لم يكتف الحلاقون الأتراك بتدليل زبائنهم بحلاقة الذقن أو شعر الرأس باحترافية عالية، بل تجاوزوا ذلك إلى"تعديل الدماغ"بالقهوة التركية الشهيرة، ما أدى إلي تكوين صداقات بين الطرفين. وتتميز صالونات الحلاقة التي يديرها أتراك بجمال ديكورها، الذي يجعلها أشبه ما تكون ب"الكوفي شوب"، إذ يقضي الزبون وقت ما قبل الحلاقة في الفرجة على باقة من القنوات الفضائية، أو قراءة الصحف والمجلات المحلية، والاستماع إلى الأغاني التركية. وإضافة إلى مهارة الحلاق، فإن ما يبديه من كرم الضيافة والاستقبال يجعله مفضلاً على غيره من الحلاقين. ويؤكد أحمد المنصور 27 عاماً حرصه على توثيق علاقته بحلاقه الخاص، من منطلق ما يبديه هذا الأخير من احتفاء بزبائنه داخل صالون الحلاقة وخارجه. ويوضح المنصور أنه يدفع بسخاء لحلاقه التركي الخاص، ويتبادل الرسائل معه في مختلف المناسبات، ولا ينكر أنه يفعل ذلك حرصاً على أن يفضله الحلاق على زبائنه الآخرين. ويبدي المنصور سعادة خاصة بطقس القهوة التركية التي يحرص حلاقه على تقديمها له بمجرد دخوله إلى محله، ويقول إن مذاقها مختلف عن تلك التي يحتسيها أحياناً في"الكوفي شوب"، مشيراً إلى أنه يمكث أحياناً في صالون الحلاقة أكثر من ثلاث ساعات من دون الشعور بالملل. محمد أحمد 22 عاماً الذي كان ينتظر دوره في صالون حلاقة تركي آخر، لم يخف استمتاعه باحتساء القهوة التركية، وعلى رغم وجود حلاقين في المحل نفسه غير مشغولين بالحلاقة، إلا أنه كان مصراً على انتظار حلاق معين، اعتاد على أن يسلمه رأسه وهو مطمئن. ويشير إلى أنه قبل كل مرة يتوجه فيه إلى صالون الحلاقة، يتصل بالحلاق ليجهز له القهوة التركية. وعن المعايير التي يستند إليها في تحديد حلاقه الخاص يقول أحمد:"أسلوبه يعجبني، كما أنني أشعر بأنه صديقي، وليس مجرد حلاق"، واستطرد موضحاً:"لصداقتنا سقف أحرص على عدم تعديه، فنحن مثلاً لا نتزاور ولا نلتقي على عشاء أو غداء، إنما قد يطلب مني أحياناً أن أوصله بسيارتي إلى السوق فألبي طلبه، باعتبار أني سأجد مردود ذلك في حلاقتي". ومن جانبه، يستمتع تركي 23 عاماً، وهو صاحب محل جوالات، بالقهوة التي يقدمها له حلاقه الخاص، إلا أنه يفضله على غيره كونه لا يثرثر أثناء الحلاقة. ويشير إلى أن تبادل الأحاديث مع الحلاق يشجع هذا الأخير على"طلبات خاصة"، مثل أن يطلب من الزبون أن يشتري له جوالاً هدية، أو أن يقرضه مبلغاً من المال. أما عبدالملك 32 عاماً فانقلب من زبون إلى صاحب محل حلاقة! ويقول إنه قبل اتخاذ هذه الخطوة كان يقضي وقتاً طويلاً في صالون الحلاقة، يشرب خلاله القهوة ويستمتع بالأغاني التركية وبتبادل الأحاديث مع الحلاقين. ويؤكد أنه كان يتبادل الزيارات مع حلاقه الخاص، ويتناول معه العشاء كل خميس بعد نهاية عمله، كما كان يمده بأسطوانات الأغاني الخليجية ويأخذ منه اسطوانات للأغاني التركية، حتى بات يعرف الكثير من مفردات لغة الأتراك. ويقول الحلاق التركي محمد 29 عاماً، إنه يرتبط بعلاقات صداقة مع عدد كبير من زبائنه السعوديين، ويوضح أن تلك العلاقات تتعدى حلاقة شعر الرأس أو الوجه، فهو يقضي"أوقاتاً ممتعة"مع زبائنه في المطاعم أو المقاهي خارج وقت العمل. ويؤكد أن غالبية زبائنه يقصدون محله بالذات للاستمتاع بشرب القهوة التركية، كونها ذات نكهة مميزة وجذابة، بحسب وصفهم. ويضيف أن الزبون إما أن يطلب القهوة قبل الحلاقة أو بعد الانتهاء منها، وهو يحتسيها أثناء مطالعته الصحف المحلية أو مشاهدة القنوات الفضائية في المكان المخصص لذلك. ويقول:"عليّ التقرب من الزبون إذا كان موظفاً في إدارة حكومية، لكي يسهل علينا بعض المراجعات". ويرى حلاق آخر يدعى غريب، أن الزبون الخاص"هو الذي تتكرر زيارته للمحل أسبوعياً"، مؤكداً أن هذا الزبون يلقى معاملة خاصة، سواء في الحلاقة أو تقديم القهوة التركية، أو حتى في تكوين علاقة أخوية معه.