "السوط" المصنوع من عضو الثور المملح والمجفف، حتى لا يقال: ان هناك عضواً عاطلاً في المجتمع.
أما لماذا يستمر التعذيب في الأقبية العربية على مدار الساعة ومن دون توقف ولو دقيقة واحدة، فليس بسبب القسوة أو السادية، بل خوفاً من الفراغ الدستوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.